يحيى قلاش يكتب: معركة الصحافة والتطبيع

تطورت إتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني من ” الاتفاق المنفرد ” الي ما كان يسميه عمرو موسي ” الهرولة ” ، ثم بلغنا الان مرحلة  ” السُعار “. وانتقلنا من  إدعاء التطبيع “من أجل خدمة القضية الفلسطينة” إلي التطبيع من أجل ” وأد القضية الفلسطينية ” .

السوابق وخبرة المقاومة تقول أن الشعوب اقوي وابقي من الاتفاقيات المفروضة والمرفوضة، وانه كلما زادت الضغوط من اجل قبول سلام زائف لا يحقق إلا مصالح العدو، تجد دائما صحوة الضمير الوطني عند الشعوب رغم سوء المناخ العام وكثير من المتغيرات.

هذا هو الذي يؤرق ” اسرائيل ”  لانها تدرك اكثر من بعض حكامنا ان المراد لا يتحقق بأوراق الاتفاقيات فقط  فالشعوب في وادٍ و الحكام في وادٍ آخر ! .                                                   

هنا أتوقف عند واحدة من أهم المعارك النقابية والفكرية والسياسية فى تاريخ الصحافة المصرية، ففى أغسطس عام 1997 أصدر مجلس نقابة الصحفيين قرارا بإحالة الزميل المرحوم لطفى الخولى والزميل د.عبدالمنعم السعيد للتحقيق، لمخالفتهما قرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع، عقب مشاركتهما في تحالف كوبنهاجن، وفى ٢٣ من الشهر نفسه نشر الدكتور محمد السيد سعيد مقالا فى ” الأهرام “بعنوان «نقابة الصحفيين ضمير جماعى أم روح قطيع؟!» اعتبر فيه قرار النقابة قيدا على حرية التعبير .

أثار هذا المقال المهم ردود فعل واسعة وكان بداية حملة صحفية كبيرة شاركت فيها كل الأقلام المهمة والرموز النقابية والصحفية من مختلف الأجيال فى كل الصحف والمجلات ( قومية وحزبية وخاصة). تنوع فيها التناول بين مقالات وتحقيقات ومتابعات ورسوم كاريكاتير. قمت بحكم عضويتى بمجلس النقابة بمتابعة وحفظ جميع تفاصيل هذه الحملة . شاركني في ذلك من الجمعية العمومية الزميل الراحل خالد السرجاني وكان ذو شخصية دؤوبة وجادة وصاحب موقف، كما تحمس النقابي والوطنى المرحوم صلاح الدين حافظ بنشر كل ما جمعناه من مادة فى عدد خاص بمجلة الدراسات الإعلامية التى كان يرأس تحريرها وتصدر عن المركز العربى الإقليمى للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والبيئة، تحت عنوان «معركة الصحافة والتطبيع»، ليحفظ هذه الحملة التي استمرت عدة شهور لتكون فى خدمة الذاكرة النقابية والوطنية .

تضمن هذا الملف أو العدد الخاص قراءة وتحليل مضمون للحملة ( أعده الزميل السرجاني ) أكد من خلاله أن رصد المواد الصحفية المتنوعة التى شملتها هذه المعركة الصحفية أظهر دون عناء أن أنصار التطبيع داخل مهنة الصحافة أقلية ضئيلة للغاية وان الاغلبية الكاسحة ضد التطبيع .

فرض مقال د. محمد سعيد (الذي لم يخالف أبداً قرار حظر التطبيع)، جدول أعمال هذه المعركة، وطرح أهم الأسئلة والأفكار التى دار الحوار حولها، مثل ما هو التطبيع؟ وما هى حدوده؟ وهل قرارات الجمعية العمومية مجرد توصية أم لها صفة الإلزام؟ وهل توقيع عقوبة على أى من يخالف هذه القرارات مصادرة للحرية وملاحقة للضمير ووأد للاعتقادات السياسية والفكرية؟ وهل منوط بالنقابة لعب دور سياسى عام، أم لا بد أن يقتصر دورها على الشأن النقابى فقط؟ وهل يجوز أن تلعب دورها العام خارج إطار قانون البلاد؟                                                          

توالت ردود الفعل وكتب المرحوم سعد زغلول فؤاد مقالا حادًا فند فيه كل ما جاء في المقال. ودافع نقيبنا كامل زهيرى عن قرار المجلس وقرارات الجمعية العمومية بحظر التطبيع، لأنها تمت عبر آليات ديموقراطية ملزمة لكل أعضاء المنظمة النقابية، وأكد أن النقابة تحاسب على سلوك وفعل نقابى لمن يخالف قراراتها ولا تحاسب على الرأى، وأضاف أن هذه القرارات من صميم صالح مهنة تعمل بالرأى، وتتفاعل مع الوجدان والضمير الوطنى فى كل عملها، وانه لا وصاية علي الجمعية العمومية من أحدٍ .

ورفض صلاح عيسى زعم أن يكون وراء من أصدروا القرار دوافع سياسية، وأوضح أن : قرار الجمعية العمومية موقف نقابي وليس ممارسة سياسية وهو ملزم وليس توصية والادعاء بغير ذلك هو دعوة للقضاء على النقابة وتقويض لبنيانها، وأكد عيسي: «لا أظن أن هناك علاقة بين الالتزام بقرارات النقابة وبين حرية الرأى حتى لو كان الأمر الذى صدر بشأنه القرار مما يدخل فى نطاق الآراء مثل قرار حظر التطبيع، إذ من البديهى أن هذه القرارات قد صدرت بعد مناقشات حرة واحترامها وتنفيذها واجب على الجميع. وكتب النقيب جلال عارف أن موقف الصحفيين من التطبيع واحد من المواقف العظيمة لهم وأنهم اتخذوه على الرغم من الضغوط وتمسكوا به، وها هى الأيام تثبت صحة موقفهم، وأشار عارف إلى أن النقابة لا تحاسب أحدا على رأى آمن به، وإنما على سلوك نقابي قام به .

ورد فهمى هويدى ” إن البعض يخلط بين الالتزام بقوانين الدولة والالتزام بسياستها، كما أن اعتبار قرارات الجمعية العمومية مجرد توصيات يجافى المبادئ الديمقراطية، فضلا عن أنه يعد ازدراء بالجمعية واستخفافا بقراراتها، وإنه لا يوجد أى تعارض بين قرار أو قانون النقابة وقوانين البلاد، لأن قوانين الدولة تبيح للنقابات أن تحدد ضوابط السلوك المهنى لأعضائها “، وأكد هويدي ان النقابات حين تدافع عن قرارات جمعياتها العمومية، إنما تدافع فى الوقت ذاته عن ضمير الجماعة التى تمثلها.

 وانتهت هذه المعركة، التي شاركت فيها عشرات الاقلام من كافة الأجيال ، بانتصار منطق الضمير الوطنى والمهنى والنقابي وسطرت صفحة مهمة في تاريخ مؤسسة مدنية استطاعت مع نقابات مهنية وعمالية وروابط واتحادات مصرية وعربية أن تعكس وتعبر عن موقف الشعوب التي تعطي إرادتها وحدها أي قيمة حقيقية لأوراق الاتفاقيات مهما كانت عناوينها.

وأعيد التأكيد علي أهمية أن تقوم النقابات والاتحادات الآن، بالتأكيد علي مواقفها والتمسك بها قبل انفراط العقد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *