محمد حليم يكتب عن الاعتداءات الصهـ يونية: الإرهاب كـ طوق نجاة

أحاول في هذا المقال تقديم رؤية نقدية لاعتداءات الصهاينية الأخيرة ووضعها بالسياق العام للواقع الإسرائيلي المعقد، عبر استعراض ملامح الأزمة السياسية الراهنة بين الحكومة والمعارضة داخل اسرائيل، واستخدام “كارت” مواجهة الإرهاب لاحتواء تناقضات المشهد المتفجر. أقوم بتلك المحاولة بوعي مسبق بحساسيتها، لكني أراها ضرورة لاغنى عنها لفهم ماذا يجري من حولنا، بعيداً عن الخطاب الشعبوي الغالب على معالجات الصراع العربي الإسرائيلي.
أزمة داخلية ونفق مظلم
منذ بداية العام الجاري، تخرج مظاهرات أسبوعية احتجاجا على خطط “إصلاحية” تبنتها الحكومة. وبمرور الوقت اتسع نطاق المظاهرات وزادت أعداد المحتجين، وخرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة الإسرائيلية -تل أبيب- وغيرها من المدن والقرى في كافة أنحاء الأراضي الإسرائيلية “المغتصبة”، مطالبين بإلغاء الإصلاحات، وباستقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يقود خصومُه المظاهرات. وقد تجاوزت هذه المعارضة الشرسة للإصلاحات حدود السياسة لينضم عدد متنام من قوات الاحتياط -العمود الفقري لجيش الاحتلال الإسرائيلي- إلى المتظاهرين، الذين رفضوا الحضور للخدمة، مطلقين بذلك جرس إنذار بأن الأزمة باتت تهدد أمن إسرائيل ك “دولة”.
نشير إلى أن تلك “الإصلاحات” موضوع الخلاف بين المعارضة والحكومة الصهيونية تكمن في تعزيز سلطة الحكومة في مقابل سلطة المحاكم الخاصة بمراجعة قرارات الحكومة، بل وبإلغاء تلك القرارات، هذا في الوقت الذي يخضع فيه رئيس الوزراء نتنياهو إلى المحاكمة على خلفية اتهامات فساد، كما ستساعد هذه “الإصلاحات” الحكومة في تمرير قوانين من دون أي كوابح.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتبر من أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ دولة اسرائيل المزعومة. وتتمثل تلك “الإصلاحات” في النقاط التالية:
• تتقلص سلطة المحكمة العليا فيما يتعلق بمراجعة القوانين أو إلغائها، ويكون لأغلبية ضئيلة في الكنيست (بصوت واحد) الحق في إلغاء قرارات المحكمة العليا.
• تكون للحكومة الكلمة العليا في تقرير مَن يصبح قاض، بما في ذلك قضاة المحكمة العليا، وذلك عبر زيادة تمثيل الحكومة في لجنة اختيار القضاة.
• لن يتعين على الوزراء الامتثال لتوصيات مستشاريهم القانونيين -بقيادة المدعي العام- على نحو امتثالهم الآن بموجب القانون.
وبالفعل تم تمرير أحد الإصلاحات السابقة ليصبح تشريعاً – ماحياً بذلك سلطة المدعي العام بخصوص إعلان عدم أهلية رئيس الوزراء الحالي لمباشرة مهام منصبه، في ظل وجود تكهنات بأن المدعي العام الإسرائيلي يتأهب لعمل ذلك مع نتنياهو استنادا إلى مبدأ تضارب المصالح بين الإصلاحات التي تقدمها الحكومة والمحاكمة التي يخضع لها نتنياهو بالفعل.
إضراب عام، إقالة وزير الدفاع، تفجير حكومة اليمين الائتلافية
دعى أرنون بار دافيد، رئيس اتحاد نقابات العمال في إسرائيلي “الهستدروت”، إلى إضراب على مستوى البلاد، لحين وقف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الإصلاحات موضوع الخلاف، وهو ما دفع إدارة مينائي حيفا وأسدود الرئيسيين في إسرائيل، تعليقهما العمل خلال الشهر الماضي، مارس 2023، احتجاجاً على الإصلاحات الحكومية، كما علق مطار بن غوريون في تل أبيب الرحلات المغادرة كجزء من الاحتجاجات النقابية على مستوى البلاد.
وعلى صعيد متصل أعلنت نقابة الأطباء الإسرائيلية واتحاد السلطات المحلية أنهما سينضمان إلى الإضراب، كما تلقت السفارات الإسرائيلية في شتى أرجاء العالم طلبا من نقابة العمال بالانضمام إلى الإضرابات، بحسب موقع BBC.
كذلك أعلنت نقابة المحامين انضمامها للإضراب العام رفضا لتلك الإصلاحات، بالتزامن مع تنظيم مسيرات إلى الكنيست الاسرائيلي، لتضييق الخناق على الائتلاف اليميني الحاكم، الذي استطاع عرقلة قرار بسحب الثقة من حكومة نتنياهو خلال الشهر المنصرف.
في الوقت نفسه أعلنت سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” للوجبات السريعة في تغريدة على تويتر أنها ستغلق جميع فروعها في إسرائيل في الإثنين الموافق 27 مارس 2023.
الجدير بالذكر هنا أنه تمت إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي في وقت سابق من قبل رئيس الوزراء، وزميله بالحزب “الليكود”، لمطالبته بالغاء او تأجيل “الاصلاحات” محل الخلاف، وهو الإجراء التي اعتبرته المعارضة الإسرائيلية خطوة في تعزيز الديكتاتورية التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ووصلت الأزمة السياسية بالبلاد إلى دعوة وزير العدل الإسرائيلي أحزاب الائتلاف الحاكم إلى الاصطفاف وراء رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أبدى اتجاه إلى إرجاء الإصلاحات محل الخلاف، تحت ضغط المعارضة المتنامية بالبلاد، وهو الأمر الذي دفع بعض الفصائل اليمينية المتطرفة بالتخلي عن الائتلاف والتهديد باستقالة وزير العدل.

خلفية الأزمة
يعاني المجتمع والدولة الإسرائيلية “المزعومة” من عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية تمثل تحديات أمام الائتلاف اليميني الحاكم، وتمثل الخلفية الاجتماعية لتفجر الأزمة السياسية بالبلاد. وتتمثل تلك التحديات في:
• ارتفاع تكاليف المعيشة
فبالرغم من قوة العملة الإسرائيلية “الشيكل” والإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة ارتفاع اسعار السلع والخدمات بالاسواق، ألا أن ضعف المنافسة وسطوة الاحتكارات حالت دون تحقيق تلك الاجراءات لأهدافها، وهو ما مثل ضغط عام على الفئات الاجتماعية الأقل دخلا بإسرائيل.

• ارتفاع أسعار العقارات
تظل مشكلة انخفاض المعروض من العقارات مقارنة بالطلب السكاني المتنامي داخل المجتمع الإسرائيلي، من أهم المشكلات التي تواجه الإدارة الاقتصادية بالبلاد، وهو ما يمثل ضغط متنام لاستمرار ابتلاع مزيد من أراضينا المحتلة لبناء المستوطنات وطرد لشعبنا العربي بفلسطين من منازلهم في القرى والمدن المغتصبة.


• أزمة النقل والمواصلات
حيث تعاني المدن الاسرائيلية المحتلة من أزمة مرور خانقة تضغط على الحكومة لإنجاز المزيد من مشروعات تحسين الطرق ووسائل المواصلات وهو ما يمثل ضغطا على الموازنة العامة بالبلاد.

• أزمة قطاع التكنولوجيا والمعلومات
الجدير بالذكر أن هذا القطاع يحظى بأهمية استراتيجية للاقتصاد الإسرائيلي، ويواجه هذا القطاع حاليا أعباء الأزمة العالمية التي تقوض معدلات النمو المتوقعة لهذا القطاع، وللتدليل على الأهمية الاقتصادية لهذا القطاع، نشير إلى أنه في النصف الأول فقط من عام 2021 وصلت استثمارات الشركات الإسرائيلية إلى أكثر من 10 مليارات دولار بهذا القطاع وحده.

• عدم المساواة
شهدت إسرائيل طفرة اقتصادية غير مسبوقة على مدى العقد الماضي ، ارتبطت بالنجاح الكبير لقطاع التكنولوجيا العالية والاستثمارات الكبيرة به. حيث يوجد بها ما يقرب من 107 ألف مليونير من أصل 9.7 مليون نسمة (واحد لكل 90) ، إلا أن تلك القفزة الاقتصادية ارتبطت بتفاوتات اجتماعية متزايدة، بل وتعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث يكسب نصف السكان في المتوسط 57900 شيكل فقط في السنة (16930 يورو) بينما يكسب أغنى 10 في المائة من سكان البلاد أكثر من مليون شيكل (320700 يورو) ، أو 19 مرة أكثر.

كارت الإرهاب
واحد من أهم التعريفات الوظيفية للدولة في المجتمع، هو جهة احتكار العنف، بدعوى المصلحة العامة وفرض القانون، لتظهره – العنف- بوصفه الضمانة لهذه المصلحة، وحقيقة الأمر لا يعدو العنف سوى ضمانة لسلطة الدولة، وبالأحرى كسلطة الدولة كجهاز قمع طبقي في يد الطبقات المالكة. تظل تلك الحقيقة مستترة في العادة تحت رداء الحفاظ على أمن المجتمع، وتستمر تلك الحيلة بالنجاح طالما استمر النظام الاجتماعي القائم في الصمود، حتى تبدأ الاحتجاجات الاجتماعية في الظهور، لتتجلى الحقيقة المخفية، بفعل الحضور المكثف لقوات الأمن التي يستدعيها قمع الاحتجاجات والسعي لاستعادة الاستقرار الاجتماعي مرة أخرى، عندها يبدأ الجميع في إدارك الوظيفة الحقيقية للقمع الكامن في عنف الدولة/ الطبقة، وحينها يكون على الدولة البحث عن ذريعة أخرى لحضور شرطتها وتعزيز قبضتها الأمنية، وبالطبع لا يوجد ما يستطيع أن يباري ذريعة” مواجهة الإرهاب” للقيام بهذا الدور، فمع تفاقم الأزمة السياسية اختارت الحكومة اللعب بورقة التخويف من الخطر المشترك القادم من الخارج “المتربص” بالدولة الإسرائيلية المزعومة، فقامت شرطة الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى بحجة البحث عن منظمي التجمعات غير المنسقة، مستغلة حساسية التوقيت لدى عموم المسلمين، كونه يتزامن مع شهر رمضان الفضيل، وما يمثله من قدسية لدى العرب، وقامت بتسريب صور لتكبيل المصلين السلميين داخل الحرم القدسي للمسجد، وهم مكبين على وجوههم في تصريح مقصود بإهانة المعتقدات الدينية للمسلمين، وهو المشهد الذي ردت عليه فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية بقصف صاروخي يعتبر هو الأكبر منذ 20 عاماً بحسب المصادر الإسرائيلية، لترد عليه قوات الاحتلال بعشرات الغارات على قطاع غزة، وتعلن حكومة الاحتلال حالة التعبئة العامة بالبلاد، بالتزامن مع التراجع في إقالة وزير الدفاع وإعلانها تأجيل الإصلاحات القضائية المزمع اجراؤها، في خطوات لتهدئة الداخل الإسرائيلي، وهو ما تحقق، لتعلن المؤسسة الأمنية بإسرائيل عن انتهاء عملياتها العسكرية على القطاع بعد توقف القصف الصاروخي على المدن الإسرائيلية !
سؤال الإجتماع المشترك وامكانية السلام المزعوم مع إسرائيل
القومية هي إرادة مشتركة للعيش معاً، وهي إما إرادة عامة لعموم السكان، أو إرادة فوقية تعبر عن مصالح بين القوى الاجتماعية المهيمنة، مغطاة تحت ستائر سميكة من الأيدولوجيا. يمكن تعميم الكلمات السابقة على جميع الشعوب التي تحيا داخل إقليم واحد ويجمعهما عقد اجتماعي ينظم علاقاتهم ببعضهم البعض وعلاقتهم مع الخارج.
تمثل إسرائيل نموذجاً فريداً من التجمع البشري، لمجتمع تم تخليقه في معامل الإمبريالية*، فجمع أفراده من مجتمعات أخرى مختلفة فيما بينها، لا تجمعهما هوية مشتركة سوى الدين، ومفاهيم متناقضة عن الاضطهاد الجماعي والخطر الخارجي الذي يتربص بأمتهم الوليدة، وما يستتبعه ذلك من ضرورة الاستعداد الدائم للحرب، فمنذ البداية طرحت الصهيونية نفسها باعتبارها حركة تحرير للشعب اليهودي، وبدأت بتقرير أن اليهود شعب واحد يندرج داخله كل أعضاء الجماعات اليهودية وأنه هناك تاريخ يهودي واحد مشترك يدور كل اليهود في إطاره، وعليه تقرر تأسيس الدولة اليهودية، وبالتالي فإن أي محاولة للتعامل مع الكيان الصهيوني* ودولته المزعومة كما لو كان نسقاً سياسياً طبيعياً وليس كيان استيطاني إحلالي له ظروفه الخاصة التي تحدد طبيعته الخاصة، هي محاولة غير علمية ناهيك عن كونها محاولة منحطة بالأساس، فالدولة المزعومة جاءت بالدم والإرهاب واستمرارها مقروناً بهما، ودورها الوظيفي بالمنطقة قائم على ضرب أي مسعى للتحرر الوطني والاستقلال عن الإمبريالية، وبالتالي فالسلام الوحيد الممكن مع هذا الكيان من وجهة نظرهم هو الاستسلام الكامل لمخططهم الاستعماري والتنازل عن أية طموحات في الاستقلال والتنمية.2
أمين مساعد أمانة التثقيف بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *