بسبب تأييدهم فلسطين.. “هيومن راتيس ووتش”: اعتقالات جماعية ومحاكمات لمئات المحتجين والمدونين بالأردن   

في تطور مثير للقلق، أعلنت “هيومن رايتس ووتش” اليوم الثلاثاء 6 فبراير 2024، عن سلسلة من الاعتقالات والضغوط الرامية لقمع حرية التعبير في الأردن.  

ووفقًا للتقرير، اعتقلت السلطات الأردنية وضايقت عشرات الأردنيين الذين شاركوا في احتجاجات مؤيدة لفلسطين أو تعبيرًا عبر الإنترنت منذ أكتوبر 2023، ما يثير مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان. 

تشير المعلومات إلى أن السلطات الأردنية اعتقلت المئات بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو التعبير عبر الإنترنت، حيث وجهت اتهامات بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، الذي واجه انتقادات واسعة لتقويض حرية التعبير. 

وتعليقًا على هذه التطورات، قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: “تدوس السلطات الأردنية الحق في حرية التعبير والتجمع في محاولة لقمع النشاط المتعلق بغزة،” مؤكدة على تدهور الوضع بشكل مقلق. 

يأتي هذا في سياق اعتماد البرلمان الأردني قانون الجرائم الإلكترونية القمعي في أغسطس، دون مراعاة الانتقادات الواسعة التي وجهت له، ما يجعله تهديدًا لحرية التعبير ويعزز من الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وفي ظل هذه التطورات، تشير التقارير إلى تزايد حالات الاعتقال التعسفي وسط محاولات لقمع المعارضة وتقييد حرية التنظيم السلمي، مما يثير مخاوف بشأن تراجع الحيز المدني في البلاد. 

ومن بين القصص المثيرة، قدمت “هيومن رايتس ووتش” تفاصيل عن حالات عدة، بما في ذلك اعتقال النشطاء ومحاكمتهم بتهم مشوبة بالتزييف، إضافة إلى استخدام إجراءات الاحتجاز الإداري بشكل مسيء. 

  تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أربعة أشخاص تعرضوا للاحتجاز أو المضايقة أو الاستدعاء من قبل دائرة المخابرات العامة؛ واثنين من أقارب أربعة أشخاص آخرين معتقلين؛ وثلاثة محامين يعملون على قضايا تتعلق بالاحتجاجات. شاهد الباحثون صورا وفيديوهات من احتجاجات عدة، فضلا عن وثائق محكمة متعلقة بمحاكمات رجلين.  

 واحتجزت السلطات الجمل في كشكه على جانب الطريق في مدينة إربد الشمالية في 5 نوفمبر. قال أحد أفراد الأسرة إنه بعد الاستفسار، أخبرهم مسؤول أنه محتجز ونُقل إلى عمّان للتحقيق بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بسبب تغريداته في 3 أكتوبر، التي دارت إحداها حول قيام الشرطة بمنع الاحتجاجات في وادي الأردن. 

وقال أحد أفراد العائلة إن المحكمة أدانت الجمل بعد محاكمة قصيرة، مُنع خلالها محاموه من تقديم دفاع مناسب، وحكمت عليه بالسَّجن ثلاثة أشهر ودفع غرامة قدرها 5 آلاف دينار أردني (نحو 5 آلاف دولار أمريكي) استنادا إلى المادة 24 من قانون الجرائم الإلكترونية، التي تجرّم نشر أسماء أو صور الأشخاص  “الذين يتولون تنفيذ أحكام القانون” على الإنترنت دون تصريح، أو نشر معلومات جديدة عنهم من شأنها الإساءة أو تعريضهم للخطر. أُطلق سراح الجمل، معيل أسرته، في 13 يناير/كانون الثاني بعد أن غطّى التمويل الجماعي الغرامة، لكنه ما يزال ممنوعا من السفر.  

صندوقة محتجز منذ 18 ديسمبر بسبب منشورات على فيسبوك، منها منشور يسخر من ادعاء الحكومة أن الموقف الرسمي والرأي العام بشأن الحرب الإسرائيلية في غزة متوافقان، بحسب محاميه. احتجزته النيابة العامة لشهر على ذمة التحقيق قبل إطلاق سراحه.  

لكن نيابة أمن الدولة استدعته بعد ذلك بتهمة “التحريض على مناهضة نظام الحكم”، وهو نص يتعلق بالإرهاب في قانون العقوبات. في 24 يناير، ورغم تبرئته من تهمتين، أدانته محكمة أردنية منفصلة بالاستهزاء عمدا بسلطات الدولة وحكمت عليه بالسَّجن ثلاثة أشهر ودفع غرامة قدرها 5 آلاف دينار أردني (نحو 7 آلاف دولار أمريكي). ويقضي صندوقة عقوبته بالسَّجن ثلاثة أشهر أثناء احتجازه، على ذمة قضية أمن الدولة.  

وقالت ناشطة عمرها 38 عاما إن الشرطة اعتقلتها في أواخر أكتوبر، بعد يومين من حضورها احتجاج قرب مسجد الكالوتي، ونشرت فيديو على منصة “إكس”، (“تويتر” سابقا)، يظهر الشرطة وهي تفرق الاحتجاج بالقوة. قالت الناشطة إن السلطات أخذتها إلى “إدارة البحث الجنائي”، حيث استجوبها عنصر بشأن منشورها وطلب منها إزالته، ففعلت. احتُجزت ثمانية أيام، ورفضت السلطات السماح لأفراد أسرتها بتوفير أدويتها أثناء احتجازها.   

وبعد جلسة استماع عبر الإنترنت، أمر القاضي بالإفراج عنها على ذمة المحاكمة بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، لكن الشرطة أبقتها محتجزة بناء على استدعاء من محافظ عمان. وقالت إن المحافظ سألها مرارا: “هل تستحق غزة كل هذا؟” وقال أيضا: “تجلسين في منزلك، تأكلين وتشربين وتنامين، وتذهبين إلى المظاهرات وتعودين إلى المنزل ونحن نجعل كل ذلك آمنا لكِ”. أُطلق سراحها أخيرا بعد الاجتماع، لكنها ما تزال قيد المحاكمة وتواجه اتهامات بموجب قانون الجرائم الإلكترونية.  

وقالت امرأة أخرى إنها علمت عبر رسالة هاتفية في منتصف ديسمبر إن السلطات أصدرت مذكرة توقيف بحقها ومنعتها من السفر. وبعد توكيل محام، وهو بدوره واجه تأخيرات في الحصول على ملفات القضية، اكتشفت أن الجلسة الأولى في قضيتها كانت في أوائل ديسمبر. وعلمت لاحقا أن شخصا ما أرسل لقطات شاشة مجهولة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي لمنشورات تنتقد علاقة الأردن بإسرائيل إلى إدارة البحث الجنائي التابع للشرطة، ما أدى إلى توجيه الاتهامات. أنكرت نشر هذه المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وبرّأها القاضي.   

وقال محامون وناشطون لـ هيومن رايتس ووتش إن مئات الأشخاص يمثلون أمام القضاة، مع إسقاط العديد من التهم في نهاية المطاف. وإن حالات عدة، حتى بعد أن أمرت النيابة العامة أو القاضي بالإفراج عن المحتجزين، أعادت سلطات وزارة الداخلية فورا اعتقال الأشخاص أو احتجازهم باستخدام إجراءات الاحتجاز الإداري المسيئة، وإجبار المحتجزين على توقيع تعهدات بعدم الاحتجاج أو التحريض عليه تحت طائلة دفع غرامة قدرها 50 ألف دينار أردني (حوالي 70 ألف دولار أمريكي).  

واعتقلت السلطات الأردنية ثلاثة شبان كانوا يغادرون مظاهرة في عمان في أواخر أكتوبر؛ قال شخص من أسرة أحدهم: “اكتشفت في اليوم التالي أنهم اتهموهم بمقاومة عناصر الشرطة، والتحريض على الشغب، وزعزعة السلم الأهلي خلال احتجاج غير مسجل”. أمر المدعي العام بالإفراج عنهم بكفالة بعد أسبوع، لكن الشرطة احتجزتهم في يوم آخر، وعندها أمرهم مكتب محافظ عمان بالتوقيع على تعهدات بالامتناع عن الاحتجاجات ودفع كفالة قدرها 150 دينارا أردنيا لكل منهم (حوالي 211 دولار أمريكي). وقال إن القاضي أسقط الاتهامات لعدم كفاية الأدلة.  

وقال ناشط على الإنترنت إن ضابطا في المخابرات استدعاه في نوفمبر. وبعد استدعائه إلى غرفة الاستجواب، قال إنه ضحك لفترة وجيزة، وبعد ذلك رد عليه الضابط: “لو كنت تعرف ما سيحدث فلن تضحك”. استجوبه مسؤول المخابرات حول نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الدعوة إلى إضراب عام دعما لغزة، وهدده بالسَّجن ستة أشهر ودفع غرامة قدرها 50 ألف دينار أردني (حوالي 70 ألف دولار أمريكي) بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد. أُطلق سراحه بعد التوقيع على تعهد بعدم التظاهر أو مشاركة أي محتوى يتعلق بالاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي.  

 وقالت ناشطة عمرها 27 عاما إنه بعد حضورها عدة احتجاجات، استدعاها ضابط مخابرات في أوائل نوفمبر. “الرجل الذي ذهبت لرؤيته كان غاضبا جدا. صرخ في وجهي على الفور لكي أسحب الكرسي الموجود في منتصف الغرفة إلى جانب الجدار. بدأ يسألني أسئلة عن معلومات أساسية، ولم أكن متوترة إطلاقا. كنت أتحدث براحة وثقة، وأعتقد أن ذلك استفزه وأزعجه”. 

وقالت إن الضابط استجوبها بشأن نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي وحضورها الاحتجاجات، وهددها بأنها إذا استمرت، فقد تواجه حكما بالسَّجن 15 عاما. قالت إنها رفضت التوقف عن التظاهر، فاحتُجزت رسميا. وأُطلق سراحها بعد خمسة أيام بعد توقيعها على تعهد بعدم الاحتجاج. قالت: “أسوأ جزء من التجربة بالنسبة لي هو أنه لم يخبرني أحد بما كان يحدث، كنت منقطعة عن العالم طوال الوقت”.  

ورغم وجود أدلة على اعتقالات جماعية ناجمة عن الاحتجاجات، قال رئيس الوزراء بشر الخصاونة في 26 نوفمبر إنه لم يُعتقل أي شخص بسبب ممارسته الحق في التعبير السلمي. وأضاف أن “من جرى اعتقالهم ولا يزالون معتقلين لا يتجاوز عددهم 24 شخصا لأنهم اعتدوا على رجال الشرطة أو خربوا ممتلكات أو حاولوا إنتاج تجمعات لا صلة لها بالتضامن مع غزة”.  

وقالت فقيه: “ينبغي للسلطات الأردنية ألا تستخدم أزمة إقليمية كذريعة لتقييد حقوق الأردنيين في التعبير عن أنفسهم سلميا. أثبتت الحالات الأخيرة أن السلطات أساءت استخدام الأحكام الغامضة في قانون الجرائم الإلكترونية وستستمر في ذلك”.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *