“سي إن إن” في تقرير مطوّل: مصر تواجه أزمة مياه حادة.. لكنها تبني “نهرًا أخضر” وبحيرات صناعية في الصحراء

التقرير: دقت السلطات المصرية مرارًا وتكرارًا ناقوس الخطر بشأن مشاكل المياه في البلاد.. لكن يتم تشييد واحة في ظل تلك الأزمة

خبراء يقولون إن استراتيجيات إدارة المياه الخاصة بالحكومة المصرية تساهم في أزمة المياه.. في وقت تحذر فيه السلطات من ندرة المياه

كتب – أحمد سلامة

سلط موقع “سي إن إن” الضوء على مفارقة معاناة مصر من أزمة المياه الحادة في وقت تقوم فيه بتدشين “نهرًا أخضر” في العاصمة الإدارية الجديدة وما يستلزمه ذلك من توفير كميات كبيرة من المياه.
وقالت “سي إن إن” إنه “في الضواحي الشرقية للقاهرة، تقوم الحكومة المصرية ببناء حزام عملاق من البحيرات والمتنزهات في عمق الصحراء. يطلق عليه منشئو المحتوى اسم (النهر الأخضر) ويقولون إنه عند الانتهاء، سيقطع شريط الزينة مدينة مصر الجديدة والحديثة للغاية: عاصمتها الإدارية الجديدة.. وتُظهر المحاكاة الرقمية أن (النهر) يمتد على طول العاصمة الجديدة، كما هو معروف، متفرعًا إلى بحيرات وبرك أصغر”.
وأضافت “يصور مقطع الفيديو الأنيق الذي عرضه رئيس الوزراء المصري قبل خمس سنوات ضفاف الأنهار الخصبة المليئة بالأشجار وتحتل مساحات شاسعة من المساحات الخضراء على الرغم من أن الموقع يقع في وسط الصحراء، مع عدم وجود مصادر طبيعية للمياه في الجوار”.
وطرح موقع “سي إن إن” التساؤل “كيف تخطط الحكومة لتوفير كميات هائلة من المياه للمشروع غير واضح؟”، مضيفًا “يتم تشييد الواحة في وقت أصبحت فيه ندرة المياه مصدر قلق بالغ لمصر، التي تستضيف قمة المناخ COP27 لهذا العام، والتي بدأت الأحد في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر”.
واستكملت “يعتبر الوصول الشامل إلى المياه النظيفة أولوية قصوى لمصر، حيث صرح وزير التخطيط مؤخرًا أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 للأمم المتحدة لن تتحقق بالكامل إذا لم يتم إعطاء الأولوية للمساواة في المياه”.
وأردفت “دقت السلطات المصرية مرارًا وتكرارًا ناقوس الخطر بشأن مشاكل المياه في البلاد، وفي مايو الماضي، أعلن وزير التنمية المحلية أن البلاد دخلت مرحلة (فقر المياه) وفقًا لمعايير الأمم المتحدة. لا تمتلك الأمم المتحدة مقياسًا لـ (فقر المياه)، ولكن من خلال تعريفها، تعتبر الدولة شحيحة المياه عندما تنخفض الإمدادات السنوية إلى أقل من 1000 متر مكعب للفرد، وهو ما أفاد الوزير أنه كان كذلك”.
وأشارت سي إن إن إلى أنه خلال “الشهر الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن موارد المياه في البلاد لم تعد قادرة على تلبية احتياجات السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة، مشيرًا إلى أن حكومته مع ذلك تتخذ خطوات استراتيجية للحفاظ على إمدادات المياه على قدم المساواة. كما أعلن السيسي أنه يطلق مبادرة جديدة تسمى (التكيف مع المياه والمرونة) بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في COP27”.
وقال صقر النور، عالم الاجتماع المصري الباحث في القضايا الزراعية والفقر الريفي والبيئة في الدول العربية ، لشبكة سي إن إن “مصادر المياه لدينا محدودة، نحن في منطقة جافة، وبالتالي ليس لدينا ما يكفي من الأمطار ومصدرنا الرئيسي للمياه هو النيل، هذا الوضع سيزداد سوءًا مع تغير المناخ”.
ونقلت “سي إن إن” عن عدة خبراء قولهم إن استراتيجيات إدارة المياه الخاصة بالحكومة المصرية تساهم في أزمة المياه. في الوقت الذي تحذر فيه السلطات من ندرة المياه، يقول الخبراء إن عشرات المليارات من الدولارات تُهدر على مشاريع تهدر المورد الطبيعي الثمين ولا تحافظ عليه، ولا سيما المشاريع العملاقة في مصر في الصحراء.
وقال الموقع إنه من المفترض أن يحاكي الجسم المائي الاصطناعي نهر النيل ويصبح محورًا رئيسيًا في مشروع العاصمة الجديدة.
واسترسل التقرير “تم تصميم النظام العملاق من البحيرات والقنوات والحدائق الذي يربط بين مختلف أحياء العاصمة الجديدة ليبلغ طوله 35 كيلومترًا ويشمل ما تقول مصر إنه سيكون (أكبر حديقة في العالم)، ويمتد على مساحة 10 كيلومترات. وذكرت وسائل إعلام حكومية أن تكاليف المرحلة الأولى قدرت بنحو 500 مليون دولار في عام 2019. ويتضمن المشروع أيضًا بحيرتين عملاقتين، تم بناء الأولى منهما، وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية”.
ولم تتمكن سي إن إن من التحقق من حجم مشروع النهر الأخضر الذي تم تشييده حتى الآن، حسب قولها، لكن في يونيو قالت السلطات إن المرحلة الأولى من العاصمة الجديدة اكتملت بنسبة تزيد عن 70٪، وتُظهر صور “جوجل إيرث” مساحات شاسعة من المساحات الخضراء ممتدة عبر الصحراء وبحيرة عملاقة، والتي يبدو أنها مليئة بالمياه.
وأضاف التقرير “لكن بينما تقود الحكومة مشروعها الفاخر، يكافح المزارع العادي للعثور على ما يكفي من المياه للحفاظ على قطع صغيرة من الأرض، والتي تمثل بالنسبة للكثيرين مصدر دخلهم الرئيسي”.
وقال حسين عبد الرحمن رئيس نقابة الفلاحين في مصر: “لا يسمح للأراضي المستصلحة بالري بمياه النيل، وعليهم استخدام الآبار التي هي أغلى ثمناً، وقد يؤدي الأمر إلى السجن”.
من وقت لآخر، حسب التقرير، كما يقول أحد الخبراء، تمر السلطات وتفرض غرامات على المزارعين الذين يتم ضبطهم باستخدام مياه النيل.
وتقول الحكومة المصرية إنها تدير عددًا من المشاريع التي تهدف إلى الحفاظ على المياه وتعظيم الاستفادة منها. تسعى إحدى هذه المبادرات، التي أطلقتها وزارة الموارد المائية والري في عام 2021 ، إلى إعادة تأهيل القنوات بهدف تحسين إدارة المياه وتوزيعها، كما تعمل أيضًا على تحسين أساليب الري، وتنفيذ تقنيات زراعية فعالة، والقضاء على التلوث”.
وتحت عنوان فرعي حمل عنوان “من أين تأتي المياه؟”، أضاف التقرير “أفادت وسائل إعلام حكومية العام الماضي أن العاصمة الجديدة تخطط لاستخدام محطات معالجة المياه لتزويد مشروع النهر الأخضر بدلاً من المياه العذبة من النيل، لكن المحللين يشككون في كل من مصدر المياه المستخدمة واستدامة المشروع نفسه”.
وتابع التقرير “هناك سؤال منطقي يجب طرحه: كيف تعمل محطات معالجة المياه هذه في مدينة غير مأهولة بالسكان بعد؟” مشيرًا إلى أنه في مقابلة مع سكاي نيوز عربية 2018 ، قال المتحدث خالد الحسيني إن محطتي ضخ ستنقلان المياه العذبة من النيل إلى العاصمة الجديدة، متابعًا أن العاصمة الجديدة تعتمد حاليًا على تلك المحطات وأنه تم الانتهاء منها (إلى حد كبير)”.
وقال الحسيني لشبكة سكاي نيوز عربية إن كل محطة مصممة لضخ حوالي 125 ألف متر مكعب من مياه النيل يوميًا.
ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من التواصل مع السلطات المصرية، لم تتمكن CNN من التحقق من مصادر المياه المستخدمة في مشروع النهر الأخضر. لم يستجب الحسيني ووزارة الموارد المائية والري المصرية والمركز الصحفي الأجنبي الحكومي لطلبات متكررة للحصول على معلومات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *