سمير صبري.. محطات في حياة جار العندليب الذي شكرته أم كلثوم وساند الفنانين في محنهم وكتب «حكايات العمر»

كتب: عبد الرحمن بدر 

«كنت في التليفزيون المصري من حوالي عشرين سنة في الأسانسير أنا والفنان سمير صبري والراجل الكبير اللي بيطلعنا في الأسانسير ويسجل كل واحد طالع أنهي دور، الراجل ده ابتسم في صمت لسمير صبري اللي ابتسمله في طيبة وحنان وطلع من جيبه كبشة فلوس ورقية كتيرة، تعمل  مبلغ كبير ومحترم جدا في وقتها وحطها في جيب عامل الأسانسير، عمل كده بسرعة وأدب شديد وخرج من الأسانسير»، بهذه الكلمات تحدث الكاتب عبد الرحيم كمال، عن الفنان سمير صبري الذي يمر بأزمة صحية هذه الأيام.  

سمير صبري قال إنه سيخضع لعملية جراحية دقيقة في القلب، وذلك بعد خضوعه للعلاج الكيميائي من مرض السرطان قرابة السنة والنصف، ما ترك انعكاسات كبيرة على وضعه الصحي.  

وطلب من الجمهور الدعاء له وتقديم المساعدة في مداخلة لبرنامج (الحكاية) على قناة MBC، الجمعة، وقال إنه لم يتأخر في تقديم الدعم لأحد من زملائه خلال مسيرته، وبالمقابل يسأل عنه الجميع، ويزورنه للاطمئنان عليه في المشفى خلال محنته الصحية الحالية، ومنهم الفنانتان إيمي ودنيا سمير غانم اللتان يزورانه بشكل يومي تقريبًا، وكذلك: ميرفت أمين، ونيللي، وحسين فهمي، و فنانون كثر آخرون، وقام خالد عبد الغفار، القائم بأعمال وزير الصحة ووزير التعليم العالي ، بالاتصال به، وأبلغه بـتأمين كل احتياجاته.  

وكان من المقرر أن يخضع الفنان سمير صبري لعملية جراحية لتوسيع (الشريان الأورطي) بالقلب، الخميس الماضي، لكن الأطباء تريثوا في إجراء العملية لحين استقرار وضعه الصحي، وأعلنت عائلة صبري أنه من المقرر إجراء العملية الأحد ٢٧ فبراير ٢٠٢٢. 

«علمتنى الحياة أن الحب هو منبع كل جميل وكريم وعظيم ومن خلال تعاليم الحب تعلمت الحياة»، بهذه الكلمات لخص سمير صبري تجربته في الحياة بكتابه (حكايات العمر كله) حيث كان ومازال صديقًا للفنانين مساندًا ومحبًا للجميع. 

في ظهوره الأخير بافتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، قدم الفنانة نيللي لاستلام جائزتها، وكان حضوره على المسرح طاغيًا ومؤثرًا، لاقى استحسان الحضور ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.  

ظهر صبري وهي يستند على عكاز، ورغم ذلك كان حاضر الذهن، لم يتوقف عن إضحاك الجمهور والغناء له بصحبة نيللي، وسط مشاعر محبة صادقة وتصفيق من الجمهور. 

خلال عقود مضت اختار ابن الإسكندرية أن يقف إلى جوار زملائه خاصة في أوقات المحن والأزمات، تنقل بين الإذاعة والتليفزيون والغناء وتقديم البرامج، وظل وفيًا للفن ولأهله، لا يتأخر عن واجب ولا يعيب في زميل. 

انفصلت عنه زوجته في مرحلة مبكرة وسافرت مع نجله الوحيد لخارج البلاد، وهي الواقعة التي ندم عليها حين تقدم في العمر، ويزور نجله وأحفاده بالخارج، وربما عوض غياب الأسرة بأن جعل كل أهل الفن أسرته وعزوته. 

سمير صبري، من مواليد الإسكندرية في 27 ديسمبر 1936، بدأ حياته العملية مذيعاً في الإذاعة الإنجليزية ثم اتجه إلى التمثيل والغناء. 

نشأ صبري في بيئة منفتحة، أحب الفن منذ الصغر وعاش وسط عائلة تجيد الفن تتذوقه وتحترمه، وسط السينما والمسرح والموسيقى، وأم وأب وجد و7 خالات شكلوا طفولته وصنعوا شخصيته. 

اصطحبت أسرة سمير صبري الطفل منذ نعومة أظافره إلى دور السينما والمسرح وشجعوه عندما وقف أمامهم يقلد الفنانين ويغني ويرقص. 

انتقل سمير صبري إلى القاهرة، وعرف عبد الحليم حافظ الذي كان جاره في نفس العمارة التي يسكن بها، وقدمه للبنى عبد العزيز ليصبح وعمره 10 سنوات نجم البرنامج الأوروبي. 

وعن عبدالحليم حافظ، يقول صبري: «كان بوابة عبورى إلى شارع الفن.. معه وقفت لمدة ثوان لأول مرة أمام كاميرا السينما، ومعه دخلت الإذاعة.. وبفضله ومساعدة الإعلامية آمال فهمى قدمت أولى فقراتى على موجات الإذاعة». 

وأضاف: «حليم كان مؤسسة.. مدرسة ذكاء وعشق للفن.. تعلمت منه الدقة والإتقان فى العمل.. تعلمت منه زواج الفنان الكاثوليكى لفنه». 

أما موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فوصفه بـ«الفنان ذى الذكاء النادر»، وقال عنه «الأستاذ مدرسة فى الذكاء الفنى، عبقرى فى اختيار كلماته، وفى توظيف وخدمة فنه، واختيار توقيت وصوله للجمهور، أستاذ فى الحوار، فى صوته موسيقى تسمعها حتى فى حديثه العادى، أستاذ فى معرفة متى يتحدث، ومتى يصمت، ومتى يرد بالإجابة الموزونة التى لا تجرح». 

ورغم أن صبري تحدث في سيرته عن عشرات الشخصيات الفنية، فإن الفنانة نادية لطفي كان لها مكانة خاصة بقلبه، بحسب وصفه، مؤكداً «كانت صاحبة مواقف بطولية لا تنسى، من بينها سفرها إلى العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982 أثناء حصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات». 

عرف صبري بمواقفه الإنسانية مع زملائه في الوسط الفني من بينها تسببه في رجوع سامية جمال للرقص بعد سنوات طويلة من الاعتزال، حيث كانت تمر بأزمة مالية بعد غرق شقتها. 

وعن ذلك قالت سامية عن صبري: (رجعني للحياة تاني)، فحينما لم تستطع إجراء بعض التصليحات الضرورية لمسكنها الذي كانت تستأجره بالزمالك، كان صبري في ذلك الوقت يؤسس فرقة استعراضية، ويغني في فنادق الخمس نجوم ويغني في الحفلات، طلب منه المدير الألماني أن يستحدث عمل مختلف أثناء فترة الصيف، فأخبره صبري باقتراح أن يكون هناك كل يوم اثنين ما يسمى بـ(الليلة الكبيرة) يقدم فيها حفلات استعراضية مع الفنانة المعتزلة سامية جمال، وقدم دعوة لسامية لتناول العشاء مع مدير الفندق الألماني، ليبدي بعدها موافقته بما أخبره به صبري، وفي هذه الأثناء لم تقتنع سامية جمال بعودتها للرقص وهي في عمر الـ 60، لكن سمير صبري أقنعها، وحققا معًا نجاحا كبيرا، وكان ينتظرها الجمهور العربي والأجنبي على حد سواء، وبعد الانتهاء من العمل على مدار موسمين كاملين، اعتزلت مره أخرى. 

وروى سمير صبري أنه سمع بمنع أغاني أم كلثوم في الإذاعة في عهد الرئيس أنور السادات، وأكد أنه قدم حفلا بنادي ضباط الزمالك يحضره الرئيس الراحل محمد أنور السادات وحرمه، وعقب الحفل وجدتها فرصة لسؤال جيهان عن حقيقة منع إذاعة أغانيها. 

وأضاف: بعد طرحي هذا التساؤل على استحياء وجدت جيهان تتحرك نحو باب الخروج ولكنها توقفت أمام كوكب الشرق الذي قامت لتحيتها وإذا بحرم الرئيس تقول من يملك أن يمنع الهرم الرابع من الغناء، واستنكرت الأمر وبحثت عن وزير الإعلام يوسف السباعي في ذلك الوقت، وقالت من يمنع صوت (الست) وطلبت منه إذاعة أغانيها بكثافة.   

وأكد صبري أن أم كلثوم دعته لبيتها بعد تلك الواقعة، وشكرته على موقفه الذي تسبب في عودة إذاعة أغانيها.   

كما كانت علاقته قوية ووثيقة بسعاد حسني خلال فترة مرضها، والتقى بها حوالي ثلاث مرات قبل وفاتها في يونيو عام 2001، فقد كانت تخطط معه رحلة رجوعها، وما كانت ترغب به ومرافقته لها أثناء وصولها في المطار، وبعد رحيلها الغامض سجل للتليفزيون برنامج (لغز رحيل السندريلا) على مدار 8 حلقات للتحقق في قتلها أو انتحارها، وقال سمير صبري إنه يقوم بالتحقق في قتلها وليس التحقيق، وانتهت حلقاته بترك النهاية مفتوحة للمُشاهد. 

أما الفنانة القديرة تحية كاريوكا كانت تناديه بـ (أنت ابني)، وكان يناديها بـ(ماما) جمعت بينهما علاقة صداقة قوية، وكان من القلائل اللذين يواظبون على السؤال عنها وزيارتها أثناء تواجدها في المستشفى في أواخر عام 1999. 

أما الفنان الراحل نور الشريف فقد ذكر في تصريح سابق أن صبري الوحيد الذي كان يتصل به تليفونيًا للسؤال عنه، أثناء تعرضه لأزمة اتهامه بالخيانة، على صفحات الصحف القومية بسبب فيلم (ناجي العلي) الذي عُرض عام 1992. 

وحين اشتبه الأطباء في إصابة محمود عبد العزيز بسرطان في المعدة اصطحب معه سمير صبري في رحلته العلاجية إلى باريس منذ ما يقرب من22 عاما، حتى تعافى الفنان وعاد إلى عمله. 

ييلغ رصيد سمير صبري سينمائيا 138 فيلمًا، بالإضافة لعدد من البرامج التليفزيونية الناجخة منها (النادي الدولي)، و(هذا المساء). 

وشارك صبري عددا كبيرا من أفلامه مع الزعيم الفنان الكبير عادل إمام، من أبرزها فيلم البحث عن فضيحة من بطولة ميرفت أمين، من مسلسلاته التلفزيونية حضرة المتهم أبي الذي تم إنتاجه عام 2006 وكذلك قضية رأي عام بطولة يسرا ولقاء الخميسي. 

مازال سمير صبري متوهجًا وقادرًا على العطاء رغم السن والعكاز الذي ظهر به مؤخرًا، لكن سيرته الطيبة ستبقى طويلاً تحكي عن سيرة فنان عاش مسنودًا بالجدعنة ولمة الحبايب، وأمنيات محبية أن يتعافى من أزمته الصحية ليواصل العطاء والإبداع.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *