حسام مؤنس يكتب عن رفقاء الزنزانة: سجناء الرأي .. الحق في الحياة والحرية

ليس من سمع أو قرأ كمن عايش ورأى، وأحمد الله أولا على نعمة الاختبار، وثانيا على نعمة أن نجانى من التجربة، وأدعوه أن يمن بفضله على كل سجناء الرأي والمظلومين في السجون.
مطلب الإفراج عن سجناء الرأي ليس ترفا، ولا مطلبا ثانويا، فهو حق لهم، حقهم في الحياة التي ليست حياة بدون حرية، حياة السجون بالتأكيد ليست حياة، مهما كان حسن المعاملة لكنه يبقى فى حدود قواعد السجن، التحكم في كل كبيرة وصغيرة في حياتك، الوقت المحدود لرؤية الشمس وربما لا تراها أو تراها من وراء أسلاك، الحرمان من صحبة الأهل والأصدقاء، الزيارات تحت المراقبة لوقت محدود وضيق، الأوضاع الصحية والنفسية التي تتأثر دون شك في السجن وبالذات كلما طالت الفترة، وغيرها الكثير، هذه ليست حياة، والمطالبة بحرية السجناء هي مطالبة بحقهم في الحياة ذاتها.
هذا ليس مقالا عن تجربتى في السجن، وهى تستحق ذلك لكن لها أوانها المناسب، لكنه بالأساس عن بعض هؤلاء الذين لم يستردوا بعد حقهم في الحرية، خاصة ونحن الآن أمام دعوة لحوار وطنى يطرح الإصلاح السياسى ضمن أجندته، وبما أن ذلك يفترض أن يكون مؤشرا على التعامل بشكل جاد ومختلف مع قضية سجناء الرأي وفى القضايا ذات الطابع السياسى.
تبدو مهمة الكتابة عن أصدقاء وزملاء سجناء، كنت مع أغلبهم قبل شهور قصيرة مهمة شاقة وصعبة جدا، وكل منهم يستحق مقالا وربما كتابا منفصلا ومفصلا، وربما يحين أوان ذلك لاحقا، أما الآن فذكر بعضهم ولو بسطور قليلة واجب مستحق، أملا في مساهمة ضمن كثير من المساهمات في أن نتذكر هؤلاء وغيرهم، وندعو لحقهم في الحياة والحرية.
وربما يبدو الحديث أحيانا عن سجناء الرأي محصورا في دوائر المعارف الشخصية أو الأصدقاء أو رفاق التجارب السياسية أو التنظيمية، لكننى في الحقيقة أدعو وأرجو أن يتم الإفراج عن كل سجين رأى، أعرفه أو لا أعرفه، ومن بين هؤلاء من لم أعرفه شخصيا من قبل، أو عرفته فقط داخل السجن، وبغض النظر عن اتفاقى وخلافى مع بعضهم في الرأي أو الموقف، فهذه قضية إنسانية كما هي قضية سياسية، وهى قضية حياة كما هي قضية حرية. والتعامل مع السجناء كأعداد وأسماء وأوراق ومواقف دونما نظر لحيواتهم وحيوات أسرهم وأحبابهم في رأيى نظرة غير صحيحة لا تعطى الأمر حقه كما يجب.
في الساعات الأخيرة قبل نشر هذا المقال جرى ما يستوجب تعديلا، لكنه تعديل مبهج ومفرح، بعد خروج 6 سجناء رأى جدد يوم السبت الماضى بينهم الأصدقاء عمرو إمام ويحيى نجم زملاء الشهور الأخيرة في سجن المزرعة، وبسام جلال زميل قضية الأمل، وكذلك مهاب الأبراشى المحامى الشاب والكاتب الصحفى عبد الناصر سلامة رئيس تحرير الأهرام السابق وممتاز فتحى عبد الوهاب.
ومع ذلك تظل القائمة كبيرة ولا أملك لها حصرا في ملف سجناء الرأي، لكن أولهم الصديقين ورفيقى التجربة زياد العليمى وهشام فؤاد، اللذين قضيت معهما شهور طويلة في نفس الزنزانة، ثم شهور أخرى ونحن في زنازين مختلفة لكن في نفس العنبر، وكانا دائما نعم العون والسند لى ولغيرى من السجناء، اتفقنا واختلفنا، تناقشنا وتحاورنا، لعبنا ومزحنا، مررنا بلحظات ممتعة ولحظات أخرى موجعة، وأصابتنا موجات إحباط كان من بيننا دائما من يداويها بالأمل، مارسنا كل طقوس الحياة معا، وأشهد أن كلاهما مخلص لأفكاره مناضل من أجلها، صلب فيما يراه حقا، محب للوطن وناسه، ساعى لمستقبل أفضل وأجمل، نبيل في مواقفه، لم يرتكب زياد أو هشام أي جريمة وإنما مارسا العمل السياسى وعبرا عن رأيهما وهو ما لا يستحق الحبس لا ليوم واحد ولا لكل هذه المدة التي طالت وآن لها أن تنتهى، وأن يعود زياد لابنه ووالدته وشقيقه وأصدقائه، وأن يعود هشام لزوجته وأبنائه وأحبابه.
ليس بعيدا عن زياد وهشام زملاء وأصدقاء آخرين، في نفس القضية التي عرفت باسم الأمل، عمر الشنيطى نموذجا، خبير حقيقى وناجح في مجاله، له رأيه وموقفه المستقل، قادر على الحوار والنقاش في مختلف الآراء والقبول بمساحات الاتفاق والاختلاف، ولا يمكن أن يكون مكانه الطبيعى في السجن محبوسا احتياطيا لما يزيد عن ثلاث سنوات حتى الآن.
وفى نفس القضية، التي تم إحالة عدد من المحبوسين احتياطيا على ذمتها للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة طوارئ قبل أسابيع من إعلان إلغاء حالة الطوارئ، كان هناك شابين كان قرار إحالتهما لهذه المحاكمة محل دهشة وتساؤل، حسام ناصر ومحمد بهنسى، اللذين تم الحكم على كلاهما بالسجن لمدة 3 سنوات على خلفية إتهامات ببث أخبار كاذبة، وحتى رغم ذلك الحكم فإن احتساب مدة حبسهما احتياطيا طوال الفترة السابقة على ذمة قضية الأمل يفترض معه أن يكونا قد قضيا فترة الحكم بالكامل إذا تم إتخاذ قرار فقط بإخلاء سبيلهما من قضية الأمل.
قضية الأمل هي نموذج للقضايا التي يجب أن يتم معالجتها في إطار الإجراءات الحالية في ملف سجناء الرأي، التي لا تزال بطيئة ومحدودة لكنها لا يزال الرهان على إستمرارها وتوسعها، فهذه كانت قضية سياسية وقضية رأى بإمتياز، وحتى المحاكمة التي جرت فيها كانت على آراء منشورة في مقالات أو فيديوهات من مؤتمرات أو مداخلات إعلامية أو بوستات على موقع فيسبوك، وبالتأكيد ليست قضية الأمل وحدها لكن سياقها كان بالأساس موجها ضد محاولات بناء كتلة سياسية معارضة مدنية تسعى لتأسيس تحالف سياسى وانتخابى، ثم تم الزج بآخرين كثر فيها آن أوان الإفراج عنهم بعد تجاوزهم ثلاث سنوات من الحبس الاحتياطي، وإغلاق ملف هذه القضية والإفراج عن المحبوسين على ذمتها سواء بعفو رئاسى لمن صدرت ضدهم أحكام أو بقرارات من النيابة لمن لا يزالوا محبوسين إحتياطيا، هذا إن كنا نتحدث بجدية عن خلق مناخ سياسى جديد والسعى نحو الحوار مع القوى السياسية المعارضة.
أما الزميل والصديق والأخ النبيل أحمد دومة فهو حالة خاصة جدا، سياسيا وإنسانيا، وهو يمكن اعتباره مانديلا جيلنا، فقد قضى دومة كثيرا من سنوات عمره في السجون، وآخرها منذ 2013 وحتى الآن، تسعة سنوات متصلة أثرت دون شك على أوضاعه الصحية، لكنه لا يزال صلبا قويا متماسكا آملا في غد أفضل له وللوطن، كانت أشعار دومة المسائية يوميا تقريبا في الشهور الأخيرة التي قضيناها معا في عنبر واحد عقب نقلنا لسجن المزرعة، بمثابة بلسم يشفى الروح رغم ما قد تحمله كلمات تلك الأشعار من أوجاع خاصة وعامة، وكانت مشاكساته دائما بحثا عن حقه وحق غيره، يستحق دومة بعد كل تلك السنوات وكل تلك المعاناة أن يسترد حياته التي تأثرت كثيرا بتجربة السجن الطويلة، وحريته التي لا يستطيع أحد أن يسلبها منه حتى وإن كان سجينا.
أحمد سمير الباحث المتميز والمختلف الذى زاملنا في ليمان طرة ثم عدنا للقائه أثناء الانتقال إلى سجن المزرعة بعد شهور من عدم التلاقى بعد دخوله في إضراب عن الطعام عقب الحكم ضده بالحبس لمدة 4 سنوات، وقد كان وقتها أول من صدر ضده مثل هذا الحكم في قضايا متعلقة بالرأى وبتهمة بث أخبار كاذبة، ثم كان أول من جرى إعادة محاكمته وقبول التظلم الخاص به من الحكم الأول، وهى الخطوة التى استبشرنا بها خيرا وتصورنا أن يكون سمير أول من يغادر السجن من بيننا، ومع ذلك فقد صدر مؤخرا الحكم بحبسه ثلاث سنوات.
عمر محمد على، الذى كان أحد اكتشافات هذه التجربة بما يخلقه من أجواء مرحة وطيبة، رغم كل معاناته وتجربته شديدة الصعوبة بدءا من القضية التي حكم عليه فيها مرورا بظروف حياته الشخصية التي واجه فيها مصاعب كثيرة، ومع ذلك يتعامل مع الأمور ببساطة وقدرة مذهلة على الصمود والتعايش آملا في أن يعود قريبا لحياته وحريته ويعوض كل ما فاته وكل ما واجهته أسرته من مصاعب.
هؤلاء كانوا رفاق وصحبة تجربة السجن، ومعهم الفنان طارق النهرى الذى يستحق بحكم سنه وظروفه الصحية نظرة للعفو عنه، وبالطبع سبقهم أسماء أخرى كثيرة خرجت تباعا والحمد لله، عم كمال خليل ود. حسن نافعة وجاسر عبد الرازق والصديق خالد داوود والدكتور حازم حسنى، والصديقين العزيزين إبراهيم عز الدين وعلاء عصام، وغيرهم كثيرين من صحبة الجدعان من غير السياسيين.
لكن بالإضافة لهؤلاء الصحبة الذين لا يزالوا في السجن وهم ممن صدرت ضدهم أحكام قضائية وندعو للعفو عنهم، فهناك ثلاثة أسماء أخرى صدرت أحكام ضدهم في قضية مجلس الوزراء التي صدرت فيها أحكام ضد أعداد كبيرة للغاية، عبد الرؤوف خطاب القيادى اليسارى بحزب التجمع والرجل بالغ الإنسانية والاحترام الذى يعانى أوضاعا صحية لا يمكن معها إستمرار حبسه فضلا عن عدم إمكانية تصديق تورطه في أعمال مثل تلك المذكورة في قضية مجلس الوزراء، ومثله خالد صادق الشاب الجميل الذى تنتظره زوجته وابنته الصغيرة على أحر من الجمر، وطارق المهدى الذى لدى أهله شهادات بحالته الصحية والتي رغما عنها ذهب لتسليم نفسه عند إجراءات إعادة المحاكمة وكانت النتيجة أنه يقضى عقوبة السجن الآن.
أما المحبوسين احتياطيا ممن تجاوز بعضهم سنتين وثلاث سنوات، والصديق الصحفى النابه أحمد علام الذى فوجئت أثناء وجودى في السجن بخبر القبض عليه فمن يعرف أحمد لا يتصور أبدا أن يكون مكانه في السجن وقد طالت أيضا فترة حبسه الاحتياطي دون مبرر ونأمل أن يتمكن من اللحاق بفرح شقيقته، والصديق هيثم محمدين المدافع عن حقوق العمال والذى كثيرا ما رددنا خلفه الهتافات في مظاهرات ما قبل يناير وفى الثورة وبعدها وهو ممن عانوا من تكرار تجربة السجن بعد فترة قصيرة من خروجه منه وهو الآن تجاوز ثلاث سنوات متصلة من الحبس الاحتياطي، والمحامى الجدع محمد رمضان عضو حزب التحالف الشعبى، والشاعر جلال البحيرى الذى أنهى فترة حكم قضائى ضده وبدلا من أن يتم خروجه يجرى تدويره في قضية أخرى جديدة لا يزال مستمرا حبسه الاحتياطي على ذمتها، ثم الصديق أحمد بدوى المحبوس إحتياطيا منذ حمله لافتة رافضة لتعديل الدستور في 2019، والإسكندرانية الجدعان حسن مصطفى وعمرو نوهان، ومروة عرفة التي آن أوان أن تعود لابنتها التي تكبر بعيدا عن والدتها، وأحمد ماهر (ريجو) الذى التقيته مرتين خلال فترة السجن ورغم كل ظروف السجن وصعوبتها ظل محتفظا بروحه المنطلقة والمرحة، وشباب السويس خالد محسن ولؤى الخولى ومؤمن ربيع ويحيى حلوة وخليل عبد الحميد، والصديق اللطيف النبيل الذى كان يطمئن علينا بإستمرار المعتز بالله محمد، والصحفيين الزميلين سيد عبد اللاه وحمدى الزعيم وكذلك قائمة تطول من الصحفيين المحبوسين، وكلا من أحمد مجدى ويوسف منصور اللذين سمعت عنهما الكثير من أصدقاء مشتركين.
وبالإضافة لهؤلاء، أيضا هناك المستشار الفاضل هشام جنينة الذى زاملته في العنبر المجاور أثناء الشهور التي قضيتها في سجن المزرعة، والذى لا يزال كما كان صلبا قويا متماسكا مؤمنا، وهو رجل تبقى على انقضاء مدة عقوبته شهور، أجدر به وبنا جميعا ألا يستمر ضياعها من عمره في سجن لا يستحق الوجود فيه.
والباحث إسماعيل الاسكندرانى الذى قضى سنوات طويلة في السجن، وللأسف لم أتعرف عليه إلا بعد دقائق عندما التقيته في سجن المزرعة، وهو باحث نابه ومجتهد يستحق ونستحق أن نستفيد من جهوده وأفكاره.
علاء عبد الفتاح، الذى صدر ضده حكم مماثل للحكم الذى صدر ضدى وزياد وهشام وحسام وبهنسى بعدنا بفترة قصيرة، والذى تجاوز المائة يوم من الإضراب عن الطعام والإكتفاء بإدخال حجم محدود جدا من الكالورى إلى جسمه حسب ما أعلنته أسرته، علاء أيضا قضى الكثير من سنوات عمره في السجن، وكان قبل القبض عليه بشهور قد أنهى حكم سجن 5 سنوات، ولا يستحق علاء ومن هم مثله أن يقضوا حياتهم فى السجون.
أيضا في نفس تلك القضية الصحفى الشاب المجتهد محمد أكسجين الذى طالت جدا سنوات حبسه دون جريمة حقيقية والذى توفت والدته أثناء حبسه وهى تجربة شديدة القسوة إنسانيا ونفسيا.
كذلك مع علاء وأكسجين في نفس القضية محمد الباقر، المحامى الحقوقى النبيل الذى يحضر التحقيقات والقضايا حتى مع المختلفين معه والذى يعد واحدا من النماذج المنفتحة المتطورة سياسيا وفكريا والذى لم يعرفه أحد إلا وكان محل إشادة وإعجاب بنبله ولطفه وإنسانيته.
وليس بعيدا عن الباقر الصديق النبيل محمد القصاص، الذى يمثل نموذج حقيقى للسياسى المتطور والمتجاوز للأفكار القديمة والمؤمن بالعمل السياسى السلمى والدستورى والمنفتح على كافة التيارات والتوجهات.
وفى نفس السياق يأتي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الذى زاملته في نفس العنبر بسجن المزرعة، ويعرف كثيرين حجم خلافى السياسى والفكرى معه، لكننى أشهد أن الرجل طوال السنوات السابقة التي تابعت مواقفه خلالها منذ ثورة يناير وحتى الآن كان ناقدا جادا لتجربته التنظيمية السابقة، ومنفتحا على مفاهيم أكثر تطورا للعمل السياسى والديمقراطية، ثم أن سن أبو الفتوح وأوضاعه الصحية تجعل من الواجب والضرورى النظر في أمر الإفراج عنه.
هؤلاء بعض من كثيرين، ربما لا أعرفهم كلهم وربما الذاكرة تخوننى، وأرجو أن يسامحنى كل من أكون قد قصرت في ذكرهم، وأثق أن لقاءاتنا التي شهدت بعضها السجون وأماكن الاحتجاز بالنيابة والمحاكم، ستتكرر كثيرا عند خروجكم بإذن الله في القريب العاجل، بعد أن تستعيدوا حريتكم، وستكون دائما هموم الوطن وقضايا الناس حاضرة في النقاشات بيننا.
الحرية حقكم، وفى الحرية حياتكم، الحرية لكل سجناء الرأي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *