«السعر أنت وشطارتك».. مواطنون يروون معاناتهم في البحث عن «الدواء الناقص» بالسوق السوداء: نستلف لنوفره بأضعاف سعره  

مريضة: أعاني من اضطرابات في الغدة واحتاج لدواء سعره لا يتعد الـ49 جنيها.. سألت عليه فوجدت من 400 لـ500 جنيه 

سيدة: اضطرت لتغيير نوع الأنسولين أكثر من 3 مرات ما رفع السكر لدرجة هددت حياتي.. وخرطوشة الأنسولين بـ200 جنيه تكفي ثلاثة أيام  

مواطن: اشتريت من السوق السوداء 30 حقنة بـ24 ألف جنيه علاج لوالدتي لمدة 15 يومًا.. رغم أن سعر الحقنة 260 جنيهًا 

كتبت: إيمان عوف 

“مهما تصورت أننا بلا قيمة ولا ثمن في هذه البلد لم تصل أبدا أسوأ تصوراتي أن أصارع الزمن لكي أوفر 12 حقنة مضاد التهاب لأمي بعدما أجرت عملية كبيرة”، هكذا يبدأ (محمود.ع) حديثه لـ(درب) عن أزمة اختفاء الأدوية. 

الشهور الماضية شهدت تصريحات متضاربة بين المسؤولين عن الأدوية في مصر حول أزمة اختفاء الدواء، بعضهم يرى أن البدائل الموجودة في مصر، وأن تواجد المادة الفعالة للأدوية كاف لمواجهة اختفاء الأدوية المستوردة من السوق المصرية، والبعض الآخر يرى أن هناك أزمة حقيقية في عدم وجود المادة الفعالة للعديد من الأدوية بسبب أزمة الدولار، وأن الدولة في ظروفها الاقتصادية الحالية لن تتحمل عبء الاستيراد بملايين الدولارات. 

وبين التصريحات المتضاربة يقع المواطن المصري فريسة سهلة للسوق السوداء التي تتلاعب بحاجته للأدوية، مستغلة غياب الرقابة، ورفع يد الدولة عن توفير الأدوية للأمراض المزمنة والأمراض السرطانية. 

يقول محمود عن رحلة المعاناة لتوفير الدواء لأمه: منذ شهر دخلت أمي لإجراء عملية جراحية كبيرة وبعد الانتهاء من العملية حدث صديد شديد والتهابات كادت تودي بحياة أمي، وكتب لها الدكتور حقنة كل 12 ساعة، ومن هنا بدأت رحلة العذاب في البحث عن الحقنة في كل الصيدليات، تحول منزلنا لخلية نحل تبحث عن الحقنة التي ليس لها بديل مصري، كنا نصارع الوقت وحالة والدتي تتدهور أمامنا، ظللنا هكذا لمدة ثلاثة أيام. 

وتابع: في نهاية المطاف دلنا أحد الصيادلة على مكان به كافة الأدوية المختفية من السوق وقال لنا “السعر أنت وشطارتك”، هرولنا إلى المكان القريب من شركة أدوية شهيرة بالقرب من منطقة حدائق القبة، وتقابلنا مع مافيا تتاجر بأمراض الناس وحياتهم، أخبرونا أن الحقنة الواحدة بـ800 جنيه من أصل 260 جنيه سعرها الحقيقي، لم يكن أمامنا أي اختيار اقترضنا لنوفر 24 ألف جنيه ثمن 30 حقنة علاج لوالدتي لمدة 15 يوم فقط. 

على صفحة “الأدوية الناقصة” على (فيس بوك) صرخات عديدة من سيدة خمسينية تعاني اضطرابات في الغدة، وبأشد الحاجة للحصول على الدواء المحلي الذي كان لا يتعدى سعره الـ49 جنيها، لكنه غاب تماما من الصيدليات، وكتبت السيدة استغاثة لكل من لديه ولو علبة واحدة من الدواء التروكس 100 المحلي. 

توالت الردود وكأنك دخلت على صفحة لبيع ملابس أو أدوات مكياج للتواصل “انبوكس”، ظلت السيدة تسال عن السعر والمكان، بينما أصر البائعون على التواصل في الخاص. 

تواصلت (درب) مع السيدة (منى ع) لتكمل رواية “الإنبوكس”، لتؤكد أنها صدمت من الطريقة كل شخص من الذين طلبوا منها التواصل عبر الشات وليس على العام أبلغها سعرا مختلفًا للدواء، كأنها بورصة تتاجر بأوجاع الناس. 

وقالت إن الدواء الذي كان سعره 49 جنيه وصل في الخاص لدي بائعي السوق السوداء لـ400/500 جنيه، ويتم الاتفاق على مكان التسليم كأن الأمر مرتبط بشراء مخدرات، وهو ما أثار رعبها وقررت الاستغناء عن الدواء المحلي لتذهب للمستورد الذي اختفى هو الآخر، حسب قولها.  

 وتضيف أنها استطاعت الحصول على علبة واحدة تكفيها شهرًا على أقصى تقدير، لتبدأ بعدها رحلة جديدة من العذاب والبحث عن الدواء.  

لأزمة نقص الأدوية قصة أخرى، حيث تقول “أ م” مهنية، إن أسوأ شعور قد يصل إلى الإنسان أن مرضه مادة للتجارة، وأن استقرار حالته الصحية مرتبط بسوق سوداء وحكومة لا تعي أن توافر الأدوية للأمراض المزمنة هو السبيل الوحيد لبقاء المرضى على قيد الحياة. 

 وتؤكد أنها مريضة سكر درجة تانية، ونأها مؤخرا تعرضت لأزمة صحية كبيرة بسبب عدم الاستقرار على تناول الأنسولين، حيث اضطرت لتغيير النوع أكثر من 3 مرات، وهو ما تسبب في ارتفاع السكر لدرجة كانت تهدد حياتها، مشيرة إلى أنها كانت تتناول نوع من الإنسولين وكانت حالتها مستقرة، إلا انه اختفى فجأة نتيجة لأزمات مرتبطة بالاستيراد. 

وتضي أنها في البداية استخدمت البدائل المحلية التي لم تكن بنفس الفاعلية فتدهورت حالتها الصحية، ثم اضطرت للتغيير لنوع مستورد آخر، وهنا كانت فريسة سهلة للعاملين في الصيدليات الذين كانوا يوفرون الأنسولين بثلاث أضعاف سعره. 

وتواصل أنها لم يكن أمامها سوى قبول ذلك الأمر، لكن بعد فترة تحول الأمر لاستحالة نظرا للارتفاع الشديد في الأسعار التي يعرضها عليها الصيدليات والعاملين بها حيث وصل سعر خرطوشة الأنسولين الواحدة إلى 200 جنيه تكفي ثلاثة أيام بعدما كانت لا يتعدى سعرها الـ50 جنيه، وهو ما يمثل مبلغ كبير نظرا لمتوسط الدخول في مصر. 

عشرات النواب تقدموا بطلبات إحاطة وسؤال برلماني حول اختفاء أدوية الأمراض المزمنة المحلية والمستوردة، بينما تتمسك شعبة الأدوية بالغرفة التجارية بتصريحاتها التي جاءت على لسان علي عوف، رئيس الشعبة، الذي يؤكد مرارا وتكرارا على أن هناك نقصًا في أنواع معينة من الأدوية، وأنه يجب أن يتم التعامل مع هذه الأزمة بوجهة نظر علمية في المقام الأول، ففي أوروبا وأمريكا يقوموا بالتعامل مع الأدوية عن طريق المادة الفعالة للدواء، مضيفا أن هناك دعم مستمر من مجلس الوزراء لتوفير الدولار من أجل استيراد الأدوية والمواد الخام المتعلقة بصناعة الدواء. 

وأوضح‏ رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أن تعريف الدواء الناقص بالنسبة للمنظمة الدولية العالمية للدواء هو الدواء الذي ليس له بديل، و في مصر لدينا إدارة متخصصة في التعامل مع نقص الأدوية وتوفير البدائل، منوها إلى أن 90 % من الأدوية المنتجة في مصر تتكون من مواد فعالة مستوردة.  

وأكد أن هناك دعمًا مستمرًا من مجلس الوزراء لتوفير الدولار من أجل استيراد الأدوية والمواد الخام المتعلقة بصناعة الدواء، مؤكداً توافر أدوية الغدد الصماء في مصر وهناك مخزون منها يكفي لمدة عام، كما أن هناك 3 بدائل لدواء الإنتروكسين ولها نفس التأثير والفاعلية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *