كارم يحيى يكتب: ” محمد العزبي” تكريم متأخر لـ”محارب على البارد لايدق الطبول”

مبروك للصحفيين المصريين المحترمين في مصر
وللصحافة المصرية العزيزة الجادة التي تحترم القارئ والعقل والضمير، ولمن يحاول ويتمسك بالمحاولة .
.. مبروك للأستاذ “محمد العزبي” المحارب على البارد.


وهو القائل في حواره مع جريدة “الشروق” المصرية بتاريخ 12 مارس 2017:


ـ “نادرا ما وجهت التحية لرئيس أو وزير، و لم أدق الطبول أبدا. ولم أقم بالإساءة لأحد. ولم أكذب كثيرا… كلنا نكذب قليلا ، ولو قلت لم أكذب أبدا فهذه عنتريات.

*مساء اليوم 16 مايو 2023 تكرم نقابة الصحفيين المصريين


ـ ومتأخرا قبل أخيرا ـ الكاتب الصحفي المحترم الأستاذ “محمد العزبي”/ مواليد 31 يناير عام 1931.
ولا أحب أن استخدام وصف “الكاتب الصحفي الكبير”، والمستهلك وفي غير موضعه كثيرا عندنا، وحد الترخص والابتذال. وفي كل الأحوال، وعلى قاعدة “الموضوع قبل الشخص” وللمساهمة في محاربة أمراضنا العضال وآفاتنا المزمنة في النفاق والمجاملات واختلال المعايير واختلاطها مع الاشخاص والمصالح، أفضل دوما ـ وأظن غيري أيضا ـ الاكتفاء بـ”الكاتب الصحفي”.. وأضيف هنا “المحترم”. وهذا مع ترك تقدير “الكبير” و ” الصغير ” و”المتوسط” وغيرها من أحجام و”مقاسات” إلى الحكم على ما يكتب الناس في هذه المرة أو تلك، وبشأن مواقفهم وشجاعتهم وإخلاصهم و إجادتهم لعملهم الصحفي ولكتاباتهم بين مناسبة و أخرى. وبالطبع للموقع الذي يختارونه لقلمهم: إلى جانب من؟.
*
تكريم اليوم يوصف بأنه من فئة “الجائزة التقديرية الكبرى” للنقابة. وهو الثاني عشر بعد قائمة من 11 كاتبا صحفيا مكرما على هذا النحو( ومن غير الكبير وسامحوني) انطلق الاحتفاء بهم ومنذ عام 2000 وهم أحياء بالأستاذ “محمد حسنين هيكل” رحمه الله. وتوقفت هذه الجائزة السنوية بعد عام 2010 حتى اليوم. وهو ما ذكره خبر النقابة عن تكريم الأستاذ “العزبي” ، ومن ودون توضيح الأسباب.
وما هو مصرح به أن هذا التكريم السنوي توقف لكل هذه الأعوام ولليوم بعد محطة الأستاذ “إبراهيم سعده” رئيس مجلس إدارة مؤسسة “أخبار اليوم” الأسبق رحمه الله في عهد النقيب الأستاذ “مكرم محمد أحمد” رحمه الله بدوره.
و ما حدث ونعلم أن ثورة يناير 2011 المجيدة أدركت و”فرملت” قطار هكذا “تكريمات”. ولا أظن وغيري أن هذا التوقف ولكل هذه السنوات وحتى اليوم بسبب أنه لم يعد أمام نقابة الصحفيين مستحق لتكريم في الإنتظار. ويكفي الأستاذ “محمد العزبي” تكذيبا لهذا المبرر. فأستاذنا كان وظل بيننا طوال هذه السنوات، لم يغادر البلاد ولم يهاجر، ولم يترك القلم.
وما أعلمه وغيري أنه كان مرشحا لهذا التكريم بالأصل في عام 2010. كما أن النقابة لم تكن على مدى هذه السنوات بلا مجالس أو نقباء أو انتخابات. ولا يمكن التحجج بأن الاحتفال بالجوائز السنوية للنقابة ومن فئاتها المختلفة توقفت طوال هذه الفترة. ولأن هذا لم يحدث أبدا.
ولأن المجالس والنقباء يسألون عن أفعالهم وأدائهم ـ أو هذا هو الواجب واللازم ـ فإننا إزاء “غموض” لايجب أن يخفيه أعضاء المجالس والنقباء المتعاقبون لليوم وعلى طريقة “المعنى في بطن الشاعر”. وهو غموض عندي وغيري غير مقبول أو مبرر تحت أي عنوان أو صمت. ولأنه يناقض أيضا هوية مهنة الصحافة وواجبات الصحفيين.. أي الإفصاح والكشف . وتماما مثل الغموض الذي مازال يلف مجالس النقابة، ويمنعها من الإعلان عن قائمة اسماء الزميلات والزملاء وراء الأسوار ومنذ نحو سبع سنوات ولليوم وأحوالهم، ووضع الجرس في رقبة سجانهم أو سجانيهم وما يتعرضون له من انتهاكات و يصيب عائلاتهم من معاناة وعنت، على نحو ما تجاهر وتفعل وتطالب علنا نقابات وهيئات مجتمع مدني معنية بحرية الصحافة وسلامة الصحفيين وحقوقهم على بعد آلاف الأميال من مصر.
ونعود إلى هذا التكريمات، فنشير إلى ما نعلم. وهو أنه بعد هذا الاحتفاء النقابي ” الكبير” بالأستاذ “سعده” بأشهر معدودة أصبح المحتفى به و النقيب الذي احتفى به في مواجهة المسكوت عنه لعقود بشأن شبهات الفساد والإفساد الصحفي.. وحتى غير الصحفي. بل وأصبح هذا المكرم الأخير في محطة صيف 2010 مقيما خارج البلاد، ملاحقا باتهامات وملفات تحقيقات لم تكتمل. لأسباب بعضها غير خاف يتعلق بمصير الثورة. وهذا على نحو ماكان حال ” مكرم كبير” آخر. هو الأستاذ “إبراهيم نافع” رئيس مجلس وتحرير “الأهرام” ونقيب الصحفيين الأسبق، والخامس في قائمة المكرمين وفي عام 2004 وعهد النقيب الأسبق الأستاذ “جلال عارف”. وكما قام الأستاذ “عارف” أيضا بتكريم الأستاذ “مكرم محمد أحمد” رئيس مجلس إدارة دار “الهلال” والنقيب الأسبق أيضا.
وغير خاف أن اسماء المكرمين الثلاثة السابق ذكرهم هنا على ارتباط وثيق بعهد الرئيس المخلوع “حسني مبارك” وبممارسة نفاق الحاكم الفرد وأسرته وفي تداخل مصالح واضح مع بطابته ومجموعته المهيمنة. كما غير خاف أيضا سخط جموع المصريين خلال ثورتهم وفي أعقابها عليهم وأمثالهم، و على مدرسة مازالت لم تغلق أبوابها بعد في النفاق البغيض للسلطة، والخروج بالصحافة والصحف عن الانحياز للناس وللحقيقة، والعدوان على الحق في المعرفة واستقاء ونشرالمعلومات وحجب الآراء المتعددة.
وفوق هذا، فقد كان ـ وربما مازال ـ من المبكيات الساخرات بالنسبة لنقابة الصحفيين المصريين أن يجرى تكريم أصحاب سلطة الثواب والعقاب إزاء أغلبية أعضائها. بل ومن كانوا محل شكاوى إليها من تنكيلهم بزملاء صحفيين والعدوان على حقوقهم، وصولا إلى الفصل التعسفي من العمل والمنع من النشر وغيرها من ممارسات غير قانونية.
وهكذا يمكننا القول بدون مجاملات أو إدعاء “وحدة صحفيين” وفق مفاهيم مغلوطة ومفعول مصالح تتناقض مع النقابية والحقوق والحريات ـ أي “وحدة صحفيين” لصالح من يضطهدهم ـ بأن قطار هكذا “تكريمات” خرج يقينا عن الاعتبارات الصحفية المهنية والنقابية ثلاث مرات على الأقل. وكان آخرها قبل أن يتوقف بعد الصيف السابق مباشرة لثورة يناير 2011.
خرج القطار وانزلق بفضل هيمنة قيادات السلطوية البغيضة في صحافتنا، و التي ثار عليها الشعب المصري. وأيضا بفضل “المجاملات اللامبدئية” في الأداء النقابي للصحفيين و سيطرة رؤساء مجلس الإدارة والتحرير / ممثلي الملكية على التنظيم النقابي لعموم الصحفيين.
*
وأظن اليوم يعود هذا القطار إلى جادته التي كان يجب أن يكون عليها بتكريم الأستاذ “محمد العزبي”، ولو متأخر بنحو 13 سنة، وبعدما تجاوز عامه الثاني والتسعين متعه الله بالصحة وأنار له بصره وحفظ عليه بصيرته.


و يلفت نظري أن الأستاذ “العزبي” اليوم هو أكبر المكرمين بهذه الجائزة النقابية سنا عند تسلمها. فالثلاثة الأساتذة “نافع” و”مكرم” و”مكرم” و”سعده” الأقرب إلى الحاكم والسلطة في القائمة كانت أعمارهم 70 و 71 و 73 سنة على التوالي. وحتى بالمقارنة بين هؤلاء الثلاثة وكأن هناك تراتبية (هيراركية) تواكب الأكثر قربا منهم للحاكم والسلطة. وبعد هؤلاء تأتي أعمار تسلم الجائزة لبقية الأساتذة المكرمين على النحو التالي :سعيد سنبل (74 سنة) .. وكامل زهيري ومحمد عودة (75 سنة) .. ومحمد حسنين هيكل ( 77 سنة) ..وسلامة أحمد سلامة ( 77 سنة) .. وأحمد رجب وصلاح الدين حافظ (82 سنة) .. ومحمود السعدني (88 سنة).
وهذه المقارنة تستحق الانتباه ومساءلة تاريخ هذه النقابة والمسئولين فيها عن منح هذه الجوائز.. ومدى تأثير علاقات السلطة والمناصب المعينة من السلطة عليها . ولأن الدلالة هنا أبعد من الأشخاص والاسماء. وتصل إلى ما يمثله المكرمون الأصغر سنا من قيم مهنية ونقابية مقارنة بغيرهم المؤجل تكريمهم سنوات تلو سنوات.


ولعلها مناسبة للترحم على عشرات الأسماء من الكتاب الصحفيين المصريين الأستاذة المحترمين بين أجيال سبقتنا. و كانوا هم الأحق بالتكريم من نقابتهم في حياتهم لجهادهم من أجل الكلمة الحرة ونشر المعلومة الصحيحة وانحيازهم للحقوق والحريات والحقيقة وللشعب وللقراء ولوقوفهم إلى جانب من هم خارج علاقات السلطة والثروة ، ولالتزامهم بتجنب نفاق أصحاب المنح والمنع وتوزيع المناصب والامتيازات. فعلا سنظل ننادي وفي المستقبل بمعايير معلنة لمنح هكذا تكريمات نقابية، وعلى غير معايير المناصب “الكبرى” في صحافتنا الممنوحة من السلطة، ومعها فرص ومساحات النشر والانتشار، الحشد في مواسم الانتخابات النقابية والتأثير عليها بأدوات المنح والمنع السلطوية.
*

وعلى أي حال، كنت حسن الحظ أن كتبت ونشرت عن كتابين اثنين للأستاذ “محمد العزبي” وهموم الصحافة المصرية:


.. الكتاب الأول بعنوان “الصحافة والحكم ” بـ”الأهرام” في صفحة “قضايا وآراء” بعدد 8 ديسمبر 2015، والصادر حينها عن سلسلة “كتاب الجمهورية” حيث عمل أستاذنا وأفنى وأمضى معظم حياته ومسيرته المهنية بدون مكتب مزود “بجاكوزي” وطنافس وألوان سمك لبن تمر هندي ترجمة لثقافة عهد مديد . وكان رئيس تحرير هذه السلسلة وقتها الزميل الأستاذ “سيد حسين”.
.. .. أما الثاني فكتاب بعنوان ” هل يدخل الصحفيون الجنة؟”. كتب عنه إلى موقع جريدة “درب” الذي رأس تحريرها الزميل الأستاذ “خالد البلشي”. وهذا الكتاب صادر عن دار نشر اسمها “ريشة”. وهذا ليس وزنها. وكان نشر المقال عن الكتاب أو “الحجب”، ولتقل ما شئت، في 20 مارس 2022. وكانت “درب” حينها مازالت في عقوبة المنع عن القراء والمتصفحين داخل مصر، و بدون إتهام أو محاكمة أو نيابة أمن دولة، أو حتى “مخالفة تموين”. لكن شاء من شاء ـ وأبى من أبى ـ ولدت “درب” تبحث عن “ضي القناديل في الشارع الطويل” بعد صرخة ولادتها مع مئات الصحف الإلكترونية، والتي مازالت لليوم محجوبة .
وبالطبع كنت قرأت من قبل للأستاذ “محمد العزبي” في جريدة “الجمهورية” كثيرا وبإصرار حين كانت تنشر له، وبخاصة أعمدة رأيه، وصولا إلى “بعيون مصرية”. وهذا ما كنت وغيري نحرص عليه ونستمتع به ونتعلم منه على صفحات “الجمهورية” متجنبين تجرع أي “كابسولات” أو مطالعة الصفحة الأولى وغيرها من صفحات الجريدة.
وهذا قبل أن يحل الإعتام التام بعد تحطيم آخر مصباحين مسروجين صابرين في ظلامها الدامس: مصباح الأستاذ “محمد العزبي” ، ومصباح “من ثقب الباب” للأستاذ “كامل زهيري” رحمه الله. وهو بدوره مع عمود رأي أستاذنا “العزبي” كانا بمثابة ” فلته”.. وأيضا من “الإفلات” من ظلام النفاق الداهم.
*
ولا يفوتني أن تكريم الأستاذ “محمد العزبي” اليوم ولو متأخرا جدا يدعوني للدعوة مجددا لأن تتولى هيئة تسجيل وجمع شهادات أساتذتنا في المهنة على نحو علمي، وتوثقها من أجل المساهمة في بناء ذاكرة الصحفيين المصريين. وهو ما كتبت ونشرت في مقال بعنوان “ذكريات الأستاذ” عن الكاتب الصحفي المحترم الأستاذ “سمير تادرس” في “الأهرام” بتاريخ 1 بريل 2014، وحين بلغ الثانية والثمانين ولم يلق ما يستحق من تكريم نقابي لائق. وكانت هذه الدعوه قبل وفاته بنحو العامين.
ومازلت أتمنى أن تكون هذه الهيئة نقابة الصحفيين المصريين متمنيا تعافيها من أمراضها المزمنة. ومثلما قال أمير الشعراء “أحمد شوقي”:
ـ “كل دار أحق بالأهل إلا
في خبيث من المذاهب رجس”.
أم أنه وكما قال في مطلع قصيدته هذه :
ـ ” اختلاف النهار والليل ينسى”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في يوم الثلاثاء 16 مايو 2023 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *