الفلاحون المصريون نحو مستقبل أشد قسوة| دراسة: التغيرات المناخية أصبحت واقعًا متأزمًا.. وغياب “الإرشاد الزراعي” يزيد الأزمة

الدراسة: الأمم المتحدة أكدت أن نحو 183 مليون شخص معرضون لخطر الجوع مستقبلًا نتيجة نقص المحاصيل بسبب التغيرات المناخية

تقرير لوزارة التخطيط يتوقع فقد البلاد لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية بالدلتا وتوغل المياه شديدة الملوحة إلى داخل مساحات أخرى

الدراسة: سياسة وزارة الزراعة تتجه منذ سنوات إلى إلغاء دور الإرشاد.. فلا تعيينات جديدة ويتم موظفي إدارات الإرشاد إلى إدارات أخرى

الدول الغنية المتسببة في “الدمار” تعمل على تأمين نفسها من خطر هجرة الملايين لأراضيها وغلق حدودها في وجه ضحايا “اللجوء المناخي”

كتب – أحمد سلامة

أصدرت شبكة شمال إفريقيا للسيادة الغذائية، دراسة حملت عنوان “الفلاحون المصريون نحو مستقبل أشد قسوة”، للباحث أحمد خليفة، تناول من خلالها الباحث أثر التغيرات المناخية على أوضاع الفلاحين في ظل غياب همزة الوصل والتي تتمثل في “الإرشاد الزراعي”.
وقال الباحث أحمد خليفة، في دراسته، إن مصر شهدت خلال الأعوام الأخيرة اضطرابات مناخية ما بين تتابع الموجات الحارة في فصلي الربيع والصيف، وبين شتاءات جاءت دافئة فتلفت بعض المحاصيل (المانجو والزيتون في العام الماضي 2021) وشتاءات وصل الصقيع فيها درجات غير مسبوقة فتلفت محاصيل أخرى، فيما شهد فصل الربيع هذا العام 2022 اضطرابًا مناخيًا كبيرًا تمثل في الفارق الشاسع بين درجات الحرارة ليلًا ونهارًا خلال اليوم الواحد حيث سجلت درجات الحرارة في بعض أيام شهر يونيو 13°م ليلًا و37°م نهارًا.
وحذر الباحث بالقول “لا تكمن حدة التغيرات المناخية في ارتفاع درجات الحرارة الشديد وحسب، بل أيضًا في الاضطراب المناخي الشديد، وتداخل الفصول وانزياحها”.
وتابع الباحث “الكلام عن آثار التغيرات المناخية وفقًا لهذه الأرقام لم يعد حديثًا عن المستقبل، إنه واقع يعيشه العالم بشدة اليوم، وهو مؤهل للتأزم بسرعة تفوق توقعات تقارير المنظمات الدولية. تقول الأمم المتحدة إن نحو 821 مليون شخص يعانون نقص الغذاء، إضافة إلى 183 مليون شخص معرضون لخطر الجوع مستقبلًا نتيجة لنقص المحاصيل الزراعية بسبب التغيرات المناخية”.. مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك مناطق كثير في مصر تعاني أصلا من ضعف مياه الري وعدم وصولها لأراضيها منذ سنوات طويلة، من أبرزها أراضي (نهايات الأبحر) بمحافظة الفيوم.
وأردف “ما يرصده تقريرنا من ضعف قدرة صغار الفلاحين المصريين على إنتاج الغذاء، والذي يزداد يومًا بعد آخر مع حدة الاضطرابات المناخية، وتراكم مديوناتهم للبنك الزراعي، وللغير، في ظل رفع الدولة المصرية يدها عن دعم الفلاحين ومنتجي الغذاء في مصر، وغياب مؤسسات اجتماعية تمثلهم، ما هو إلا بداية لمستقبل أشد قسوة يبدو أنهم سائرون نحوه”.
وأشار الباحث أحمد خليفة إلى أن غياب همزة الوصل والتي كانت تتمثل في الإرشاد الزراعي، ودوره في ربط المزارعين بتوجيهات المؤسسات الزراعية والبحثية، ترك الفلاح وحيدًا في مواجهة الأزمات، دون دعم أو توجيه.
وبحسب أحد مديري الجمعيات الزراعية، فضل عدم ذكر اسمه، فإن سياسة وزارة الزراعة تتجه منذ سنوات إلى إلغاء دور الإرشاد. فلا تعيينات جديدة بديلًا لمن تجاوزوا سن المعاش أو تمت ترقيتهم، بل إن كثيرًا من موظفي إدارات الإرشاد يتم نقلهم إلى إدارات أخرى، ولا اطلاع أو تدريبات لمن تبقوا في الإرشاد على آخر البحوث الزراعية، وتأثير التغيرات المناخية على الزراعات المختلفة وطرق التكيف ووسائله، كما نقلت الدراسة.
ونبهت الدراسة إلى أن “تقرير التنمية البشرية لعام 2021، والصادر عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يتوقع فقد البلاد لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية بالدلتا المصرية، معرضة للغرق نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، بينما ستتوغل المياه شديدة الملوحة إلى داخل مساحات أخرى”.
كما توقع التقرير، الذي نقلت الدراسة أجزاءً منه، تأثير ارتفاع درجات الحرارة وتدني معدلات هطول الأمطار، على إنتاجية غالبية المحاصيل الزراعية، حيث ستنخفض إنتاجية القمح بنسبة 15% عام 2050 لتصل إلى 36% بنهاية القرن الحالي، وانخفاض إنتاج الأرز بنسبة 11% بحلول 2050. وانخفاض إنتاج الذرة بنسبة تتراوح بين 14% و19% في 2050. إضافة لانخفاض إنتاجية فول الصويا والشعير بنسب تتراوح بين 20 و28% بحلول منتصف القرن.
كما ينقل الباحث أحمد خليفة عن دراسة أجرتها الدكتورة سامية المرصفاوي، بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة، عام 2016، أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد استهلاك الأراضي للمياه بنسب تصل إلى 16%، وهو ما يعد من الأزمات الصعبة التي ستواجه مزارعي مصر، في ظل التحديات المائية التي تشهدها البلاد سواء بسبب ندرة الأمطار، أو بسبب أزمة سد النهضة والتوقعات المتعلقة بتأثيره على مخصصات مصر من مياه نهر النيل خلال العقود المقبلة.
في السياق ذاته، يشير الباحث إلى أنه بينما يتعين على الدول الفقيرة تنمية مواردها الغذائية، خاصة في القطاع الزراعي، لمواجهة مشكلات تصحر الأراضي، واحتمالات غرق المناطق الساحلية، تحاول الدول الغنية والتي تسببت سياساتها الاقتصادية في القطاعات الصناعية والزراعية في كل هذا الدمار المناخي، “التكيف” مع آثار التغيرات المناخية، بالعمل على تأمين نفسها من خطر هجرة الملايين إلى أراضيها وغلق حدودها في وجه ضحايا “اللجوء المناخي”.
وينقل الباحث عن الصحفي الاستقصائي (كريستيان بارينتي) في كتابه الهام “مدار الفوضى.. تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف” إشارته إلى تقارير المؤسسات العسكرية في أمريكا وأوروبا والباحثين التابعين لها والمتعاونين معها، حول آثار التغيرات المناخية، وخطط مواجهة تلك الآثار عبر زيادة التسليح والتوسع في إنشاء شركات الأمن الخاصة للتعامل مع المهاجرين المحتملين جراء التغيرات المناخية.
وتختتم الدراسة بالقول “لا نعلم مدى نجاعة حلول الدول الغنية في مواجهة تحديات آثار التغيرات المناخية عبر حماية حدودها. لكن، ما يبدو واضحًا هو عجز الحكومات الوطنية في دول حوض البحر المتوسط، وشمال إفريقيا، ودول “مدار الفوضى” ، بحسب توصيف كريستيان بارينتي، والواقعة على طرفي خط الاستواء بين مداري السرطان والجدي، عن التكيف مع آثار التغيرات المناخية، ذلك لأن تلك الدول اجتمعت فيها ظروف هشاشة مناخها، مع ضعف قدراتها المؤسسية، نتيجة لأسباب كثيرة تتعلق بسياساتها الاقتصادية وغياب نظم الإدارة الديمقراطية، وعزل القوى الاجتماعية والسياسية فيها عن أي دور في التنمية. وهو ما كان فيه للغرب دورٌ هام، سواء خلال فترات الاستعمار المديدة لتلك البلدان، أو بعد ذلك في دعم الديكتاتوريات الحاكمة، وسياسة حروب الوكالة، والقضاء على القوى الاجتماعية والحكومات الرافضة لسياسات التبعية”.

للاطلاع على الدراسة كاملة اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *