عشر سنوات على ثورة يناير.. داليا فكري تكتب: ليعلم أولادنا أنها ثورة.. (ذكريات يناير)

في طفولتي ..

نبتت شجرة صغيرة ذات أزهار ملونة

على باب حارتنا..

شيخ الحارة يقول

“شيطانى”..

سألت نفسى كثيراً

كيف للشيطان أن يرعى كل هذا الجمال!؟”

لم أكن أتصور أن ممكن أن يكون هناك ثورة، ورغم ذلك كنت من الداعمين والداعين لها عبر مواقع التواصل، في يوم 25 يناير كنت أتابع أولًا بأول عبر التليفزيون والإنترنت وكنت أشارك منشورات الفيس بوك عن الأحداث خاصة ما كان ينشر عبر صفحات “كلنا خالد سعيد” و”6 إبريل” والصفحات الداعية، كان عدد المتظاهرين قليلًا أمام دار القضاء العالي شعرت وقتها بالإحباط وتأكدت من أن الأمن سوف يلقي القبض عليهم وينتهي اليوم، كنت أشعر بالقهر لأنني لم أستطع النزول، كانت أسرتي تمنعني ولم أستطع مقاومتها، إلا أن نهاية اليوم بتجمع الآلاف في ميدان التحرير أبهجني لأن الشعب تحرك وشارك، وفض الميدان بالقوة في نهاية اليوم جعلني خائفة من القبض على المتظاهرين من البيوت.

مر يوما 26 و 27 بلا أحداث تقريبا إلا تطور المواجهات في السويس بعد سقوط أول شهيد للثورة أما في القاهرة لم تخرج سوى مظاهرات قليلة وجهتها قوات الأمن بعنف وكان التركيز أكثر على يوم 28 يناير “جمعة الغضب”، كنت أشعر بالشلل في ذلك اليوم من الصباح الباكر فرضت أسرتي حظر التجول خارج المنزل، ممنوع النزول والحركة، كنت أمًا لطفلين ومتزوجة وجوزي أقسم ألا أتجاوز باب الشقة، كنت أتابع في غيظ أخبار المظاهرات من التليفزيون والإنترنت حتى انقطع الإنترنت ولم يتبق إلا التليفزيون، جزء من الثورة رأيته من خلال شرفتي التي كانت تطل على كوبري مشاة، أتذكر رؤيتي للشباب وهم يجرون والأمن يطارده بقنابل الغاز في شارع ربيع الجيزي الموازي للبحر الأعظم، كانوا جايين من عند قسم الجيزة، وبعد فترة كان الشباب يخرجون لمبات الكوبري ويلقونها على الأمن بالإضافة إلى الحجارة كانوا يضعون كمامات على وجوههم لحمايتهم من الغاز، وكانت السيدات يلقين عليهم البصل والمياه لمقاومة الغاز. كان بجواري نقطة مرور كان صوت طلقات الرصاص يصيبني بالرعب، أبعد أولادي عن الشبابيك، وبعد أن وصلت رائحة الغاز المسيل للدموع إلى داخل المنزل بللت قماشًا قديمًا بالماء وسددت فتحات الشبابيك وباب الشقة، كنت أبكي بخوف على البلد وكل ما أسمع عن سقوط شهيد أخاف على أخي وأمي اللذين يسكنان بالقرب من ميدان المطرية، كنت أتمنى أن اذهب إليهما، لكن كنت مسئولة عن طفلين وزوجي يمنعني من الخروج، حتى الآن أتذكر كيف كنت أبكي على سرقة المتحف المصري، أرى في قناة الجزيرة الأمن يطارد المتظاهرين في الشوارع وفي ميدان عبد المنعم رياض ويصيبني الرعب خوفًا على أصدقائي وأهلي، كان إحساس الشلل فظيعًا، ولا تليفونات نطمئن من خلالها على بعض، ولا إنترنت أعرف منه الأخبار وأشارك حتى بـ”شير”.

انسحبت قوات الشرطة وتدخل الجيش وانتشر في الشوارع، واجتمع رجال العمارة تحت البيت لحمايتها، بعد أن سمعنا أن السجون فتحت والبلطجة اشتغلت، وعربات كتيرة سرقت، وسمعنا أن من يمر في المناطق العشوائية يسرق بالإكراه، خلف عمارتنا منطقة شعبية “المنيب” كنت لا أستطيع أن أقترب منها، كنت أرى من شباك البيت شبابًا يحملون السنج والمطاوي والخرطوش، كان معظمهم معروف أنهم بلطجية “قلوبهم ميتة” كانوا حرامية فجأة بقوا أمن، يأمنوك ويخلوا بالهم من البيوت والعربيات، كانت هناك كلمة سر، كل عربية تمر تقول كلمة السر وتتغير في الكمين الشعبي اللي بعده، كان كل حوالي 100 متر كمين شعبي يفتش العربات واللي يقول كلمة السر يمر، كان جوًا مرعبًا نوعا ما لأنك ليس واثقًا أن البلطجي المعروف عنه البلطجة ممكن أن يحميك.

قبل الثورة بفترة كبيرة، استيقظت من النوم ذات يوم على صراخ وعويل، اكتشفوا جثة شخص مذبوح أمام العمارة، كان يمر من كوبري المشاة وتمت سرقته بالإكراه ثم قتل وترك أمام العمارة، وحتى الآن لم أنس منظر الدم اللي فضل فترة قدام العمارة وكنت أراه على الرغم من الرمل الذي وضع فوقه، لكن في اللجان الشعبية كانت الناس مختلفة تجمعهم الطوارئ على الحب والتعاون، الرجال سهرانين طول الليل تحت البيوت يتكلمون والسيدات ترسل لهم شاي وحلويات، في انتظار إشارة النجدة التي كانت عبارة عن عدة طلقات نارية في الهواء، وفي لمح البصر كله يجهز سلاحه مرخص وغير مرخص، شومة عصاية سكينة ساطور ويشاركون في السيطرة وإعادة الأمن، كانت هناك محاولات لسرقة بيوت والناس أوقفوهم وضربوهم، ضبطوا لصوصًا سارقين أكياس دقيق من فرن عيش، وحبسوهم في مدخل العمارة وضربوهم حتى جاءت قوات الجيش وأخذوهم، كنت أسمع عن حوادث القتل والموت كل يوم ثوار في الميدان ولصوص أو أشخاص يحاولون الفرار من كمين شعبي أو حتى أحد أفراد اللجان الشعبية، وكأن الحرية لا تأتي إلا بالدم، كنا نطالب بهواء الحرية فجاءنا ممزوجًا برائحة الدم .

قبل التنحي، أصررت على المشاركة وذهبت إلى الميدان “التحرير” وأخذت أولادي معي كنت أريد أن أريهم ما سيكون تاريخًا، أحاول أن أعلمهم درس الثورة وأن المطالب تؤخذ بثمن ندفعه في سبيل الأجيال القادمة، في الميدان يأخذك شجون أنك في قلب قلب الكون، تحول الميدان إلى المساحة المحررة وقطعة من الدولة التي نريد تشعر داخله بالأمان كأنه منزلك، كان به فيه روح غريبة تذوب فيها، كنت أهتف “يسقط يسقط حسني مبارك” وأولادي يضحكون عليّ ويرددون خلفي الهتاف بطفولية، لم نكن نريد العودة للمنزل إنه يشبه منزلنا كل من في الميدان تشعر وكأنك تعرفهم كأن هناك صلة دم، كأن من سقطوا شهداء ليقربونا إلى بعضنا، قلت لأولادي “بصوا كويس وافتكروا اليوم ده واحفروه في ذاكرتكم، الشباب دول عايش هنا مستحملين السقعة والجو والجوع والنوم في الشارع، مش عشان عاوز خراب، ده عاوز بلدنا أحسن بلد، عاوز عيش حرية عدالة اجتماعية.

فور عودتنا كتب أولادي لافتات عليها “يسقط يسقط حسني مبارك” وابني الكبير يرفع أخاه الأصغر يهتفان، فهموا وقتها لماذا كنت أبكي على شهداء الثورة، لماذا كنت أكلم أمي بعد عودة الاتصالات أترجاها تأخذني معها، ولماذا كنت أتشاجر مع زوجي بعد منعي من المشاركة في الثورة، وبعد ما ذهبوا إلى الميدان أصبحوا في صفي يطالبون بالنزول مرة أخرى للميدان.

داليا فكري

صحفية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *