د. منى مينا تكتب: الشروع في إلغاء تكليف المهن الطبية

“تقدمت اللجنة العليا للتكليف باتفاق جميع أعضائها بتوصية للدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة، بأن يكون التكليف لجميع الفئات المخاطبة بالقانون رقم 29 لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الاسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الفنية المساعدة، طبقاً للاحتياجات الواردة من الجهات المذكورة بالقانون اعتباراً من حركة تكليف عام 2025 اتساقاً مع ما نص عليه قانون التكليف في هذا الصدد”.  

هذه الفقرة وردت في نهاية التقرير المعلن عن الإجتماع الأخير للجنة التكليف، والذي حضره الاستاذ الدكتور وزير الصحة ونقباء كل النقابات المعنية بالتكليف وفقا للقانون 29 لسنة 1974 .. 

هذه الفقرة معناها بوضوح نهاية الإلتزام بتكليف الخريجين بدءا من عام 2025. الوضع المتصور عند بدء العمل بالتكليف “تبعا للاحتياج” هو أن يقدم الخريج أوراقه في عدد من المديريات أو المستشفيات، ويقبل أو لا يقبل تبعا لاحتياج المكان، وتبعا لعوامل أخرى عديدة كلنا نعلمها جيدا عند التقدم للتعين في أي عمل بعيدا عن تنسيق مركزي معلن وشفاف.  

للأسف النتيجة الحتمية هي مزيدا من التمدد للواسطة والمحسوبية، وتقلص أي مساحة لتكافؤ الفرص، أو حصول الشباب المجتهد على فرص جيدة للعمل، خصوصا مع التقديرات المرتفعة بشكل ملحوظ لخريجي الكليات الخاصة. 

يحدث هذا بينما نعاني منذ سنوات من طوفان من الكليات الخاصة في كليات الصيدلة وطب الأسنان، وأخيرا يمتد الطوفان الذي حاولنا إيقافه بقدر الإمكان لكليات الطب، حتى أصبحت هناك كليات طب تفتقر للكثير من إمكانيات التدريب العملي، وعلى رأسها المستشفى الجامعي. 

أتذكر مرارا وتكرارا المناقشات في إجتماعات لجنة التكليف، حول أن الوزارة غير ملزمة بتعيين أضعاف الاعداد التي تحتاجها من خريجي بعض الكليات التي بها فائض كبير، وكان الرد الذي اقوله دائما “لماذا لا تحددون أعداد القبول في الكليات إن كنتم لا تحتاجون لهذا العدد من الخريجين؟ ولماذا لا ترفعون توصيات برفض التوسع العشوائي للكليات الخاصة؟”. 

لماذا أقلق من فكرة “التعيين تبعا للاحتياج ” رغم وجود عجز واضح في الأطباء.   

*أولا .. لأن الانفلات الحادث في كليات طب بالاسم فقط يهدد بإغراقنا بأعداد رهيبة من خريجي الطب الضعاف المستوى كما حدث سابقا مع كليات الصيدلة وطب الأسنان.  

مما يساعد على انتقاء بعض “المحظوظين” وترك الباقين للقبول بالعمل في أي ظروف عمل سيئة، لا تتيح استكمال التدريب والدراسة للتخصص ..  

لا ننسى أن خريج الطب في أحسن الاحوال هو “مشروع جيد لطبيب جيد” ..ويحتاج لسنوات من العمل مع الاخصائيين والتدرب في مكان كفء والدراسة حتى يصبح فعلا “طبيب جيد” .. 

*ثانيا.. حتى وإن كان هذا الوضع الخطير سيؤثر قبلنا على خريجي كليات شقيقة أخرى، فلطالما رفضته وأرفضه، كلنا نعلم بحكمة “لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، والفكر النقابي الذي أؤمن به يعتمد على التعاون بين النقابات المختلفة. 

طبعا أحزنني جدا أن أرى حضور للسادة نقباء العديد من النقابات المعنية بالتكليف المراد إلغاؤه، وعلى رأسهم د.حسين خيري نقيب الأطباء، دون أن اسمع عن موقف معارض لهذا الإلغاء، وشارحا لمخاطره على الأطباء والمهن الطبية والمجتمع كله .. 

أخيرا أنا في انتظار موقف واضح من نقابة الأطباء من هذه الخطوة لإلغاء التكليف، وفي انتظار  التأكيد على القرار السابق لنقابة الأطباء، برفض قيد خريجي الكليات الخاصة التي لا تمتلك مستشفى جامعي، تبعا لنصوص قانون الجامعات الخاصة، وإلتزاما بدور النقابة في حماية الأطباء ومهنة الطب والمجتمع . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *