أحمد سلامة يكتب: الصين في حرب غزة

اتخذت الصين موقعها الدولي بخطوات بطيئة متدرجة على مدى عقود، وصلت إلى القمة وأصبحت قطبًا يجد لقراراته أصداء عالمية، لكنها مازالت بحاجة إلى تعزيز تلك المكانة بتطوير العلاقات الدولية بشكل أكثر قوة وأوسع انتشارًا.
تصاعد الصين شكل خطورة بشكل أو بآخر على السيطرة الأمريكية، ليس الأمر وليد الشهور القليلة الماضية وإنما سبقه بسنوات، وهو ما دعا الرئيس السابق دونالد ترامب إلى شن “حرب تجارية” على الصين في خطوة سعت بشكل أو بآخر إلى تقييد التوسعات الصينية غير المرغوبة أمريكيًا، وهي التوسعات التي تهدد عرش سيطرة واشنطن ورجال أعمالها على الأسواق العالمية بل وحتى حركة التجارة عبر الموانئ التي سيطرت عليها بكين عن طريق “مصيدة الديون” التي أغرقت فيها العديد من الدول لا سيما الإفريقية منها.
تواصلت المحاولات الأمريكية للسيطرة على حركة التجارة العالمية ومنافسة طريق الحرير الذي عاد بقوة إلى الساحة العالمية، الطرح الأمريكي تمثل في فتح ممر تجاري من الهند إلى سواحل البحر المتوسط في فلسطين المحتلة في مشروع ضخم ضم الولايات المتحدة والهند والإمارات والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهي الخطوة التي وصفها البعض بخطوة لأجل تعزيز عملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن الإمبرالية، فقد جاءت عملية طوفان الأقصى لتهدم الخطة المتفق عليها في ضربة استباقية لم يتعرض لها الكيان الصهيوني قبل ذلك، هدمت “طوفان الأقصى” جانبًا من القدرات التوسعية على حساب الفلسطينيين التي تعتمد عليها إسرائيل، وأبرز التهديدات التي يتعرض لها الكيان، وجعل منه “دولة” غير مستقرة لا تؤتمن على ممرات تجارية بأهمية وتكلفة مرتفعة.
نقطة نهاية الممر التجاري على سواحل البحر الأبيض المتوسط أصبحت في منطقة توترات، وهو ما يهدد العملية التجارية برمتها، وهدم المكاسب التجارية التي قد تتحقق حتى وإن بقيت المكاسب السياسية من إتمام المشروع على حالها في نظر البعض.
قبل أيام من طوفان الأقصى قال آموس هوكستين كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، في لقاء خاص مع سكاي نيوز عربية، إن مشروع الممر الذي أعلنت عنه قمة العشرين الأخيرة للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، “سيغير قواعد اللعبة في المنطقة”.
وتحدث هوكستين، عن الاتفاق الذي سيضم عدة دول، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات.
لكن “طوفان الأقصى” غيرت “قواعد اللعبة في المنطقة” التي سعت الإدارة الأمريكية إلى تغييرها، وما يهمنا هنا أن نرى أن بكين باتت صاحبة مصلحة أصيلة في الحد من قدرات هذا المشروع الذي سيحد من قدراتها التجارية، لذلك فإن موقفها وإن كان التزم جانبًا من الصمت الرسمي فإنها أعربت أكثر من مرة عن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وهو وقف إطلاق النار الذي يهدد المشروع بأكمله، لأن وقف إطلاق النار يعني ضمنيًا انتصارا للإرادة الفلسطينية الرافضة لأي مشروعات تجارية لا تكون جزءًا منها.
الصراع الاقتصادي الصيني الأمريكي اتخذ من الأراضي الفلسطينية المحتلة رقعة شطرنج تتصارع عليها القوتين الأعظم، إحداهما تدفع بالكيان لإنهاء الحرب في وضع أفضل، والأخرى تدفع -بشكل أو بآخر- من أجل سرعة إنهاء الحرب بينما تدين الأرض لسيطرة المقاومة.
2m

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *