د. ممدوح سالم يكتب عن مقرر اللغة العربية في الثانوية: التطوير في الميزان 

سألتني ابنتي طالبة الثانوية العامة عن بعض الأسئلة التي تتناول السمات الفنية للاتجاهات الشعرية، أو المدارس الشعرية المقررة، واستعرضت معي بعض الأمثلة الشعرية الممثلة لتلك الخصائص التي تضربها الكتب الخارجية.المساعدة. والحقيقة أنني وجدت كثيرا من العبث الفني الذي لا صلة له بالتثبت العلمي المؤكد تلك الخصيصة هنا أو هناك؛ فتجد مثلا تفسيرا مقحما لخصيصة ببعض أبيات تتقاطع مع خصيصة أخرى من خصائص ذلك الاتجاه، وتجد الإجابة عن ذلك السؤال مختلطة مع آخر.. وذلك كله محتمل من ناحية الفهم والتفسير، ومحمول من ناحية أخرى على إقحام ذلك البيت من الشعر على تلك السمة أو الخصيصة… وهكذا تمضي بك التفسيرات العجاب، كأنك ترى قوله إن التساهل في اللغة عند أصحاب مدرسة المهاجر معناه أنهم (مالوا إلى اللغة الحية والكلمة المعبرة وسلاسة الأسلوب) أيعقل هذا التوصيف؟ 

ويضرب لذلك مثلا قول ميخائيل نعيمة: 

روحي وخلينا بالأرض لاهينا… نرعى أمانينا في مرج أوهام 

أيكون (روحي وخلينا) هما مثال اللغة الحية هنا؟ 

 وانتبهوا إلى جريمة أخرى في مثل آخر قول إيليا أبو ماضي: 

عصر الأسى روحي فسالت أدمعا… فلمحتها ولمستها في أدمعي. 

يضرب المعد لذلك اختيارا يتعلق بسمة التجديد لدى شعراء مدرسة المهاجر من حيث المضمون: بالنزعة الروحية في شعرهم. 

أيعقل قبول هذا الاختيار لمجرد ذكر كلمة (روحي) في البيت؟ 

أيتصور أن يكون قول صلاح عبد الصبور: 

(فشربت شايا في الطريق) [من قصيدته يا صاحبي إني حزين] تصنيفه في أحد الاختيارات على توقع مأخذ النقاد: قوله العامي: شربت شايا في الطريق. 

أكان المطلوب أن يقول قدحا من الشاي مثلا حتى لا يوصف بالعامية؟… كيف لا يشار إلى أن ذلك من سمات الحداثيين في ضوء ما واجهوا من مدرسة المحافظين .. 

هذا العبث تجده في التفرقة الموضوعة بين فني القصة والرواية مثلا، وفي الخلط بين مفاهيم الصراع والحبكة والسرد..إلخ  

تسألني ابنتي عن جدوى دراسة (الأيام)  لطه حسين والتي تنتهي إلى سؤال بعقد موازنة مع موقف لآخر في اختيار واحد أو اثنين ولا يزيد. 

وتسألني عن (التعبير) وكيف يمكن أن يكون مبتورا في أسئلة محددة دون قياس مهارة المتعلم في الأسلوب والصياغة وتسلسل الفكر وأساليب الإقناع والإمتاع في نص محكم.  كيف لنا أن نخرج أجيالا من أصحاب القلم والفكر؟! 

إن ذلك التسطيح في الرؤية مدمر لفلسفة اللغة الشاعرة، ولجدوى القصيدة ذاتها لدى الشعراء.. هذا فضلا عن أن هذا الأسلوب يفرغ اللغة والأدب من أهم مضامين الفكر التعليمي للناشئة حتى المختصين. 

ذلك أن تعلم اللغة وآدابها لا يكون بذلك الضرب من الاختيارات الموسومة بالموضوعية والتي يمكن أن تكون محل اختلاف واحتمالات عدة وفقا للتذوق الفني، وتداخل السمات بين اتجاه وآخر.. 

إنه لا يمكن بحال في وجود ذلك النهج المبتور من التذوق السياقي للقصيدة، أو القصة، أو النص عامة من خلق شاعر أو أديب متذوق بحال من المتعلمين، بل لا أستبعد خلق أجيال شائهة من فاسدي الذوق العام الذي تمثل اللغة أعلى درجاته ومنازله. 

أما عن هذا الخلل في إعداد الكتب المساعدة المشهور منها في المقدمة، وملازم المعلمين كارثية بحق،  فإنها تحتاج إلى قرار شجاع بوقف إصدارها حتى تخضع للجان مراجعة وتحقيق قبل تدمير أجيال كنا نراهن عليها بدعوى التطوير.. 

#ود_سالم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *