زهدي الشامي يكتب: العدالة بين طعن طنطاوى وطعنى القديم

——————————–

فى ظل الأحداث الجسيمة التى يمر بها العالم ومصر  مرت مسألة رفض محكمة النقض لطعن النائب أحمد طنطاوى فى نتيجة انتخابات مجلس النواب فى دائرته  بكفر الشيخ بدون أن تحظى بالإهتمام الواجب  . و يهمنى هنا من ناحية التعليق على هذا الأمر ، ومن ناحية أخرى تنشيط الذاكرة حول ماحدث معى شخصيا  فى شبابى منذ سنوات من أمر مشابه فى السياق و إن كان مختلفا فى النتيجة لأننى استطعت فى النهاية الحصول على حكم صعب ونادر بالتعويض ضد رئيس مجلس الشعب شخصيا  ، وهو ماحدث قبل ذلك فى حدود علمى مرة واحدة  .

 أود أولا أن ألفت النظر لهذا التحول اللافت فى المناخ العام ومايرتبط به من تحول فى اتجاهات تحقيقات محكمة النقض فى الطعون الإنتخابية  عما كنا نعهده من توسعها فى قبول تلك الطعون على ضوء ماتلاحظه من عوار ، إلى غلبة الإمتناع عن البت ايجابيا فى غالبية الحالات فى السنوات الأخيرة . وهو توجه متوافق مع تدهور المناخ العام المحيط  .

ولكن ما أريد تناوله فى الحالة الراهنة ، وهو ماعاد بذاكرتى للوراء ، هو سبب الإمتناع عن قبول طعن طنطاوى . المسألة ببساطة  كما أفاد طنطاوى ومحاموه أن الهيئة العليا لإنتخابات إمتنعت عن إرسال أوراق الإنتخابات المطعون فيها للمحكمة ، ولما كانت المحكمة قد رأت أنها ملزمة بإصدار الحكم فى أجل محدد نص عليه القانون فقد رفضت الطعن ، رغم أن المنطقى كان أن تلزم الجهة المطعون ضدها بتسليم تلك الأوراق فى أجل محدد ، فإن امتنعت حكمت ضدها وليس ضد صاحب الطعن ، لأنه لو أبحنا هذا المسلك للجهات الإدارية لاستحتال على المواطنين الحصول على حقوقهم .

تذكرت ماحدث معى فى شبابى فى انتخابات مجلس الشعب فى دمنهور عام 1990 ، وقد كانت بدون أى إدعاء إنتخابات تاريخية ، وشهودها مازالوا أحياءا ، حيث تحولت تلك المدينة وربما لأول مرة فى مصر فى عهد مبارك لساحة احتجاج يومى ضد النظام وحزبه الوطنى الحاكم و أمينه العام يوسف والى على لسان وحناجر عشرات الآلاف يوميا . ورغم ذلك فعلوا مافعلوا فى التزوير فى الجزء الريفى الذى ضموه لهذا الغرض .

جاء تقرير محكمة النقض لصالحى ، ولكن مجلس الشعب و رئيسة اللجنة التشريعية فوزية عبد الستار ورئيسه الدكتور فتحى سرور ركنوا التقرير فى الدرج مع بعض التقارير الأخرى لاكثر من ثلاث سنوات ، ولم يعرضوه على المجلس إلا قبل نهاية الفصل التشريعى  ببضع شهور . وعندما رفعت قضية تعويض فى محكمة جنوب القاهرة كان الوكيل عنى فيها الصديق والأخ محمود الكومى المحامى Mahmoud Elkomy ، طلبت التعويض ليس فقط من وزير الداخلية كما فعل كل أصحاب القضايا الأخرى ، بل ومعه وقبله رئيس مجلس الشعب .  فقد رأيت أن المبدأ أهم من المال .

 وهنا كانت الصعوبة الكبرى التى ذكرتنى بها قضية طنطاوى . القاضى لايريد الحكم ضد رئيس مجلس الشعب ، وكان من السهل جدا الحكم ضد وزير الداخلية ، ولكنى تمسكت باختصام رئيس المجلس ، ومدخلى كان واضحا ، فبعيدا عن مبدأ سيد قراره الذى استخدموه دائما ، فالدستور يلزمه بعرض تقرير محكمة النقض خلال شهر من وصوله للمجلس ، ولا حماية لرئيس المجلس فى مخالفة الدستور .

 وكان ذلك سببا فى استطالة مدة التقاضى لحوالى ثلاثة سنوات . القاضى يسألنا مايفيد إمتناع رئيس مجلس الشعب عن عرض التقرير ، فنرد عليه بالقول إنه لو كان قد عرضه فعلى دفاع الدولة إذن احضار مايفيد عرض التقرير . واستمر الحال هكذا . القاضى يطلب من دفاع الحكومة إحضار سند عرض التقرير ، والدفاع  يأتى فى الجلسة التالية بلا مستندات ، والقاضى يعود فيستجوبنا فنقول له نفس الرد وهكذا .

 فقط فى بداية عام 1995 عرضوا فعلا تلك التقارير المحجوبة على المجلس ، وطبعا المجلس رفضها ، وقال سيد قراره ، ولكننى حصلت أخيرا على مضبطة رسمية للمجلس فيها تاريخ العرض الذى يثبت ماقلته أن رئيس المجلس انتهك الدستور وعطل أحكامه بحجب تقرير النقض لثلاثة سنوات . ولم يصبح متاحا للقاضى سوى أن يحكم لصالحى بالتعويض ضد رئيس المجلس بالمشاركة مع وزير الداخلية كل واحد منهما 15 ألف جنيه .

تأخرت وتعبت كثيرا لكنى  كنت أسعد حظا من طنطاوى ، وحصلت على حكم تاريخى مضمونه أنه لاحصانة لأحد فى انتهاك الدستور حتى لو كان رئيس مجلس الشعب ، فلاحصانة له أيضا فى ذلك .

ألست محقا أنه رغم كل مرارة تاريخ تزوير إرادة الشعب فى مصر ، فالحاضر للأسف أسوأ كثيرا من الماضى ، عدنا للخلف من تلك الزاوية أيضا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *