كارم يحيى يكتب: تحيا جمهورية “كولومبيا” العربية

“إيه رأيك فى البقع الحمـرا
يا ضمير العالم يا عزيزى
دى لطفـلة مصرية وسمرا
كانت من أشـطر تلاميذى”
من قصيدة “الدرس انتهى لموا الكراريس” للشاعر والفنان “صلاح جاهين”، كتبها عام 1970، بعد مجزرة إغارة الطائرات الإسرائيلية على مدرسة قرية “بحر البقر” الابتدائية المشتركة التابعة لمركز “الحسنيية” بمحافظة الشرقية.
*
هل تسمعون عن “كولومبيا”؟
.. لاأقصد شركة كولومبيا” للأفلام السينمائية، ومع أنها كانت عندنا هنا أكثر شهرة لتسويقها انتاج “هوليود” عبر مكتب كان لها في القاهرة منذ نحو خمسين سنة ، بعمارة مصر للتأمين بشارع فؤاد “26 يوليو” في وسط القاهرة.
بل هي “كولومبيا” الجمهورية الدولة الشعب، هذا البلد الأمريكي اللاتيني الذي جاء منه الأديب العالمي “جابرييل جارثيا ماركيز” الحائز على “نوبل” للآداب عام 1982. وللعلم كان ممنوعا من دخول الولايات المتحدة لآرائه اليسارية المناهضة للإمبريالية وللانقلاب العسكرية ونظرا لكتاباته كصحفي إلى جانب الشعوب، وصداقته مع الرئيس الكوبي” فيديل كاسترو”.
*
“كولومبيا” هذه التي تبعد عاصمتها “بوجوتا” عن غزة بنحو 12 ألف كيلو مترا،هي التي فعلت ما لم تفعله 5 عواصم عربية مازالت تحتفظ بسفارات وسفراء وبعثات دبلوماسية وتجارية ومكاتب اتصال إسرائيلية ولليوم. وهذا مع أنها أقرب جغرافيا وثقافيا من قطاع غزة حيث الإبادة بالمقارنة مع “بوجوتا” عاصمة جمهورية كولومبيا، وهي: القاهرة وعمان و أبو ظبي والمنامة و الرباط.
*
أمس 16 أكتوبر 2023 أعلنت دولة كولومبيا الجمهورية اللاتينية لا الشركة الأمريكية طرد سفير “إسرائيل” من بوجوتا، احتجاجا على الإبادة الجماعية الجارية منذ نحو 10 أيام ضد الشعب الفلسطيني . ببساطة استدعته وزارة الخارجية الكولومبية، وأبلغته بضرورة المغادرة، وبأنه “شخص غير مرغوب فيه”.
هذا القرار المحترم يتوج معركة أعلنها رئيس الدولة “جوستافيو بيرتو” بوصف أن السياسة الخارجية تدخل في صلاحياته وفق الدستور. لم يصمت الرئيس”بيرتو” على مايجرى للشعب الفلسطيني، وخرج قبل أيام ليعلن أن “فرض حصار كامل على غزة مع منع الكهرباء أو الغذاء أو الوقود غير مقبول، ولا يمكن لديمقراطيين أن يسمحوا للنازية بإعادة انتاج وترسيخ نفسها في السياسة الدولية”. وحذر من ان استمرار الجرائم الإسرائيلية وخطاب الكراهية ضد الفلسطينين لن يؤدي إلا إلى محرقة، مستخدما تعبير “الهولوكوست “، الذي طالما تاجرت به ولليوم الصهيونية وحلفاؤها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لتبرير الاحتلال والعنصرية وجرائم إرهاب العصابات/ الدولة.
ولأن سفير الاحتلال في بوجوتا رد بوقاحة بدعوة الرئيس الكولومبي لزيارة أحد أكثر مواقع مراكز الاعتقال الألمانية النازية شهرة “أشوفيتز” ببولندا، فإن الرئيس”بيرتو” لم يعتبر الأمر منتهيا. أو كما يقال عندنا “أهو كلمتين فش خلق وانتهى الموضوع”، ولا ضير طالما كلام للاستهلاك ليس إلا. وببساطة وثبات رد عليه بأنه يعرف “أوشيفتز” وزراها من قبل، وليس في حاجة لتكرار الزيارة، وبأنه الآن وهذا هو الأهم يرى في “غزة نسخة من أوشيفتز”.
ولأن دولة الاحتلال العنصري ترى أن أحدا من الحكومات حولها لايجرؤ ولو على النطق بماقيل في “بوجوتا، ومن رئيس الدولة، فقد استدعت وزارة خارجيتها السفير الكولومبي في تل أبيب. وأصدرت الوزارة بيانا قالت فيه أنها وبخت السفير بسبب ما أدعت أنه”التصريحات العدائية والمعادية للسامية للرئيس بيرتو”.
وعلى الفور فعلها رئيس جمهورية كولومبيا، وببساطة وثبات وثقة، وهو على بعد خطوات من الولايات المتحدة الداعم الأول لإسرائيل وشريكتها في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينين.
*
وإذا حاولنا أن نفهم لماذا كولومبيا، وليس مصر والأردن، ولا الإمارات و البحرين والمغرب؟.
يمكننا الإشارة إلى :

ـ البلد هناك دولة ديمقراطية تحكمها مؤسسات، ورئيسها الحالي”بترو” فاز بنسبة 50,47 في المائة عبر انتخابات حرة تعددية غير مزورة أو فاسدة أجريت في صيف 2022. وبالطبع لايمكنه لاهو ولاغيره أن يحكم ويملك ويمارس “البزنيس”. ولايمكنه وهو في الحكم التدخل للتأثير على سير العملية الانتخابية، أو تعيين هيئة الانتخابات، أو استخدام أجهزة الدولة جيشا وشرطة وإدارة ومخابرات لصالحه كمرشح من مقعد الرئاسة. فهناك برلمان قوى محترم، وجاء بدوره من خلال انتخابات غير مزور. وبالطبع هو رئيس سيشغل فترة حكمه تحت رقابة البرلمان والصحافة وغيرها من الجهات الرقابية الأخرى. ثم يغادر مع نهاية ولايته دون محاولة تعديل دستور أو البقاء للأبد. وبالطبع هذه بلاد لاتعرف تكاثر صور رئيس الدولة العملاقة كالفطر الأميبي في شوارعها وميادينها وشاشات تلفزيوناتها، وعلى واجهات أقسام البوليس ومرافق الإدارة والجيش.
ـ الرئيس “بيرتو” المحترم، هو أول رئيس لجمهورية كولومبيا من اليسار على مدى تاريخها السياسي. وكان من قبل مقاتلا في صفوف قوات حرب العصابات في بلده وأمريكا اللاتينية ضد الفاشيات اليمينية وجنرالاتها ورجال أعمالها. وكانت دعاية المؤسسات الرأسمالية الأمريكية (حكومات وأجهزة مخابرات وشركات عملاقة وبعضها يصنع ويبيع السلاح، وكلها تمتلك باعا طويلا في الانقلابات العسكرية والاغتيالات الدموية بدول الحديقة الخلفية لواشنطن) تصفه بـ”المخرب”. وتماما هي الكلمة التي تستخدمها الدعاية الصهيونية الاستعمارية الأمريكية أمس واليوم ضد كل مقاوم فلسطيني، بما في ذلك مقاتلو “حماس”. بل كانت السلطات الأمريكية تمنع دخوله الولايات المتحدة، تماما كما كانت تفعل مع الأديب والصحفي العالمي “ماركيز” حتى عهد “كلينتون” وبعد حصوله على “نوبل” بسنوات.
*
في المبتدأ والمنتهى لايملك إنسان عنده ضمير إلا أن يحيي الرئيس “بيرتو”، ودولة كولومبيا، وهي بالمناسبة ثالث بلد في أمريكا اللاتينية من حيث عدد السكان ( يفوق 50 مليون نسمة )، وبعد البرازيل و المكسيك.
وهنا والآن يحق أن نقول بالعربية والأسبانية معا :
تحيا جمهورية كولومبيا الإنسانية.
وسنظل نتمنى شرف أن نقولها:
تحيا جمهورية كولومبيا العربية.
Viva la República humanitaria de Colombia.
Viva la República Árabe de Colombia..
1m

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *