د. عبدالهادي محمد عبدالهادي يكتب: إنهيار إسطورة الجيش الذي لا يقهر والمخابرات التي لا تنام!

على هامش الحرب الإسرائيلية على غزة حروب أخرى لا تتوقف. كشف جهاز المخابرات التركية(MIT) قبل ساعات عن تفاصيل مثيرة حول أكبر عملية دولية نفذها في السنوات الأخيرة. عملية كبرى، تشبه فيلمًا من أفلام السينما الأمريكية، وأطرافها الموساد الإسرائيلي والمخابرات التركية، وجرت أحداثها على خط” تل أبيب- غزة- إسطنبول—كولالامبور”.
كيف اختطف الموساد الإسرائيلي مطور البرمجيات الفلسطيني الشاب “عمر”؟ وكيف أنقذت المخابرات التركية مطور البرمجيات العبقري، الذي أسقط القبة الحديدية وطرح بالموساد على ظهره؟
أعلن نهاد أولوداغ، مدير الأخبار في “سي. إن. إن” التركية ( CNN TÜRK )، عن تفاصيل مثيرة في العملية، وكشف “عبد الرحمن شيمشك” من صحيفة “صباح”، عن تفاصيل صادمة، في العملية الدولية الأكبر، التي نفذها جهاز المخابرات التركية في السنوات الأخيرة.
في الفترة من 2015-2016 أصيب نظام الدفاع الجوي العسكري الإسرائيلي المشهور عالمياً باسم “القبة الحديدية” بالعمى المؤقت. ونفذ الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية، حماس، كتائب عز الدين القسام، عدة هجمات صاروخية على نقاط حرجة في إسرائيل. لم تتمكن إسرائيل من منع الهجمات ومعرفة مصدرها.
وبعد ثلاث سنوات من البحث والتحري والتحقيقات، توصلت إسرائيل إلى معلومة بالغة الأهمية، وهي إسم الشخص الذي اخترق القبة الحديدية. هو شاب فلسطيني، إسمه” عمر. ز.م.أ”، من مواليد غزة في عام 1991. وهو خريج قسم برمجة الكومبيوتر في جامعة غزة الإسلامية، وكتب برنامج كومبيوتر بالتعاون مع وزارة الداخلية في غزة في نفس الوقت تقريبًا، وكان لهذا البرنامج دور هام وكبير في اختراق جميع الهواتف التي تعمل بنظام التشغيل أندرويد(Android). بما فيها هواتف المسئولين الحكوميين والقادة والضباط والجنود في الجيش الإسرائيلي.
وضعت إسرائيل الشاب عمر على رادارها، ووضعت خططًا مختلفة للقبض عليه. في عام 2019، عرضت عليه عبر ضباط في الموساد وظيفة مغرية في شركة برمجيات نرويجية، لكنه ارتاب في العرض ورفض الوظيفة. وتشير المعلومات إلى أن عمر، الذي يعتبر من أفضل مطوري البرمجيات والهاكرز في العالم، انتقل إلى إسطنبول عبر القاهرة في يوم 3 مارس 2020. وفي تركيا، كان الموساد يتابعه عن كثب، لكنه أصبح هدفًا -أيضًا- على رادار المخابرات التركية.
الاتصال الأول بعمر في تركيا تم في أبريل 2021، وقام به ضابط في الموساد، يدعى أن اسمه رائد غزال. تواصل غزال مع عمر عبر “الواتساب”، مدعيًا أنه مدير الموارد البشرية في شركة فرنسية تسمى “ثينك هاير” ( Think Hire)، وقدم له عرضًا مغريًا بالعمل في الشركة. أجرى غزال عدة مقابلات وجهًا لوجه مع عمر في إسطنبول في يونيو وأغسطس 2021، وبعد فترة، نقلت مهمة الإيقاع بعمر إلى عضو آخر في الموساد، يدعى عمر شلبي.
كان هدف غزال وشلبي الوحيد هو اختطاف مطور البرمجيات الشاب ونقله إلى تل أبيب بأية طريقة. عرض شلبي على عمر عشرة آلاف دولار مقابل كتابة البرنامج، وأرسلت الشركة الفرنسية الأموال، وكان الشخص الذي أرسل الأموال عضوًا في الموساد يستخدم هوية مزورة بإسم “جون فوستر”. وفي يونيو 2022 سلم “عمر شلبي” المهمة إلى ضابط آخر في الموساد يدعى “نيكولا رادونيج”، الذي أقام في فندق “كاراكوي” يومي 28 و 31 أغسطس 2022، والتقى ضابط الموساد وجهًا لوجه مع عمر في الفندق، وعرض عليه راتبًا ثابتًا قدره 5200 دولار إذا أقام في اسطنبول، وراتبًا قدره 20 ألف دولار إذا وافق على العمل في شركة للحوم في البرازيل.
قدمت الموساد عروضًا مغرية لعمر، وزعموا له أن الشركة في حاجة ماسة إليه، وأن المشروع يتكون من فريق من ضباط الموساد، عبد البر محمد كايا وفؤاد أسامة حجازي والمواطن المغربي يوسف دحمان. سعت الموساد بكل السبل حتى يخرج عمر من تركيا، وزعم الضابط أن لديه معارف في إدارة الهجرة في اسطنبول، سوف تسهل له إجراءات الخروج، وطلب منه أن يرسل إليه -على وجه السرعة- عنوان إقامته وجواز سفره.
كان هدفهم أن يعرفوا عنوان عمر. وإزاء إصرار نيكولا على أن يخرج عمر من تركيا، تدخل جهاز المخابرات التركية، وحذر عمر من السفر للخارج. مع ذلك، في سبتمبر 2022، قرر عمر السفر إلى ماليزيا لمدة 15 يومًا لقضاء إجازة. كانت المخابرات التركية على علم بعروض العمل المشبوهة التي عرضها الموساد على عمر. لم تكتف المخابرات التركية بتحذيره قبل السفر، وثبتوا على هاتفه المحمول تطبيقًا يمكنه إرسال معلومات الموقع إلى اسطنبول، حتى لو كان الهاتف مغلقًا.
اختطف عمر في كوالالامبور عاصمة ماليزيا ليلة 28 سبتمبر 2022. وخضع للتحقيق في شالية على بعد 50 كيلومتر من العاصمة. تم استجوابه من قبل ضباط الموساد. قاموا بتعذيبه وبشدة. استجوبوه لمدة 36 ساعة متصلة، عبر الفيديو كونفرانس مع “تل أبيب”.
حاول ضباط الموساد من تل أبيب أن يعرفوا الإجابة على أهم الأسئلة: كيف تمكن هذا المبرمج الفلسطيني من تعمية نظام الدفاع الصاروخي المسمى بالقبة الحديدية، وكيف كتب البرنامج الذي اسقط القبة الحديدية، وما هي لغة الترميز التي استخدمها، وكيف يمكنهم وقف النظام الذي يخترق الهواتف المحمولة التي تعمل بنظام أندرويد، والتي يستخدمها كثير من المسؤولين والضباط الإسرائيليين.
حالما علمت المخابرات التركية بحادثة الاختطاف، أرسلت المعلومات المتاحة لديها إلى المخابرات الماليزية، وأحاطتها علمًا بالمكان الذي يحتجز فيه مطور البرمجيات الفلسطيني، مشيرة بأن الأمر عاجل للغاية. وبعد ساعات، نفذت فرقة العمليات الخاصة هجومًا مفاجئا على الشالية، ونجحت في إنقاذ الشاب الفلسطيني حيًا. وأصدرت المحكمة في كوالالامبور أمرًا باعتقال 11 شخصًا على ذمة القضية. وفي تركيا، ألقت المخابرات قبل أيام القبض على عميل الموساد فؤاد أسامة حجازي. وتم نقل عمر تحت الحماية إلى تركيا، حيث يعيش الآن في منزل آمن تحت سيطرة المخابرات التركية.
للعلم، هذه ليست العملية الأولى التي يقوم بها الموساد في ماليزيا. ففي عام 2018، تم اغتيال مهندس الكهرباء الفلسطيني “فادي محمد البطش”، وهو أيضًا مولود في غزة وعضو في حركة حماس، على يد اثنين من سائقي الدراجات النارية يعملان لصالح الموساد. وذكرت وسائل الإعلام الماليزية- أيضًا- أن “البطش” قُتل على يد المخابرات الإسرائيلية.
كشف الهجوم المفاجيء الذي شنته حركة حماس على المستوطنات في الأراضي المحتلة في 7 أكتوبر الماضي وصمود الشعب الفلسطيني البطل في مواجهة جرائم الحرب الإسرائيلية عن ملامح واقع جديد، واقع لا مكان فيه للأوهام الإسرائيلية، بعد أن فشلت منظومة القبة الحديدية، وانهارت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وسقطت أسطورة المخابرات التي لا تنام.
مصادر:

MOSSAD Gazzeli dahi genci nasıl kaçırdı? MİT’ten film gibi operasyon!

Demir Kubbe’yi çökertti, MOSSAD’ı peşine taktı! MİT’ten Gazzeli dahi genci kurtarma operasyonu

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *