أحمد سعد يكتب: سد النهضة وكورونا وأشياء أخرى.. عن جيلنا المحاصر بالكوارث

منذ أن تفتحت أعين هذا الجيل، منذ أن بدأ في البكاء وليدًا، منذ أن شب طفلا فصبيا فشابا.. لم يكن أمام ناظريه إلا الكوارث، كوارث في عرض مستمر وبث مباشر.

ترتفع سياط الألم وتهوي على ظهورنا تجلد ذواتنا بلا حول منا ولا قوة، أكاليل الشوك الخفية تزين رأس كل شاب فينا وتغرس أنيابها في عقله لتؤكد له في كل لحظة أن الآلام لن تمر والأشواك لن ترفع.

الذاكرة الجماعية لأبناء جيلي لن تتذكر ساعة فرحة حقيقية عاشتها مكتملة، حتى اللحظات السعيدة القليلة خالطها الدم وأتبعها انتكاسات.. مع بداية تفتح الوعي، تلقفتنا أيدي الكوارث الخشنة، لم تمهلنا، انهالت علينا ضربا وطعنا، لم يكن لها من شغل شاغل سوى أن تثبت لنا أن الدنيا مكان بشع وأن القادم أسوأ.

ليس كل ما تتمناه الأجيال تدركه، تلك حقيقة علينا أن نعترف بها.. كل جيل مُصاب، تلك حقيقة أخرى.. لكن بالله قل لي من في الأجيال السابقة شاهد هذا الكم من الأوبئة والأمراض مجتمعة، من شاهد التحذيرات المتلفزة من الإيدز، من شاهد الجمرة الخبيثة والسرس وأنفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير والكورونا المرعبة.

ربما مر على أجيال سابقة أوبئة حصدت الأرواح، لكن الأمر المؤكد أن معظم الأجيال لم تر هذا الكم المتنوع من الأمراض والأوبئة في زمن واحد.

ولا يقف الأمر عند حد الأوبئة، فجيلنا المحظوظ للغاية كان أول الأجيال التي تشاهد الحروب على الهواء مباشرة عبر الأقمار الصناعية.

كانت ليلة كئيبة للغاية تلك التي استيقظنا فيها من نوم عميق لنشاهد حرب الخليج عبر قناة “سي إن إن”، حينها لم نكن ندرك خطورة ذلك على نفوسنا.. لكن الذي لا شك فيه أنه أمر ترك بداخلنا بصمة لم تمح لأصابع الدنيا بعد أن لطمت قلوبنا بقسوة.

لم يدرك جيلنا الحرب العالمية الأولى أو الثانية كأجيال عاصرتها، لكن ما شاهدناه لا يجعلنا نبتعد عن هذه الأجيال كثيرا، كمّ مؤلم لمشاهد الحروب والإبادات من مختلف أنحاء العالم.. فمن البوسنة والهرسك إلى الشيشان إلى الحرب العراقية الإيرانية إلى حرب الخليج الأولى والثانية ثم سقوط بغداد والمخاوف التي انتابتنا حينها من مصير مشابه.

نحن الجيل الذي عاصر الإرهاب في أبشع صوره محليا ودوليا، فمنذ ضرب برج التجارة العالمي والذي أذيعت مقاطع تنفيذه، صببنا اللعنات على الذاكرة المتلفزة التي تحفظ لنا تلك المشاهد البشعة، لكن الأمر لم يتوقف بل تطور كثيرا فقد أصبحت الجرائم الكبرى ترتكب وتبث live عبر مواقع التواصل.

بعد سنوات من حادث برج التجارة العالمي، هب الربيع العربي، فرحة امتزجت بدماء أبرياء سقطوا حينها وبعدها، ومازالوا يسقطون.. فرحة لم تكتمل، أشلاء طموحات جيل كامل تبعثرت في الميادين.

حتى على المستوى السياسي ليس الحال أفضل، مجموعة من الحمقى يحكمون العالم إداريا واقتصاديا، لا يبحثون إلا على توسيع سلطاتهم واستمرارها وزيادة أموالهم على حساب الشعوب.. بل لا أبالغ إن قلت إن الشعوب نفسها ساهمت في اختيار بعضهم، وليس أدل على ذلك من موجة صعود اليمين الديني في أنحاء كثيرة من العالم.

حتى نهر النيل، شريان الحياة لبلد يمتلك حضارة هي الأقدم في التاريخ، أصبح مهددا.. منذ عهد ما قبل الأسرات لم تتعرض مصر لهذا التهديد الوجودي، الجفاف والمجاعة والبطالة وارتفاع معدل الجرائم قد تكون مجرد نتائج هامشية إذا توقف النيل عن جريانه.

يقولون “على صخرة الواقع تتحطم الأحلام”، لكن ما اصطدمنا بها لم تكن صخرة، كان جبلا تلو جبل.. لا ريب إذن في أن هذا الجيل معذور في أن يعتقد أن نهاية العالم باتت وشيكة وأن فناء الجنس البشري اقترب، فالخوف هو ما يسيطر وهو ما يسود، الخوف من الحاضر ومن المستقبل.

معذور هذا الجيل في أن يشكك في جدوى مثالية الأديان، وأن ينكر أهمية العلم وأن يظن أن الإقبال على تغييب العقل هو الحل، معذور في أن يعتقد أن الانتحار هو الخلاص.

وبصرف النظر عن أي شيء يبقى السؤال.. أيها الجيل البائس ما الذي بينك وبين الدنيا لترى كل هذا؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *