د. سهير حواس: منذ أيام كنا ندافع عن مقابر القاهرة التاريخية واليوم عن عائمات النيل.. التراث ضائع بين الأموات والأحياء

كتبت: ليلى فريد  

علقت الدكتورة سهير حواس، أستاذة التخطيط العمراني، وعضوة جهاز التنسيق الحضاري، عن إزالة عوامات النيل. 

وقالت سهير: من أيام كنا ندافع عن المقابر في القاهرة التاريخية التي يشغلها الأموات، اليوم صرنا ندافع عن العائمات على نهر النيل التي يشغلها الأحياء، مضيفة: في كلتا الحالتين ما بين الأموات والأحياء التراث ضائع. 

وفي وقت سابق أعلنت الدكتورة سهير حواس، رفضها إزالة عوامات النيل، مؤكدة أنها تغطي القبح الذي خلفها.  

قالت إن لها ذكريات مع العوامات، مؤكدة: عشت في واحدة من عوامات الزمالك في منطقة الجبلاية عاماً ونصف العام، خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر، في الخمسينات من القرن الماضي، وشهدت العوامة مولد شقيقي.   

وقالت في تصريحات لها: ما السبب وراء إزالة العوامات الآن، في ظل كثير من التعديات التي تشوه منظر النيل؟.  

وتابعت: «هذه العوامات جزء من تراث نهر النيل، كما أنها تغطي القبح الذي خلفها لمن يراها من ناحية الزمالك»، معربة عن دهشتها من صدور قرار إزالة للعوامات السكنية في الوقت الذي يسمح فيه بإنشاء مبان خرسانية ونوادٍ تحجب رؤية النيل وتشوه منظره.  

وقالت سهير في تدوينة لها: تخرج والدي من كلية الهندسة جامعة القاهرة في عام ١٩٥٢ وعين معيدا بقسم العمارة، حصل على بعثة دراسية إلى انجلترا وبالتالي قرر هو ووالدتي بيع الشقة في شارع ضريح سعد وكذلك الأثاث باعتبار ان عند العودة الى مصر يتم تجهيز بيت جديد أحدث، لكن حدث العدوان الثلاثي على مصر في عام ١٩٥٦ وبالتالي ألغيت البعثة الى انجلترا، بحكم الضرورة قررا تأجير عوامة في النيل عنوانها شارع الجبلاية الذي كانت تصطف عنده العوامات، عشنا فيها حوالي سنة ونصف وولد أخي عمرو  فيها.  

وتابعت: كانت الذكريات عن هذه الفترة جميلة وكثيرة وتختلف عن أي مكان آخر، أتذكر شجر المانجو على جانبي الكوبري الموصل للعوامة وثمار المانجو تتدلى بفروع الشجر لتلمس احيانا الأرض، كنا ننادي على الصيادين في المراكب الصغيرة لشراء السمك بواسطة السبت المربوط بحبل، تكونت لدى صداقات وأنا طفلة صغيرة تنظر كل يوم من شرفة العوامة مع الرياضيين راكبي اللانشات أو مراكب التجديف كنت ألوح لهم وهم يردون لي التحية وكنت أعلم مواقيت ممارسة الرياضات النيلية.   

وأضافت: كانت الحياة داخل العوامة تتسم بالبساطة والمتعة وأيضا الجمال فالعيش على مسطاح النيل فعلا متعة وشارع الجبلاية الذي كان عنواننا كان يمثل مشهدا طبيعيا رائعا كما كان يجسد الرومانسية المتداخلة مع مناطق العمران، بعدهذه الفترة التي حفرت ملامحها في الذاكرة ضمن الذكريات جاءت البعثة الدراسية البديلة من جامعة عين شمس إلى سويسرا، كلما ظهرت العوامة كمكان في أي عمل درامي استرجع تلك الأيام.  

وقالت سهير: فجأة اختفت العوامات ونقلت إلى مكان آخر واختفى شجر المانجو والأشجار الكثيفة بشكل عام، وتغير شارع الجبلاية وحجب النيل بأشياء أخرى كالنوادي والكازينوهات وارتفعت الأسوار بل أيضا الخرسانات، لماذا؟، اليوم فجأة أيضا تتخذ إجراءات لهدم ما تبقى من عوامات الموجودة بالبر الغربي من النيل لماذا؟.  

وتابعت: لأنها مخالفة؟ مش معقول فهى قائمة منذ ٦٠ سنة فكيف تركت سنوات طويلة وهى مخالفة؟، أليس ترك شئ مخالف والسكوت عليه أيضا مخالفة من الجهة الإدارية؟، أتساءل لماذا الآن بالتحديد؟، أنا متفائلة لأن ربما هذا تمهيد لعملية إزالة جميع المخالفات والتعديات القائمة في كل  مكان على النيل من نوادي فئوية مبنية بارتفاعات تخطت كل القوانين وحجبت نهر النيل وخصصته بدلا من أن يكون مشهد طبيعي لكل الناس أنعم الله به على المصريين كلهم فإذا كان هذا هو الهدف فاسرعوا بإزالة كل جدار مبنية على شاطئ ومسطاح النيل. 

يذكر أنه أعلن نشطاء ومعماريون خلال الأيام الماضية رفضهم لإزالة العوامات بالنيل، ودشنوا عدة هاشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعي، لرفض قرار الحكومة المصرية المتعلق بإزالة العوامات السكنية الراسية على ضفاف النيل، وهو القرار الذي أثار غضب سكانها الذين أكدوا أنها جزء من تاريخ النهر.    

الجدل بشأن العوامات بدأ عقب إرسال إنذارات إلى سكان العوامات تفيد بإزالتها على مرحلتين، ليتم إخلاء النهر في الرابع من يوليو المقبل، بدعوى «مخالفة هذه العوامات شروط الترخيص»؛ وهو الأمر الذي نفاه سكانها، مؤكدين أن «الحكومة هي من رفضت منحهم الترخيص على مدار السنتين الماضيتين».    

الدكتورة نعمة محسن، واحدة من سكان العوامات، قالت في تصريحات تلفزيونية، إنهم «كانوا يحصلون على تراخيص سنوياً، حتى توقفت الدولة عن منحهم الترخيص بدعوى دراسة تقنين أوضاعهم»، مضيفة: «الحكومة هي من رفضت منحنا الترخيص رغم محاولاتنا على مدار العامين الماضيين، واليوم تفرض علينا غرامات لتأخرنا في إصدار الترخيص، وتصدر قرارات إزالة بحقنا».  

وفي وقت سابق أعلنت أميرة صابر، عضوة مجلس النواب، تقدمها ببيان عاجل، بشأن إزالة عوامات النيل التاريخية للمستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، موجه إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء ووزير الموارد المائية ووزيرة البيئة.   

وقالت النائبة في الطلب: قامت الجهات المعنية عن طريق وزارة الموارد المائية والري بإصدار قرار بإزالة عدد من العوامات التاريخية المطلة على نهر النيل الممتدة من الزمالك إلى إمبابة، وتمكن قطاع حماية النيل التابع للوزارة من إزالة ثلاثة عوامات يوم 17 يونيو الماضي والتي جرى عليها نزاعات قضائية، وجار إزالة 15 عوامة أخرى خلال أيام قليلة.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *