عشر سنوات على ثورة يناير.. الشيماء سليمان تكتب: عملاء العدالة الإجتماعية.. _(ذكريات يناير)

نحن الجيل الذي يحلم بالحرية ويبحث عنها ويمتطي جوادها كلما لاحت له الظروف بفرصة للسباق, يناير هذا الوميض الذي يأتي ليزيل كهولة القلب، ويكشف شروخ عميقة في الذكريات, كم تمنيت أن يظل يناير وأن يتحقق كل الحلم أو بعضه, لكن الحقيقة أن يناير أضحى مؤلم جدا وجروحه لا تندمل, كلما آنت الذكريات كلما مزقني حنيني لأرض الخوف.

كل الخوف الذي كان يعتريني وأنا ماضية إلى الميدان بمفردي كان خوف جميل خوف يؤكد لك أنك قوي وتستطيع, رهبتك من الشوارع المعتمة وتسللك من بين الحواجز يخبرك أن لديك هدف وأنك ترقى له وتبحث عن شركاء ما بعد الحواجز, شركاء استطاعوا أن يقولوا لا في وجه نظام كان يصور للجمهور خالد سعيد كونه يشرب البانجو ويبتلعه, ولا يهتز بتفجير كنيسة القديسين ويقتل سيد بلال, ويعقد مؤتمر الحزب الوطني بعنوان من أجلك أنت ويتحدث الوزير في المذياع عن الريادة الإعلامية لمصر ونحن قيد الحجب الصحفي.

نحن نذهب بالحلم كل يوم إلى الميدان نلتقي مع شركائنا خلف الحواجز لنحكي معاً عن مسلسل من القهر الذي ينتظر المحتجزين الأبرياء, وعن استحالة الوصول للميدان وبرغم كل المستحيل نصل لننتصر لذات الفكرة أن الضوء في الثبات وأننا على حق وأن الظلم والظالم سيحاسبون, كل أحلامنا كانت عيش, حرية, عدالة اجتماعية, للجميع، لم يكن لواحد منا مطلب شخصي أو حلم بالوصول الكل يبحث عن العدالة الإجتماعية, كانوا يذيعون أننا عملاء

في الحقيقة أن كل ما كان مضحكاً على الشاشات والفيس كان غير ذلك في الساحات كان كل غناء ينتهي بالدموع وكل هتاف ينتهي بالتحديق في العيون إننا على حق وإننا نستطيع، وكل مطلب من مطالب الثورة كان بدم أريق في الشوارع, لمن تخطوا الحواجز.

تخطوا الكثير من الحواجز التي فرضتها الدولة وتخطوا الحواجز التي فرضها المجتمع المتخلف, وتخطوا حواجز الخوف من رصاص الباشا، وتخطوا حواجز الخوف من جدار ذاتهم وبحثوا لنا عن الحرية, وصباحا قالت الإذاعة أن هناك عملاء .

نحن العملاء والوكلاء والحصريين لهذه الأفكار التي استطاعت أن تكشفكم, نحن العملاء لسلعة لا يعرفها أحد من أبناء العبيد وأبناء الكرباج وأبناء الحلال والحرام , نحن العملاء الذين لدينا سلعة لايعرفها الكثيرين سلعة أسمها الكرامة الإنسانية, نحن العملاء لمنتج أسمه العدالة الإجتماعية التي لن تجعل في الدولة باشا, ولن تسمح بالحبس الاحتياطي ولن يجدد غيابي, العدالة الإجتماعية هذا المنتج الفكري الكبير لن تجد من يفهمه, فكل من حولنا هم تربية أنظمة قمعية أب عن جد فحتى الثبات كان فيه قولان أن ننصرف من الميدان لأننا خربنا البلد

خربنا البلد بمكوثنا في الميدان وصمودنا في دائرة لا تزيد عن كيلو متر والنظام وحاشيته ورجال أعماله كانوا قد خربوا البلد 30 سنة بدون أن يزعجهم أحد, وعلى أنغام الموسيقى وعلى مصانع الدولة أكلوا كل الغنائم, ونحن عبرنا كل الخوف لأجل العدالة وكنا عملاء, وكنا خونة وكنا نقبض من الخارج, وأعرف العديد ممن وصلوا لمناصب عليا كانوا قد درسوا وقبضوا من الخارج ولم توجه لهم نفس التهمة, لم يعد يجدي فكل الحلم مضى وأنكسرنا مثلما كسرت النكسة جيل قبلنا, وفقدوا كل المقاييس من أجل النهوض, وفقدوا كل الأمل بوطن طموح وفكر حر وأجيال لا تفر من أراضيها, أحلامنا أصبحت أن نفل من أراضينا الى غير رجعة ويعد غير عميل هذا الذي يخرج دون رجوع ولا حتى في الأحلام

لي اصدقاء ليسوا عملاء، ولكنهم يسبون الوطن صباح مساء، كلما ذهبوا المستشفيات ولم يجدوا أطباء ولا دواء, ويسبون الوطن كلما ذهب أبنائهم الى المدارس التي لا تعطي أي قيمة للمعلم ولا للعلم, ويسبون الوطن كلما تحرش ببناتهم هولاء الرعاع المنفلتين الذين يملأون الشوارع, ويسبون الوطن كلما ذهب أحدهم ليقبض المعاش ويجده لايكفي خبز بلا غموس.

هؤلاء ليسوا عملاء ولكنهم لم يتعلموا الدرس بعد, العدالة الإجتماعية كانت ستوفر لك لقاح كرونا وفق جدول زمني تثق فيه والعدالة الإجتماعية كانت ستوفر أطباء بأعداد أكبر وفرق أكثر, العدالة الإجتماعية كانت من أجلك أنت عزيزي غير العميل والذي يسب الوطن.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *