أحمد فوزي يكتب في ذكرى الثورة: تروما يناير (2).. في توصيف الوضع الراهن وطرق الخروج

الآن علينا أن نعترف أننا في أزمة اقتصادية واجتماعية لا تحتاج توصيف ولا أدلة لاثباتها، مقابل غلق كامل لمجال العام بمصادرة الإعلام والمجتمع المدنى والأحزاب السياسية والنقابات، بل وروابط أقل من ذلك لدرجة أن اتحاد كرة القدم تم اختيار أعضائه ونزل أمام قائمة انتخابية لم تصوت لنفسها، مع فاجعة بوجود الآلاف داخل السجون تحت مظلة الحبس الاحتياطى والبعض تم إصدار أحكام بحبسهم بتهم الإرهاب لمجرد كتابة آراء على فيس بوك.
ثم وسط كل هذا تدعو السلطة فى مائدة إفطار “الأسرة المصرية” الى حوار وطنى، وتفعل لجنة العفو الرئاسى وتخرج مئات المحبوسين وتصدر عفو عن بعض المحكوم عليهم، فى مقابل اشارات متناقضة برفض خروج آخريين وإلقاء القبض مجددآ على نشطاء، مع استمرار حجب المواقع ومع استمرار عدم تأدية البرلمان لدوره الرقابى وغياب المعارضة الحقيقية عنه.
تدعو السلطة لحوار وهي لا تريد في الأصل الاعتراف بأن سياسات خاطئة ارتكتبتها ادت الى ما آلت إليه الأوضاع، والتأكيد على أن المعارضة إما “مفيش حد فيها بيفهم حاجة” وهذا هو التوصيف المحترم، وإما خائنة وعميلة. وأنها لا وزن لها، وتتغافل عن كل ذلك مؤكدة أن الأوضاع ممتازة وأن الحوار ليس الغرض منه الحديث مع المعارضة، وتضم له ملفات لا نعلم لماذا يتم الحوار حولها اصلا ، إذا كانت الأوضاع ممتازة و السلطة لم تخطئ والمعارضة لا وزن لها؟، فإذا كان الوضع كذلك فما الداعي لدعوة لحوار، طالما أن البرلمان موجود يصدر تشريعاته .
المؤكد أن الحقيقة غير ذلك، فنحن فى أزمة حقيقية، فتحت الباب لمواجهة ضغوط دولية واقليمية، ونحن فى حاجة حقيقية لمواجهتها، ازمة اقتصادية واجتماعية تحتاج توافق وطنى ومجتمعى مع ضرورة فتح المجال العام.
و عندما نتحدث عن فتح المجال العام يجب على جميع الأطراف أن تعي أن فتح المجال أو الانفراجة، يجب ان يتم التوافق عليها وعلى شروطها، ما المسموح به والممنوع، ما الضمانات لطمأنة كافة الأطراف، كيف للجميع أن يتجاوز تروما يناير، بمعنى أن القوى الديمقراطية عليها أن تعي أن ما كانت تحلم به كسيناريو للتغيير على طريقة يناير صار غير ممكن بل ويكاد يكون مستحيلا في ظل المعطيات الحالية، وأن استخدام ادوات يناير وسيناريوهات تغييرها غير ممكن، فالوضع أصبح أشد تعقيدا بكثير عما كان عليه في 24 يناير 2011، وهي بالفعل ليس لديها القدرة لتحمل أمور ونتائج سياسات لم تكن طرف فيها، وأن ما تعرضت له من ضربات فى الفترة الأخيرة، خاصة منذ عام 2016 أضعفها للغاية، وأنها يجب أن تركز جهدها على التفاوض لاعادة فتح المجال العام ، لانه ليس فى مصلحتها الآن في الاساس حدوث انفجار اجتماعى، وليس فى مصلحتها وجود تحركات بمعطيات أسوء بكثير مما كانت عليه الأوضاع في 24 يناير 2011، وعلى هذه القوى أن تقدم الجديد لأن سيناريو يناير نفسه فشل بمعطيات افضل، واننا نحتاج لعملية اصلاح قد تستمر لفترة طويلة، تحتاج مفاوضة مع السلطة وأجهزتها والقوى التقليدية المحافظة والبرجوازية لتحديث وعصرنة المجتمع، وايقاف التدهور.
وعلى السلطة أن تنجاوز مرحلة يناير، ولعبة تحمليها مسئولية أي تدهور، فهى التي تحكم منذ 10 سنوات، اتخذت كل قرارتها منفردة، و فى المرحلة الاولى بمباركة شعبية بل وبمباركة بعض القوى السياسية، وأنها أفرطت فى التعامل مع المعارضة بخشونة، ليس المعارضة فقط بل وبعض المؤيدين الذين يحملون وجهات نظر مختلفة فى قضايا مختلفة، فنحن أمام سلطة لأول مرة منذ نأسيس الجمهوية فى 1953 بلا ظهير سياسيى ولا حزب بل تحتقر بشدة – وتعترف بذلك- السياسة والسياسيين والمثقفين، وعليها أن تعترف أن هذا لم يكن فى صالحها ولا صالح البلد، وعليها أن تتجاوز هى الأخرى تروما يناير، وسيناريوهاته، وأن تعي أنها غير ممكنة حاليا، وتثق أن معارضتها التى استجابت لحوار وأثبتت فى مواقفها وآرائها أنها اكثر انفتاحا ووطنية من أصوات مؤيدة للسلطة خرجت بأموالها وتمارس ضغوط عليها لتنفيذ طلبات صندوق النقد والقوى الاقليمية.
نحن فى حاجة لإعادة الاعتبار للمجال العام، برلمان يشبه في حده الأدنى برلمانات 2000، نقابات مهنية لها أدوار فى الحديث باسم أعضائها، نقابات عمالية تتفاوض باسم أعضائها، أحزاب سياسية يسمح لها بالتواصل مع المواطنين، بل وإعادة الاعتبار للمجال الثقافى المؤمم فى الأصل حتى السينما والدراما والنشاطات الرياضية ، لانه لو استمر الوضع على ما نحن عليه فاتصور أنه لا مجال لإصلاح.
وعلى هذه السلطة أن تدرك أنه ليس في صالح أحد الاصرار على توصيف يناير مع ذكراها كل عام بالمؤامرة، والاحتفال بعيد الشرطة بشكل مبالغ فيه، مع تحميلها مسئولية تدهور أوضاع، لم يشارك أحد غيرها في صنعها (طب وبعدين) على الرغم من أن شرعية هذه السلطة جائت عبر دستور نشأ عن يناير فلولا يناير ما كانت 30 يونيه فى الأصل وإلا لو اعترفنا بسيناريو الاخوان المسلمين أن أمر ما كان يدبر، وهو فى رأيي كلام فارغ لأن فشل الاخوان وانتهازيتهم هو ما دفع كافة الأطراف لتتحرك بهذا الشكل، وإن كان هناك سبب رئيسى في فشل مشروع التغيير فى يناير فإن المتهم الاول، هو جماعة الاخوان صاحبة الأغلبية البرلمانية ومنصب الرئاسة والتي تعنتت مع أي انفتاح على معارضتها، والكلام المقزز والمقرف من إعلامها حول “شوفتوا كنا فين وبقينا فين ومابتكلموش ليه وساكتين ليه”، هو كلام مغلوط ويؤكد أن الجماعة لا وجود لها مستقبلا، فمعارضة القوى الديمقراطية للأوضاع الحالية، ليس ندما على معارضة الجماعة أو نكران لنعيمها بل على العكس هو استمرار لموقفهم المبدئي مما حدث ويحدث، وإن عاد الزمن ستتخذ نفس الطريق، ولا يمكن تصور استمرار الاوضاع التي وصلنا لها وقت حكم الاخوان، وإلا كان سينتج انهيار اكبر بكثير، على كافة المستويات. والامثلة كثيرة.
ومع ذلك يجب التفرقة بين رفض الجماعة ومنهجها، والموافقة على ما يجري من انتهاك لحقوق كوادرها وعدم تطبيق القوانين عليهم او حرمانهم من حقوقهم القانونية سواء عبر الحبس الاحتياطي المطول او منع الرعاية الصحية عنهم وحقهم وحق الجميع في المحاكمات العادلة، كما اننا يجب أن نعي أن هناك تيار اسلامي ليس كله جماعة الاخوان ولا يتحمل أخطائها وإن كنا نسمح لحزب النور والسلفيين بالتواجد في الحياة العامة والبرلمان، رغم خطابهم المرعب والمخيف، فلماذا لا نسمح لمشروعات مختلفة بالتواجد بشروط مختلفة، لأنه لا يمكن أن نتصور ان المجتمع المصرى المحافظ لن يمثل من بين تشكيلاته تيار إسلامي ولن يكون الحل المصادرة والحبس، مع التأكيد على أنه لا يحق لجماعة الإخوان بالعمل مجددا.
أما عن القوى الديمقراطية فعليها أن تتجاوز مرحلة إطلاق شعارات غير ممكن وغير مجدية من نوعية عدم المشاركة فى الانتخابات مثلا، بشرط تحقيق حدود دنيا تضمن فعالية المشاركة، أما حجة ان المشاركة تعطي شرعية للنظام، فعن اي شرعية يتحدث من يقولون بذلك وأي نظام؟، فهذا نظام يحكم منذ 10 سنوات، وجانب من القوى الديمقراطية فى الأصل كانت من أسباب وصوله للسلطة، وبعضها شاركت معه خارطة الطريق سواء من شارك فعلا أو تظاهر ضد حكم الجماعة، والحقيقة أنني أتعجب ممن كانوا يتظاهرون ضد حكم الجماعة ولم يعو أن من سيصل للسلطة هو الطرف الأقوى، ربما أدرك أن بعض الرهانات على استمرار وجود الناس، هزمتها الأحداث، وهم كذلك مثل من لم يعوا أن ثورة يناير فى مسارها الطبيعى كانت ستنقل السلطة لجماعة الاخوان، حتى ولو كان الرهان على وجود الناس هنا أكثر منطقية، فالسياسى الذى لا يجيد تحليل الواقع وقراءته لا يستحق العمل بالسياسة، وعلى هذه القوى أن تتوقف فورا عن جلد ذاتها والاتهامات المتبادلة بين يعض اطرافها، على من يتحمل مسئولية الفشل. أو أن المشاركة فى حوار أو انتخابات دليل على الجدعنة أو الخيبة، فبعض الاتهامات والتي تتجاهل الأوضاع الراهنة والشروط التي يجب أن يطالب الجميع بتوافرها لا يخرج عن كونه مزايدات بلهاء، الغرض من بعضها ان يصف الناس كاتبها بالشجاعة وكأن الشجاعة هي ما تنقصنا فقط لحدوث تغيير، متجاهلين ظروف موضوعية شديدة التعقيد وأزمة طاحنة، وعدم اعتراف بعض هذه الأطراف بعدم قدرتهم على ادارة المشهد، خاصة ان منهم من حجز مقعد دائم في دائرة الفشل فى كل المناسبات، فلا يمكن لمعارضة أيا كانت أن تستمر بأدواتها وخطابها منذ سبعينيات القرن الماضي، دون أن تنجح، ان تتصور انها ستنجح مرة اخرى بنفس الأدوات التي سببت فشلها. وعلى من يتمسك بذلك أن يتنحى عن مشهد القيادة.
يجب على كل من فشل فى الفترة من 2011 حتى 2014 أن لا يتصدر المشهد، وهذا ليس مصادرة على حق الناس فى المشاركة، بل أن المشاركة شيء والقيادة شيء آخر، ويجب على القوى السياسية الرئيسية أن تعترف أن لديها أزمة فى الخطاب، وأن هناك اجيال متعددة صارت السياسة بالنسبة لها هي الاحتجاج فقط، ولا أدوات غيرها وأن شرط ممارسة السياسة أصبح تحقير الثقافة والتنظير والافتخار بعدم الانحياز لتيار فكري أو سياسي والتعالي على التنظيم والإسراف فى استخدام خطاب سخرية وتعالي، أحيانا يصل لسب وشتيمة لكل من يخالفنا الرأى، مع تجاهل تام للمعطيات على أرض الواقع.
لا يمكن أن تكون معارضة تلك السلطة بنفس أسلوب بهجت صابر ونرمين عادل فتلك ليست معارضة ولا سياسة، بل تستحق توصيفات أخرى تتراوح بين القرف والانحطاط، بالطبع هذا ليس اتهام للقوى الديمقراطية كلها بل لأطراف فيها لا تزال متمسكة بنفس الخطاب والآليات، كما يجب ان يتوقف البعض عن التطهر والاعتذار عما يتصوره البعض عن أخطاء فى حق جماعة الإخوان، فمن يحتاج إلى التطهر والاعتذار هي الجماعة نفسها وحكمها وما أوصلت إليه نفسها و نحن معها، فتحديد الوضع الذي نعيشه والوقوف على مشكلاته وفهم الأزمة ومحاولة تجاوزها والتخلص من تروما يناير هو سبيلنا لتجاوز الأزمة.
ويبقى أن الاحتفاء بيناير وتعظيم شهدائها والاعتراف بانها أنبل لحظات هذا الشعب فى تاريخه الحديث وانها كانت فرصة اضاعتها كافة الأطراف لتحديث وعصرنة المجتمع ، لن يأتى إلا بالاعتراف بالواقع وتجاوز لحظتها ومحاولة العودة لخطوط ما قبلها، علنا نستطيع البناء من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *