د . زهدى الشامى يكتب: ألغاز سياسة إنتاج الكهرباء فى مصر.. وتساؤلات حول ترشيد إدارة الموارد

 – فائض إنتاج الكهرباء يصل إلى ١٠٠% .. وقرار الاستثمار منقطع الصلة باحتياجات الإنتاج.. ولادور لوزارة التخطيط فى توجيه الموارد  

– الحديث عن تصدير الكهرباء مجرد ترويج لأوهام .. والتوسع فى محطات جديدة محدودة الإنتاج وباهظة التكلفة بالعملة الأجنبية استمرار لسياسة  إهدار الموارد  

– المواطن والمنتج المصرى هو الذى يتحمل فى النهاية تكلفة هذه السياسة غير الرشيدة بارتفاعات لاتنتهى فى أسعار الكهرباء 

———————— 

يندرج إنتاج  الكهرباء ضمن القطاعات التى يتباهى الخطاب الحكومى الرسمى بتحقيق نجاح كبير فيها بتوسعات غير مسبوقة  ومضاعفة الطاقة الإنتاجية وصولا لتحقيق فائض فى الإنتاج، وفى الظاهر فقط يبدو هذا جيدا للغاية . 

ولكن بقليل من التدقيق تكتشف لماذا يحرص الخطاب الحكومى أيضا فى الغالب على التعتيم غالبا على حجم هذا الفائض، وتقديم معلومات غير دقيقة فى هذا الصدد حتى للرئيس نفسه، الذى ذكر فى أحد خطاباته الأخيرة أن هذا الفائض يصل إلى ٢٠ فى المائة، وهو أقل من النسبة الفعلية كثيرا  . 

سبب محاولة خفض نسبة الفائض، وهى محاولة مستحيلة النجاح فى النهاية، مفهوم تماما، فلو رسخ فى ذهن المصريين الحقيقة المؤكدة لأن الفائض فى مجال إنتاج الكهرباء يصل لك إلى ١٠٠ فى المائة، وبعبارة أخرى فإن الاستهلاك هو فقط حوالى نصف الطاقة الإنتاجية الحالية ، فسيثور على الفور التساؤل حول الرشد فى السياسة الاقتصادية ، وحول سلامة القرارات الاستثمارية، وعدم ارتباطها باحتياجات الإنتاج، وحول غياب دور حقيقى لوزارة التخطيط التى من المفروض انها توجه الموارد من القطاعات التى لا تحتاج لاستثمارات إضافية ال  القطاعات التى تحتاج التطوير والتحديث وهى كثيرة تتركها الدولة تتعرض الإغلاق والتصفية كغالبية المؤسسات الصناعية ، بينما توهمنا إنها تتوسع فى إنتاج كهرباء  لاستهلاكها من أجل الصناعات التى تنتظر على قارعة الطريق ! 

الحقيقة التى تنطق بها الأرقام هنا أن الطاقة الإنتاجية الحالية تصل إلى  حوالى ٦٠ ألف ميجاوات، بينما الاستهلاك فى أوقات الذروة فى شهور الصيف يصل لنحو ٣٢ ألف ميجاوات فقط ، أي أن الفائض يقترب فعلا من ١٠٠ % كما سبق القول ، بما يؤكد توسعا غير مبرر فى انشاء محطات الكهرباء ومن بينها فقط محطات شركة سيمنز الألمانية، وفى كل الأحوال بقروض بالعملات الأجنبية الصعبة . 

 ومن نوافل القول ان هذا بالتأكيد أحد أسباب الارتفاعات التى لاتنتهى لأسعار الكهرباء التى يتحملها المواطن والمنتج المصرى، والتى تشمل إلغاء دعم الوقود، ثم خفض سعر الجنيه وزيادة سعر الدولار، ثم استثمارات كبيرة للغاية بطاقات إنتاجية تظل عاطلة، وهى استثمارات قدرت فى مجال محطات الإنتاج وحدها ب ٣٣٥ مليار جنيه ( حوالى١٩.٥ مليار دولار ) ، وهكذا دواليك حلقة مفرغة . 

 وتجدر الإشارة هنا لأن ماروجت له الحكومة مرارا عن خطط لتصدير الكهرباء ليست سوى طنطنات فارغة، وغثاء لايغنى ولايشبع من جوع ، للصعوبات الكبيرة فى نقل الكهرباء لآلاف الكيلومترات، وكل ما تم الإعلان عنها فى مجال تصدير الكهرباء لذلك هو فقط ١٦٨.٥ مليار كيلووات ساعة، أى ١٦٨٠ ميجاوات ساعة أى حوالى ٢.٨ فى المائة فقط من الطاقة الإنتاجية . 

 ولذلك فمن المستغرب فى مثل ذلك الوضع الشروع فى تعاقدات جديدة بأسعار تصل تكلفتها الاستثمارية عدة أضعاف التكلفة الحالية. وعلى سبيل المثال فإن تكلفة محطة الكهرباء النووية فى الضبعة تصل إلى ٢٥ مليار دولار، أي حوالى ٤٥٠ مليار جنيه، وهى تكلفة تزيد عن تكلفة كل المحطات التى تم تشييدها فى السنوات السابقة ، بما فى ذلك محطات سيمنز، بينما لن تضيف للطاقة الإنتاجية سوى ٤٨٠٠ ميجاوات سنويا اى حوالى ٧.٥  فى المائة فقط من الطاقة الإنتاجية الحالية . الضبعة ستنتج ما يعادل إنتاج محطة واحدة من محطات سيمنز الثلاثة، وأقل من ثلث إنتاج محطات سيمنز الذى يصل إلى ١٤.٤ ألف ميجاوات التى تصل تكلفتها معا إلى ٦ مليارات يورو فقط بينما التكلفة هنا ٢٥ مليار دولار . فلماذا التوسع الجديد ونحن لدينا بالفعل فائض ١٠٠% ، ولماذا التوسع بهذه التكلفة الهائلة غير المسبوقة والتى ستضاف بالطبع للدين الخارجى ويتعين فى النهاية سدادها ؟ 

بالمناسبة اعتقد ان التعاون الاقتصادى مع روسيا هام ومفيد، ولكن فى إطار توجه اقتصادى سليم ودراسات جدوى سليمة المشروعات، وأنا مقتنع تماما أن التخطيط الاقتصادى السليم هنا كان لابد أن يرشد صانع القرار المصرى مثلا إلى الاتفاق على إعادة تأهيل وتحديث صناعة والصلب التى نحتاجها بشدة كقاعدة للتنمية الصناعية بدلا من تصفيتها، وليس لإقامة محطة كهرباء جديدة لانحتاجها أصلا تتكلف عشرات المليارات من الدولارات أو ٤٥٠ مليار جنيه . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *