هل تحل صفقة “رأس الحكمة” الأزمة المصرية؟| خبير اقتصادي: تتمكن فقط من سداد نصف الالتزامات الخارجية.. وتراجع الأسعار مجرد وهم

كتب – أحمد سلامة

انتقد الدكتور زهدي الشامي، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس أمناء حزب التحالف، صفقة “رأس الحكمة” التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي قبل أيام في مؤتمر عُقد بالعاصمة الإدارية.

وقال الشامي “عندما تكون حكومة في وضع عجز عن دفع ديونها الخارجية وتواجه أزمة خانقة في المتحصلات الدولارية الضروية للغاية لكل الأمور المعيشية فلابد أن تعتبر مثل هذه مليارات خبرًا تعلن عنه بهذه الطريقة، طريقة المهرجانات الاحتفالية وشبه الحربية أيضًا، ولكن ماهو الثمن الذى يتعين دفعه في مثل تلك الظروف وهل هذا علاج حقيقي للمرض أم خافض للحرارة التي تجاوزت الأربعين؟ هذا هو السؤال، وللإجابة عليه نرصد ما يلي”.

وأردف الشامي “أولا – لاشك أن الحكومة المصرية تنفست الصعداء لأنها مطالبة هذا العام، بسداد ٤٢ مليارات دولار على الأقل من الديون الأجنبية المستحقة عليها، وهي لا تملك تلك الأموال، وبالتالي تعيش تلك الأزمة الخانقة في النقد الأجنبي”.

وتابع “ثانيًا – الصفقة الإماراتية ستساعدها نعم ولكنها لن تحل وحدها أزمة الديون الخارجية. وفقًا لما هو معلن عنه ستمول الإمارات الصفقة فورا وخلال الشهرين القادمين بما يعادل ٣٥ مليار دولار. ولكن من هذه المليارات ١١ مليار هي بالفعل ودائع إماراتية في مصر ستتنازل عنها لإدخالها بالصفقة. أي أن الصفقة تتشكل من جزئين ١١ مليارات ديون إماراتية لمصر ستتنازل عنها مقابل أصول ستحصل عليها، و٢٤ مليار فقط تدفقات جديدة، ستصب في مصر وستستخدمها الحكومة المصرية في سداد جزء من ديونها الأخرى المتعين سدادها وهي ٤٢ مليون. أي أن الصفقة ستسدد حوالي نصف التزامات مصر المالية الخارحية لهذا العام، ويتعين على الحكومة المصرية البحث عن النصف الآخر. وفي الحالتين جوهر الأمر هو استبدال للديون بأصول بشكل مباشر بالنسبة لـ ١١ مليون من الدولارات، وبشكل غير مباشر للـ ٢٤ مليار الأخرى”.

واسترسل “ثالثا – ولكن ما هو الثمن وما هي هذه الأصول؟ إنها ١٧١ مليون متر مربع من الأراضي في منطقة من أكثر المناطق تميزا في مصر هي منطقة رأس الحكمة، وبحسب سعر بيعها أو تخصيصها يكون سعر المتر ٢٠٥ دولار أو ما يعادل ٦٣٠٤ جنيه، يابلاش، دلونا على أي مواطن فى مصر يستطيع الحصول على الأرض عموما والمتميزة خصوصا بمثل هذا السعر”.

واستكمل “رابعا – هل تنفرج الأزمة إذن ويتم حل مشكلة الدولار وانخفاض التضخم كما يعد رئيس الوزراء؟ مشكوك في ذلك للغاية لما سبق توضيحيه، إضافة لحقائق معروفة أولها أن الأسعار في مصر إذا ارتفعت فهي لا يمكن أن تنخفض مرة أخرى، وهذا أمر معلوم  للكافة، إضافة لاعتبار آخر بالغ الأهمية لا يدركه غالبية الناس ولا يصل له أيضا علم هذه الحكومة، وهو أن الإنفاق بمليارات الدولارات أوتريليونات الجنيهات على مثل تلك المشروعات العقارية الأسمنتية هو في حد ذاته إنفاق تضخمي لأنه يضخ في السوق أموالا هائلة على مدار عدة سنوات لا يقابلها زيادة حقيقية في الناتج المحلي عموما أو على الأقل خلال عدة سنوات (فجوة زمنية) وهذا سبب رئيسي للتضخم وليس كبح التضخم كما قال مدبولي أمس”.

وأضاف “خامسًا – ويبقى جوهر الأمر أيضا في النهاية أن الحكومة التي أثقلت البلاد بالديون وأوقعتنا في براثن فخها اللعين، لاتجد مخرجا سوى ببيع أصول البلد، والأخطر أهم مقومات وجودها ذاته، الأرض التي تتنازل عنها لغير المصريين قطعة قطعة، وفي أهم المناطق الاستراتيجية، من تيران وصنافير إلى رأس الحكمة، وأخشى أن يأتي يوم لا يجد فيه المصريون ما يتبقى لهم من أرض بلدهم”.

وقال “سادسا- وفي النهاية يتعين أن نشير إلى أن ما يحدث ليس فقط مجرد تصرف يحدث من الحكومة تحت وطاة الأزمة الخانقة الراهنة، بل إنه استكمال لرؤية قاصرة وشديدة الضرر لتنمية مصر بكتل الأسفلت والأسمنت وليس الآلات والماكينات، وهكذا تمعن في أسلوبها وتهرب من الأزمة للأمام باستنساخ خطواتها الفاشلة القديمة من جديد، من العاصمة الجديدة للعلمين الجديدة ثم لرأس الحكمة، مبددة تريليونات الجنيهات على مدن أحلام  للنخبة الجديدة المترفة، ولكنها في الواقع مجرد مدن أشباح تطل علينا  بمنشآت متناثرة خاوية وسط الصحراء، وبينما نعلم جميعا مدى زيف هذا النموذج العبثي للنمو والذي هو السبب الرئيسي لأزمتنا غير المسبوقة، تصر الحكومة على مواصلة الطريق عملا بالقول الشهير (وداوني بالتي كانت هي الداء)”.

وشدد الشامي بالقول “عندما نبيع أصولا مصرية هامة لطرف أجنبي كشركات رابحة كسماد أبو قير والشرقية للدخان أو بنوك أو موانئ ثم أراضي منطقة استراتيجية كاملة كرأس الحكمة، فمن الطبيعي أن يكون الأمن القومي للبلاد من المسائل الجوهرية الداخلة في تقييم الأمر كله”.. مضيفًا “ولا أخفيكم سرًا إذا قلت أن المصريين قلقون ولا يفهم كثير منهم توجهات الإمارات الخارجية ومدى حرصها على مصالح مصر أو أمنها القومي”.

وأوضح “ولايتعلق الأمر فقط بعلاقات تطبيع دافئ غير مفهوم مع إسرائيل، يتضمن طرقا برية مخطط لها أمريكيا تصل الهند باسرائيل مرورا بالإمارات والسعودية والأردن ويمكن أن تكون منافسة لقناة السويس، ولا بطريق الإمداد البري لإسرائيل عبر السعودية والأردن كبديل عن الطريق البحري الذي عطلته اليمن، بل يمتد إلى دور غامض كثيرًا في سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد مصر تهديدًا جديًا ووجوديا، انتهاءً للدعم الإماراتي الواسع والمعلوم للكافة تقريبا، وبتصريح علني من وزير خارجية السودان، لقوات لدعم السريع  في السودان في تناقض واضح مع التوجهات السياسية لمصر وأمنها القومي في أهم دولة في جوارها الجنوبي الحيوي”.. مختتمًا “هل من عاقل يمكن أن يحل لنا لغز هذا التناقض شديد الوضوح؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *