من هو عبد الرحمن منيف الذي احتفى «جوجل» بذكرى ميلاده؟.. مؤلف «مدن الملح» و«شرق المتوسط» المدافع عن الحرية والعدل (بروفايل)  

كتبت: ليلى فريد وصحف  

احتفى مؤشر البحث العالمي “جوجل” اليوم الاثنين، بذكرى ميلاد الكاتب العربي الكبير عبد الرحمن منيف، صاحب “مدن الملح” روايته الشهيرة بأجزائها المتعددة. 

ومنيف من مواليد في 29  مايو 1933 في العاصمة الأردنية عمان، بينما تعود جذوره إلى القصيم بالمملكة العربية السعودية، فقد كان والده أحد كبار التجار المشهورين والذي يسافر ويتنقل باستمرار بين الشام والسعودية. 

“لم أكن أتوقع وأنا المحبة جداً للقراءة، أن تختار يداي كتاباً يتحدث عن التعذيب وعن تجربة السجن، بل وأن أنهي الكتاب في وقت قياسي وأن يترك أثراً في نفسي لشدة دقة الوصف وصعوبة التفاصيل التي لا بد أنها لا تزال تتكرر ولكن في أزمنة وأمكنة مختلفة”. 

لم يكن عبد الرحمن منيف الأول في كتابة تجربة السجن أو التعذيب الذي يتعرض له السجناء في بعض السجون العربية، لكن كتابه “شرق المتوسط” تمكن من جعل القارئ يخوض تجربة نفسية واجتماعية صعبة للغاية، وهو الذي كتب في مقدمته: 

“كتبت شرق المتوسط عام 1972 وقبل أن تُنشر لي أية رواية سابقة، ولما كنت غير متأكد بالقدر الكافي أن تصبح الكلمة الروائية وحدها طريقتي في التواصل مع الآخرين، نظراً لأن “الموال” السياسي كان لا يزال يرادوني في ذلك الحين، ولأن جرح حزيران كان ساخناً وكان يُفترض أن يكون الرد على الهزيمة عملاً سياسياً مباشراً وبالتالي اعتبرت الكلمة الروائية هدنة يعود بعدها كل إنسان إلى الموقع الذي يعتبره أكثر ملاءمة له، إضافة إلى جهلي أو عدم درايتي الكافية برد الفعل الذي قد ينجم عن كتابة رواية تتناول أحد أبرز المحرمات: السجن السياسي”. 

في “شرق المتوسط” يتحدث منيف عن محاولة السجن أن يقتل جسد السجين، وإن لم يٌفلح السجن في ذلك فإنه يحاول قتل الإرادة لدى السجين. ويقول منيف إن الرسالة التي أرادتها الرواية “أن يكون على هذه الأرض شعب حر، لأن في حال وجود الحرية يمكن أن ينام الحاكم والمحكوم ملء الجفون”. 

وبحسب (بي بي سي) دافع منيف في روايته عن الحرية وأنها تستحق “الثمن الباهظ”، ذاك الذي يدفعه المساجين دفاعاً عن آرائهم السياسية كما يقول. 

ولم تكن “شرق المتوسط” العمل الأدبي الوحيد الباهر لمنيف، فخماسية “مدن الملح” التي تتحدث عن المجتمعات العربية الخليجية وتأثير اكتشاف النفط عليها كانت من بين أشهر أعماله، وما عزز اطلاع وقوة منيف في الكتابة عن ملف النفط هو خلفيته الأكاديمية حيث أكمل دراسته العليا في اقتصاديات النفط في بلغراد وعمله لاحقاً في شركة النفط السورية. 

يروي محمد القشعمي مؤلف كتاب ترحال الطائر النبيل وهو سيرة ذاتية كتبها عن عبد الرحمن منيف قول الأخير: “فبعد فترة قصيرة في العمل السياسي اكشتفت انني أخدع نفسي وأخدع الآخرين، ليس لأن السياسية مهنة رديئة بذاتها في المطلق، وإنما لأن هذا النوع من السياسة كان أقرب إلى العبث، لأنه لا يستند إلى العقل وإلى معرفة الواقع وإلى خدمة الفقراء والمضطهدين ولذلك تمادت المؤسسة السياسية التي كنت فيها دون أسف وانصرفت إلى الهواية”. 

تلقى منيف تعليمه المدرسي في الأردن ثم انتقل إلى بغداد لدراسة الحقوق وانتقل بعدها إلى القاهرة ومن ثم إلى بلغراد حيث درس العلوم الاقتصادية، عاد بعدها إلى بيروت وانُتخب عضواً في القيادة القومية في الستينيات لفترة وجيزة. 

عمل بعد ذلك في الصحافة لعدة سنوات منها في بيروت وفي بغداد ثم انتقل إلى باريس في الثمانينيات وتفرغ للكتابة.. وهناك وُلدت “مدن الملح”. 

وحظيت خُماسية “مدن الملح” المكونة من “التيه”، “الأخدود”، “تقاسيم الليل والنهار”، “المنْبَتّ” و”بادية الظلمات” باهتمام القارئ العربي حتى ذهب بعض النقاد إلى وصف منيف بعد هذا الإنتاج بأنه أشهر رواة سيرة الجزيرة العربية. 

تروي الخُماسية التغييرات التي طرأت على المجتمعات الخليجية خاصة في السعودية بعد اكتشاف النفط وكيف تحولت إلى مدن ضخمة وتأثير ذلك على حياة البداوة. وترجم العمل إلى لغات أجنبية عدة بعد أن حظي باهتمام واسع من القرُّاء. 

يقول منيف:”كيف يمكن للأشخاص والأماكن أن يتغيروا إلى الدرجة التي يفقدون صلتهم بما كانوا عليه، وهل يستطيع الإنسان أن يتكيف مع الأشياء الجديدة والأماكن الجديدة دون أن يفقد جزءاً من ذاته؟”. 

كما أصدر منيف العديد من الأعمال الأدبية، فإلى جانب مدن الملح، وشرق المتوسط، أصدر رواية “الأشجار واغتيال مرزوق”، و”حين تركنا الجسر”، و”عالم بلا خرائط” بالاشتراك مع جبرا إبراهيم جبرا. 

في رواية الأشجار واغتيال مرزوق، أبدع منيف في جعل القارئ يتعلق في جذور الأشجار فمن خلال شخصية إلياس نخلة، يجد القارئ نفسه على علاقة حب مع كل ما يتعلق بالأشجار، ويتعاطف مع أحلام نخلة البسيطة كفلاح يحلم بزراعة الأشجار في قريته الطيبة بدلاً من القطن. 

ورغم أصله السعودي العراقي، إلا أنه نشأته في الأردن دفعته لتأليف كتاب يتناول سيرة مدينة عمّان التي عاش فيها مع عائلته خلال الأربعينيات. ومن خلال شخصية جدته وعدد من الجيران يروي تفاصيل جميلة من ذاكرة المكان ومن الأحياء الأولى التي نشأت في العاصمة الأردنية. 

عُرف منيف بالنسبة للكثيرين بأشد المفكرين الرافضين لأنظمة الكثير من الدول العربية، وتجسد ذلك في العديد من أعماله ولا سيما شرق المتوسط وكذلك في تنقلاته الكثيرة بين المدن إلى أن انتهى به المطاف في دمشق حيث أقام فيها إلى حين وفاته في يناير عام 2004. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *