سم “التطبيع” في عسل “صانعي المحتوى”.. لماذا عاد “الدحيح” لجمهوره عبر منصة إماراتية داعمة للتطبيع؟

كتب- محمود هاشم:


ضجة واسعة أثارها صانع المحتوى المصري أحمد الغندور، بعد عودته لتقديم الحلقة الأولى من الموسم الجديد لبرنامجه “الدحيح” عبر منصة إماراتية، متهمة بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد انتهاء علاقته بمنصة AJ+، التابعة لشبكة الجزيرة القطرية.

الحلقة التي بثها الغندور، السبت الماضي، عبر “أكاديمية الإعلام الجديد” التي أطلقها محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، وحاكم دبي، جاءت بعنوان “الملل”، واستعرضت أوضاع السجناء عبر التاريخ، إلا أنها لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال لعشرات السنوات، ومن أبرزهم نائل البرغوثي، الذي اعتقله الاحتلال منذ 1978، ويعد أقدم سجين في العالم حتى هذه اللحظة.

استقطاب “القوى الناعمة”

استقطاب “الدحيح” للعمل في المنصة الإماراتية – التي تصف نفسها بأنها مؤسسة تعليمية تطرح برامج علمية بالاستعانة بمجموعة من ألمع العقول العالمية المختصة بهذا المجال من أكاديميين وخبراء ومؤثرين يحظون بشهرة دولية واسعة – لم يكن من قبيل الصدفة، بل جاء ضمن خطة معدة من القائمين عليها، لإغراء المشاهير من صناع المحتوى العرب لجذب جمهورهم إلى المنصة، مقابل إغراءات مالية لهؤلاء المشاهير.

الحلقات التي سجلها الغندور منذ إطلاق برنامجه على “يوتيوب” في 2014، تصل إلى أكثر من مليار مشاهدة على مستوى العالم، فيما يتابع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من 4.5 مليون شخص، بل إن الحلقة الأولى من الموسم الجديد لبرنامجه على المنصة الإماراتية جلبت وحدها ما يزيد عن مليون ونصف المليون مشاهدة، كما زادت عدد متابعي حساباتها إلى عشرات الآلاف.

دعوات للمقاطعة.. والغندور يرد

“قاطع الدحيح”، بات من أكثر الوسوم انتشارا على وسائل التواصل الاجتماعي، بعشرات الآلاف من التعليقات الغاضبة من صانع المحتوى المصري بعد تعاونه مع المنصة الإماراتية الداعمة للتطبيع،

وجددت حركة المقاطعة الفلسطينية “BDS”، التذكير بأن الأكاديمية الإماراتية موّلت أيضًا صانع المحتوى نصير ياسين، مقدم ومُعد برنامج “ناس ديلي”، الذي تؤكد حركة المقاطعة أنه ضالع في الترويج للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ويسعى لتحسين صورته حول العالم.

مع استمرار الضغط الشعبي، اضطر الغندور إلى الرد على الهجوم ضده في بيان رسمي، أكد فيه أن موقفه من القضية الفلسطينية واضح ومُعلن، مضيفا: “هذا هو الموقف الوحيد الذي أعلنه، أنا صحيح مبفهمش في السياسة ولا بحب الكلام فيها، لكني قررت إعلان موقفي من اللي بيحصل في فلسطين الفترة اللي فاتت، لأن الإجرام اللي كان بيحصل على أهلنا هناك تجاوز كل تخيل، وعبّرت عن مشاعري وقتها دون مواربة، وقلت إني منحاز لهم، هل دا كلام يصدر من شخص مُطبع أو ناوي يبقى مُطبع؟

وتابع: “المنصة اللي رجعت عليها، منصة تعليمية في الاساس، لا علاقة لها بناس ديلي، مفيش تمويل ولا دعم ولا غيره،  لكن بالفعل كان في شراكة بين المنصتين لتدريس كورس صيفي، وانتهت العلاقة تمامًا السنة الي فاتت، وبالتالي الكلام عن أن المنصة الأولى بتموّل الثانية، أو الثانية بتموّل الأولى هو كلام خاطئ تمامًا، وبناء على هذه المعلومات قررنا بدء التعامل معها، ‏‎أنا مقدّر خوف الناس وقلقهم من أي محاولات استغلال أو “دس للسم في العسل” زي ما بيقولوا”.

واستكمل: ” محتوى برنامج الدحيح لن يتغير، ولن يتحول مع الوقت لأي شيء آخر، وأنه لن يكون بوق إعلامي لأي جهة، زي ما عمره ما كان بوق لأي جهة قبل كده، أنا عمري بأي شكل ما هكون مُطبع، ولا المحتوى اللي بقدمه هيكون تطبيعي، أنا بقدم محتوى علمي وهفضل أعمل كده، ومش ناوي أغيّر ده، لأني مبعرفش أعمل حاجة تانية، وبكرر شكري لجميع المهتمين، أنتم بوصلتي وأنا مهتم أسمع لكم، واعتراضاتكم ومخاوفكم محل تقديري، ودائمًا مهمة عندي”.

“ناس دايلي”.. دعاية ممولة لتبييض جرائم الاحتلال

السم، الذي يلمح إليه الغندور هو “سم التطبيع”، الذي بالإضافة إلى الصفقات والاتفاقات المعلنة بشأنه، يأخذ ممولوه مسارات أخرى أقل صراحة وأكثر تأثيرا، عناصرها “تابوهات” دعائية مؤثرة بين فئات الشباب، وهدفها الأكبر “تمييع القضية الفلسطينية” وتبييض جرائم الاحتلال وتغيير فلسفة كراهيته إلى دعاوى زائفة للتعايش، على المدى الطويل.

برنامج “ناس ديلي”، الذي أثار الأزمة ضد الغندور، بات أبرز مثال على التوجه ، حيث يديره المدعو نصير ياسين، الغارق في التطبيع، الذي ينتج ويبث محتوى تطبيعي ناعم، ينتزع  إسرائيل من سياقها الحقيقي وطبيعتها القائمة على الإجرام والتطهير العرقي، وبذلك يخدم  مساعي إسرائيل لفرض نفسها ككيانٍ طبيعي في المنطقة من خلال مدّ جسور التطبيع الرسمي وغير الرسمي، بما يشمل الإعلامي والتأثير على الرأي العام.

شكل نصير خلال مشروعه واجهة مثالية لمموليه بسبب استغلال هويته الفلسطينية المسلمة – مولود في مدينة عرابة البطوف بمنطقة الجليل – في بث رسائل تطبيعية ناعمة للشباب العربي، وهو ما يعبر عنه صراحة بقوله “أتمنى أن يأتي يوم لا نرى فيه إسرائيل وفلسطين كعدوّين، ما ضرّنا لو أصبحنا أصدقاء وماذا لو “كبرنا” قليلا؟”.

على الرغم مما يظهر من محتوى البرنامج من دعوات للتسامح وقبول الآخر، عن طريق مغامرات السفر التي يستعرضها نصير في فيديوهاته، إلا أنه يظهر غرضه الحقيقي حين يتطرق مؤسسه إلى مشاهد الداخل الفلسطيني، متغزلا في ما يصفها بـ”إنسانية الاحتلال” و”وطنية الإسرائيليين”، مع إلقاء اللوم في عدم إقامة الدولة الفلسطينية إلى الطرفين، في المقابل يصف قيام كيان الاحتلال داخل أراضيها بأنه جاء بسبب رحيل بعض الفلسطينيين وقتل بعضهم وبقاء البعض الآخر، قائلا: “ثمة إسرائيل وثمة فلسطين، وهناك أمور في الحياة أكثر أهمية من اسم قطعة أرض”.

يحاول “ناس ديلي” من خلال محتواه تصوير الصراع مع العدوّ الإسرائيلي وكأنّه صراعٌ بين طرفين متكافئَيْ القوة، متعمداً تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة، بل وصل تطبيعه إلى حدّ تحميل الفلسطيني مسؤولية الصراع لعدم قبوله بـ “السلام” الإسرائيلي-  الأمريكي المزعوم، بحسب اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS – أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات)

اللجنة بدورها دعت صانعي المحتوى والمؤثرّين/ات في المنطقة العربية لمقاطعة البرنامج الذي يهدف لتوريطهم/ن في التطبيع مع إسرائيل والتغطية على جرائمها.

وشددت اللجنة على أن مشاريع التطبيع المماثلة تهدف إلى استعمار العقول العربية وترويج القبول بالاستعمار الإسرائيلي للأرض العربية كقدر، ضمن خطوات عدّة لتصفية القضية الفلسطينية وتبييض جرائم الاحتلال والأبارتهايد.

وأوضحت أنه في الوقت الذي تهرول فيه الأنظمة العربية الاستبدادية، مثل الإمارات والبحرين، لعقد اتفاقيات التطبيع الخيانية مع العدوّ الإسرائيلي، يحاول الأخير اختراق وعي الشعوب العربية المؤمنة بأن تحرّرها وتقدّمها ونضالاتها من أجل العدالة مرتبطون بحرية الشعب الفلسطيني وعودة لاجئيه إلى ديارهم، تنفق إسرائيل مبالغ هائلة على حملات إعلامية تطبيعية مضلّلة من خلال نشر محتوى “غير سياسي” يُظهر إسرائيل وكأنها دولة طبيعية متطوّرة يمكنها مساعدة “جيرانها” العرب بعيداً عن كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والعداء التاريخي معها كنظام استعماري وعنصري.

ويهدف برنامج “ناس ديلي القادم” إلى تدريب 80 صانع/ة محتوى عربي/ة من خلال “أكاديمية ناس” التي تضمّ إسرائيليين من ضمن طاقم الإشراف والتدريب الذي يرأسه الاسرائيلي “جوناثان بيليك”، وبتمويلٍ من أكاديمية “نيو ميديا” الإماراتية التي أنشأها محمد بن راشد قبل شهرين.

وشددت اللجنة على أن هذا الدعم من النظام الإماراتي يشكّل تواطؤاً صريحاً في الجهود الإسرائيلية لغزو عقول شعوبنا وتلميع جرائم نظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، فضلاً عن تسويق اتفاقية العار التي أبرمها النظام مع الاحتلال.

وما أن تكشفت نوايا القائمين على محتوى البرنامج، الذي بات غرضه ظاهرا للعيان خاصة في الفترة الأخيرة، بدأ عدد من المشاركين في صناعه المحتوى ذاته الانسحاب من فريق العمل، باعثين برسائل واضحة بشأن حقيقة العمل بالداخل. 

لمشاهدة الفيديو: اضغط هنا

وحيت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل صناع المحتوى الذين رفضوا الانخراط في هذا المشروع التطبيعي، مطالبة كافة المشاركين/ات بالانسحاب فوراً والامتناع عن توفير أوراق التوت للتغطية على جرائم الاحتلال، التزاماً بمسؤوليتهم الوطنية والأخلاقية أولاً، وانطلاقاً من مسؤوليتهم كمؤثّرين وصنّاع محتوى ثانياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *