الإعدام من المسافة صفر.. رامي الجندب ينضم لطابور الشهداء (بروفايل) 

كتب: وكالات  

بعد ثلاثة أيام من تنفيذ سلطات الاحتلال عملية الاقتحام الدموية لمخيم الفارعة، جنوب طوباس، والتي أسفرت عن سبعة شهداء، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو من كاميرات المراقبة المتواجدة في المخيم تثبت قيام جنود الاحتلال بإطلاق الرصاص بشكل مباشر، ومن المسافة صفر، نحو الشاب رامي الجندب بينما كان مصابا وملقى على الأرض. 

ورامي الجندب (25 عاما)، هو ذاك الشهيد السابع من المخيم الذي ارتقى في التاسع من الشهر الجاري، بعد يوم من الاقتحام متأثرا بإصابته الحرجة. 

يظهر الشريط المصوّر هروب مجموعة من الشبان محاولين الابتعاد عن طريق دورية للاحتلال كانت تطلق النار بشكل عشوائي خلال اقتحام المخيم، ما أدى لإصابة الشاب رامي برصاصة وقع على إثرها فورا على الأرض، فيما قام جندي بالاقتراب منه بالمركبة العسكرية وأطلق عليه أكثر من رصاصة بشكل مباشر وهو مصاب. 

“فوجئنا بقيام دوريات الاحتلال بالدخول إلى الأزقة بسرعة كبيرة وكان الجنود يطلقون الرصاص عشوائيا، فقمنا بالجري محاولين الهروب من طريق المركبات والجنود”، قال أحد الشبان الذي تواجد في نفس المنطقة مع الشهيد رامي قبيل إصابته. 

وأضاف: في نفس اللحظة أصيب رامي ووقع أرضا، فاقتربت منه الدورية وقام الجندي بفتح باب “الجيب” وأطلق عدة رصاصات عليه وهو ملقى على الأرض، قبل أن يتم نقله إلى المستشفى ويخضع لعملية جراحية لكنه فارق الحياة في اليوم التالي، ملتحقا بالشهداء الستة الذين استشهدوا في يوم الاقتحام. 

عملية الإعدام التي طالت الشهيد الجندب، سبقتها عملية اعدام مماثلة طالت الشهيد ثائر شاهين، الذي كان في نفس المنطقة وأصيب في البداية قبل أن يطلق عليه جندي وابلا من الرصاص أدى لاستشهاده فورا. 

ما جرى في مخيم الفارعة في الثامن من الشهر الجاري، هو جزء من عمليات قتل يومية وممنهجة تنفذها سلطات الاحتلال بحق المواطنين في مختلف محافظات الضفة الغربية تزامنا مع العدوان وجرائم الإبادة في قطاع غزة. 

إعدامات ميدانية في وضح النهار وفي عتمة الليل، تفتح الباب على مصراعيه لدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بممارسات جنود الاحتلال الوحشية، التي تصاعدت خلال الاقتحامات اليومية للمدن والقرى الفلسطينية، وسط صمت دولي، حيث بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية بما فيها القدس قرابة 500 شهيد منذ مطلع العام. 

وتعيد جريمة إعدام الشاب رامي الجندب إلى الأذهان عدة جرائم مماثلة وثقت بالفيديو والصور. 

ففي الثالث عشر من الشهر الماضي، فتح جنود الاحتلال فجرا، النار على المواطن المسن عيسى علي القاضي التميمي (65 عاما)، أثناء قيادته مركبته العمومية بمنطقة الحاووز الأول في مدينة الخليل. وبحسب الأطباء، اصيب المسن التميمي “برصاصة دمدم أطلقها جنود الاحتلال على رأسه، مفجرة دماغه” الذي تطاير بين يديه وعلى مقود سيارته، في عملية اعدام فاضحة. 

وفي السابع والعشرين من نيسان الماضي، أعلن عن استشهاد الشاب أحمد يعقوب طه (39 عاما) من بلدة بديا غرب سلفيت، برصاص الاحتلال قرب قرية حارس، وهو ضابط في الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وقد أظهرت عدة لقطات صورتها هواتف مواطنين تواجدوا في المكان، أحد عناصر شرطة الاحتلال وهو يشير إلى الشاب طه للترجل من مركبته تحت تهديد السلاح، وعندما فعل ذلك أطلق جندي إسرائيلي الرصاص صوبه، وقد استمر بإطلاق النار بكثافة نحوه حتى بعد إصابته وسقوطه أرضا، في عملية إعدام واضحة. 

وفي السادس عشر من آذار الماضي، أظهر مقطع فيديو التقطه مواطنون خلال اقتحام قوات خاصة من جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدينة جنين، إطلاق عنصر من القوات الخاصة الرصاص صوب رأس الشاب نضال أمين خازم (28 عاما) وهو مصاب وملقى على الأرض دون حراك. 

وفي الخامس عشر من شهر كانون الثاني الماضي أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار من مسافة صفر صوب المواطن أحمد كحلة (45 عاما) أسفل جسر يبرود، شرق رام الله، حيث يقيم جيش الاحتلال حاجزا غير دائم. 

رصاصتان في الرقبة وضعتا حدا لحياة أحمد كحلة الذي ينحدر من قرية رمون شرق رام الله، ويعيل خمسة أبناء، أكبرهم قصي (20 عاما)، الذي كان معه في لحظاته الأخيرة، قبل استشهاده. 

وفي الثاني من شهر كانون الأول 2022، استشهد الشاب عمار مفلح (23 عاما) من قرية أوصرين جنوب نابلس، برصاص الاحتلال الحي من نقطة الصفر في بلدة حوارة. وأظهر فيديو توثيقي التقط من المكان، أن جنديا إسرائيليا أطلق الرصاص الحي على الشاب مفلح وسط حوارة من نقطة الصفر. 

وفي 24 آذار 2016، استشهد الشاب عبد الفتاح الشريف في منطقة تل ارميدة بمدينة الخليل على يد جندي في جيش الاحتلال، ووثقت جريمة إعدامه بمقطع فيديو التقطه مصوّر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، حيث أثار الفيديو ردود فعل دولية، أجبرت الاحتلال على اعتقال الجندي القاتل أليئور أزاريا، ومحاكمته صوريا، قبل الإفراج عنه بعد قضائه تسعة أشهر في السجن!. 

مؤسسات حقوقية حذرت من تصاعد استخدام الاحتلال لسياسة الإعدامات الميدانية خلال السنوات الأخيرة. وكانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) قد أدانت في تقرير نشرته نهاية العام المنصرم 2022 “إمعان إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) في ممارساتها التعسفية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتوسيع دائرة قتلهم واستهداف حياتهم، بانتهاج سياسة الاستخدام المفرط للقوة وإعدامهم ميدانيا”. 

واعتبرت الهيئة المستقلة أن ذلك “يعكس العنصرية الإسرائيلية وتعليمات المستوى السياسي والأمني في دولة الاحتلال باستخدام الرصاص بهدف القتل والتحريض المتواصل بحق الفلسطينيين المدنيين العزل”.  

في هذا السياق أوضح مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك، أن الإعدام الميداني يعتبر إعداما خارج نطاق القانون ينفذه الاحتلال، كما أنه يتم من خلال قتل مواطنين ومدنيين نتيجة الاستخدام المفرط للقوة، وبالتالي يعتبر جريمة حرب ومخالفة صريحة للقانون الدولي. 

وأضاف أن عمليات القتل والإعدام التي ينفذها الاحتلال مؤخرا تصنف وفقا للقوانين الدولية على أنها جريمة ضد الإنسانية أيضا، كونه يتم تنفيذها على نطاق واسع وبشكل ممنهج، فمنذ السابع من أكتوبر حتى اليوم قتلت سلطات الاحتلال 275 مواطنا في الضفة غالبيتهم عزل ولم يشكلوا أي خطر على حياة الجنود، فيما قارب عدد الشهداء منذ بداية العام 500 شهيد. 

كما أكد دويك أن هذه الجرائم تخالف مبادئ القانون الدولي خاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تعنى بحماية المدنيين أثناء القتال المسلح والمدنيين الخاضعين للاحتلال، والتي تضع التزامات على الدولة القائمة بالاحتلال بهذا الخصوص، لكن الاحتلال يرتكب مخالفات جسيمة لهذه الاتفاقية، كما أنه يخالف ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية والذي يعتبر قتل المدنيين جريمة حرب، وإذا كان على نطاق واسع وممنهج فهو جريمة ضد الإنسانية أيضا. 

وانتهجت سلطات الاحتلال عمليات الإعدام الميدانية بكثرة خلال السنوات الأخيرة، لكنها كثفت من استخدامها خلال العام الحالي والعام الماضي، حيث انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي عشرات الفيديوهات التي صورها مواطنون بكاميرات هواتفهم، أو التي سجلتها كاميرات المراقبة خلال الاقتحامات المختلفة. 

كثير من هذه الفيديوهات تظهر عمليات إعدام ميداني واضح وصريح سواء بقيام جنود الاحتلال بإعادة إطلاق النار على المصابين بهدف قتلهم، أو بإجبار مواطنين عزل على النزول من مركباتهم ثم إطلاق النار صوبهم، أو إطلاق النار عليهم على الحواجز، وغيرها من المواقف التي تم توثيقها. 

ويؤكد مدير عام دائرة حقوق الإنسان في منظمة التحرير، قاسم عواد، أن حكومة الاحتلال أباحت، بالقراءات الأخيرة في قوانينها، للجنود إطلاق النار باتجاه المواطن الفلسطيني بمجرد الشعور بالشك أو القلق نحوه من نيته تنفيذ عمل ضد الجنود، وهذا مؤشر خطير للغاية لأن نية الإنسان ليست عنصرا يمكن قياسه وبناء قانون عليه، بل ذهب قادة الاحتلال في التمادي لما هو أبعد من ذلك بالتصريح بأن الحكومة ستحمي الجنود الذين ينفذون هذه الإعدامات، كما أن بعضهم وصفوا الجنود الذين يقومون بالإعدامات بأنهم يقومون بعمل شجاع وبطولي، وهذه التصريحات موثقة في أكثر من مناسبة وتصريح. 

وقال عواد، إن هذه الإعدامات تمثل انتهاكا واضحا وصريحا للقوانين الدولية، حيث صدر أكثر من قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يجرّم هذه الممارسات، منها القرار 163/44 الذي صدر عام 1989 والذي جرم الاعتداء والقتل دون محاكمة، واعتبرها نوعا من أنواع جرائم الحرب وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة، كما استمر القانون الدولي في اعتبار أي فعل لا يخضع للتدرج في استخدام القوة ضمن جرائم الحرب. 

ويضيف: “ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إعدام ميداني بصفته جريمة حرب هو جزء من الملفات التي قدمتها دولة فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية”.  

وحسب عمليات التوثيق التي تقوم بها دائرة حقوق الإنسان في منظمة التحرير، أكد عواد أنهم وثقوا 13 مؤشرا وبندا في القانون الدولي انتهكها الاحتلال خلال العام الحالي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا رقم قياسي لم ترتكبه أية دولة استعمارية في العالم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *