رحاب إبراهيم تكتب : كيف تتحرش بلا خسائر؟ *مقطع من رواية” كافتيريا الأرنب الضاحك” (إبداعات)

هشام

في سنوات مراهقته في القرية , كانت تنتاب هشام رجفة حادة كلما شاهد بنتاً من بنات المدرسة الإعدادية تمشي بثبات رافعة رأسها بينما نهديها النابتين في صدرها يمرحان بلا قلق.. كان يمشي بلامبالاة بالقرب منها ثم وفي لحظة خاطفة يمد يده ليقرص النهد الوليد.. قمة المتعة لم تكن فقط في لحظات الخطف إنما في رؤيته للتحول التام الذي يطرأ بعدها على مشية البنت المنحنية والتي تحاول اخفاء صدرها بكتاب أو حقيبة وتمشي متلفتة حولها بقلق.. بنات المدرسة عرفنه فكن يحاولن الابتعاد حين يرينه قادماً.

لكن بنتاً لم تتكلم, وظل هشام بالنسبة لأسرته الولد المجتهد الذي لا يجري وراء التفاهات مثل بقية الأولاد في سنه .

حين رأى شاهندة في عامه الأول بكلية العلوم , هبطت على روحه كل لحظات المتعة الخاطفة التي ارتكبها في صغره .كانت شاهندة تمشي باتزان وثقة ..يحيط بوجهها الوردي هالة من الشعر البني الفاتح الذي تتناثر خصلاته الطويلة على عينيها ورقبتها وكتفيها وظهرها..لا تخفي شيئاً من جسدها ولكنها لا  تكشف أيضاً . ملابسها الراقية والتي يبدو عليها الثراء البالغ كانت تلف جسدها بنعومة فاتنة فتبرز محاسنة دون ابتذال. كانت صداقاتها محصورة في شلة صغيرة من أولاد وبنات الذوات كما كان هشام يسميهم , ونادرا ما تبادل أحدا آخر أي حديث .

كلما رآى هشام مشيتها الواثقة ورأسها المرفوع ونهديها الثابتين اشتعل كيانه كله برغبة عارمة في أن يقرصها كبنت في المدرسة الاعدادية ..لكن الحلم هذه المرة كان أبعد من مجرد التفكير فيه .

حاول ذات يوم الاقتراب وسألها عن موعد محاضرة ما ..ردت هي بهمهمات تختلط فيها العربية بالإنجليزية وأشارت لشيء ما على البعد دون ان تكلف نفسها عناء النظر إليه ومشت.. مخلفة إياه وراءها لجذع شجرة جاف وبائس وقد احمر وجهه من الخجل والغضب ووقف قلبه من تأثير عطرها الساحر .

ظل يحلم بشاهندة سنوات بلا أمل , حتى بعد انتقاله للمعهد كان يمر بالكلية خصيصا لرؤيتها .

هيثم

– أوصلك ؟

الكلمة السحرية التي يستخدمها هيثم كبداية ..

بعد أن يراقب الفتاة لأيام أو حتى لساعات , يبدأ الهجوم فوراً …غالباً ما ينتقي واحدة من تلك الفتيات اللاتي وصلن للتو من إحدى المحافظات البعيدة , وغالبا ما يختارها بالمواصفات الآتية : تقيم في المدينة الجامعية فلن يسألها أحد :رايحة فين وجاية منين, ولن يكون عليه سوى الالتزام بموعد إغلاق البوابة المسائي لتوصيلها للسكن.. تتلفت حولها باستمرار في إشارة واضحة لرغبتها في التعرف على العالم الكبير الذي تراه للمرة الأولى خارج شاشة التلفاز.. تبدي تشددا غير حقيقي بالمرة في علاقتها مع الجنس الآخر..تحاول مسايرة الموضة والظهور بالمظهر الأنيق عن طريق حيل عبيطة وإكسسوارات رخيصة تضيفها لملابسها..تتمتع بجسد فائر غني بالتفاصيل .

 يبدأ هيثم الهجوم في بساطة تزيد من ارتباك الفتاة فلا تعرف هل هو يغازل فتنهره أو هو جاد فتستمع إليه.. ثم يتحدث قليلا عن أزمة المواصلات والزحام والغربة والتي تعاني هي منها بالفعل… وأخيرا يستخدم الكلمة السحرية: تحبي أوصلك؟

سوف ترفض الفتاة بالطبع في المرة الأولى لتثبت له أنها ليست فتاة سهلة زي بنات اليومين دول وأنها حاجة تانية خالص.. تليق أن تصبح زوجة وأم للأولاد.. ثم تستلم سريعا وبلا مقاومة تُذكر لفكرة أن الغرض من التوصيل ليس إلا حماية لها من ذئاب وكلاب الطريق …

بعدها يترك هيثم للفتاة وضع الحدود التي سوف يقفان عندها.. كلما تطلب أعطى ولكنه أبداً لا يصل لكلمة ” الزواج “

وبعدها أيضا تدرك الفتاة أن الحياة ليست بهذه السهولة ..

هذه الاستراتيجية التي لا تتغير توصل إليها هيثم مبكرا جداً.. باعتباره الابن الأكبر للحاج فوزي تاجر الأثاث والذي كان يصحبه معه في مشاويره لدمياط منذ الصغر.. هناك حيث تعلم الكثير من البنات اللاتي يعملن في المصانع واللاتي خرجن من طفولتهن مبكرا أيضا للتعرف على لوعة الحياة .

لم يقع هيثم في الحب أبداً.. تصرف مع البنات في الواقع كما كان يتصرف على مائدة الطعام, حيث تسمح له أمه بخطف كل ما يشتهي بلا تأنيب.. مبعدة أيدي اخوته الصغار عن طريقه.. كانت تحلم أن يكون تاجرا كبيرا كأبيه.. له كلمة ووزن في السوق, ولم يكن هذا ليتم في رأيها سوى بأن يكون له كلمة ووزن في البيت أولاً .

هذا لم يكن رأي أبيه ..الحاج فوزي والذي له خبرة ليست قليلة في الحياة يعرف كيف يميز “الرجل ” من “الخيبة ” بنفس السهولة التي يميز بها الخشب الجيد من المسوس ..تكفيه طرقات قليلة ليظهر اللب أمام عينيه …حاول مرارا الوقوف في وجه تدليل زوجته للولد طفلاً ..ثم بدأت مواجهاته مع الولد نفسه صبيا وشاباً .

لكن الولد أبدى من فنون اللوع والمراوغة ما كان يكفل له الهروب من العقاب في معظم الأحيان ..

أحيانا كان يبدو أن الحاج فوزي قد استسلم ورمى طوبة الولد.. وأحيانا كان يبدو أن الولد سوف ينصلح حاله.. لكن كلاهما كان يعرف أن شيئا لن يتغير.. وأن الطرق سوف تفترق بهما عاجلاً أو آجلاً..

……….

“- حرام عليك يا أخي …انت مالكش اخوات بنات ؟

– لا والله ماليش ياختي ..بس م النهاردة هاعتبرك زي اختي”

هكذا كانت تنتهي مغامراته الأولى ..ببكاء وعتاب وشد وجذب

حتى تعلم تدريجيا فن الانتقاء , والذي يتيح له مغامرة ممتعة ولذيذة بأقل قدر ممكن من الخسائر ..

 *مقطع من رواية” كافتيريا الأرنب الضاحك”

الهيئة العامة للكتاب 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *