أحمد رمضان يكتب قراءة معاصرة لفيلم «عودة الابن الضال»: عن المهزومين والهزيمة.. في حب علي الذي يشبهني ويشبه جيلي

أحمد رمضان

عاد علي بعد 12 عاما من الغياب، عاد وجدد آمال الآخرين في الحصول على حقوقهم التي أهدرها الاستبداد والظلم والرأسمالية، عاد وجدد حب الحياة في قلب فاطمة، ولكنه لم يعد كما رحل، عاد جسده وفقد روحه في مكان لم يعرفه هو شخصيا، فأصاب الجميع الألم، وكانت الهزيمة.

متعة عظيمة دامت 125 دقيقة، هي مدة فيلم “عودة الابن الضال”. يتحدث الفيلم عن الانكسار والعودة بعد ضياع الحلم، وعن الأمل في الغائب والذي نتصور دائما أن لديه الحل، وعن التجربة التي لا نعيشها وعن الحب الذي لا نستطيع أن ندافع عنه، وعن العلاقة بين السلطة والثروة، وعن هيمنة الأسرة والمجتمع، وعن القصور في المواجهة، وعن إجادة الرأسمالية استغلال انكساراتنا وإخفاقاتنا لتحقيق أغراضها.

أدرك يوسف شاهين منذ 42 عاما، أن “ميت شابورة” قاتلة للأحلام، ولن تستطيع أن تجد نفسك فيها، وهذا ظهر بقوة في مقولة الفنان القدير الراحل محمود المليجي في أخر مشاهد الفيلم “اهرب يا إبراهيم، اهرب وماترجعش تاني، البلد دي عايزة عيالها ميتين”، إلا أن صناع الفيلم في نفس الوقت هددوا أحلامنا وتصوراتنا الكلاسيكية الرومانسية عن الخروج، عندما عاد “علي” الذي خرج من “ميت شابورة” باحثا عن الحياة، وعاد مكسورا.

و”علي” لمن لم يشاهد الفيلم، هو شاب عشريني، غادر القرية إلى المدينة، بحثا عن حياة تشبه الحياة التي أحب أن يعيشها، وبحثا عن نفسه التي فقدها في مواجهة أخيه الكبير “طلبة”، الذي يدير أموال العائلة، ويأكل حق العمال، بالاشتراك مع والدته التي تحاول الحفاظ على الثروة والسلطة، من خلال استغلال زواج عائشة ابنة شقيقتها من ابنها الكبير، وحب “فاطمة” ابنة شقيقتها الأخرى للغائب “علي”، خاصة وأن الفتاتين يمتلكن الجزء الأكبر من الثروة.

استطاع شاهين، أن يجعلني اتقبل الهزيمة، تقبلها كما هي والتماهي معها تماما، شعرت أن هزيمة على وانكساره في رحلته الطويلة، هزيمتي الشخصية التي تمنيت ألا أقع فيها، ضياع حلم العدل في مواجهة التجبر. الأسوأ هو أن حالة التوحد التي شعرت بها مع علي، جعلتني ألقي باللوم على من انتظروه طوال هذه السنوات، واندهش من إصرارهم على تحميله مسئولية صمتهم في مواجهة بطش صاحب المصنع وأسرته.

ليس ذلك فقط، بل دفعتني تجربة “علي” إلى إعادة التفكير في رؤيتنا لما ليس حاضرا، وهل بالفعل تصوراتنا عن الهروب أو المكان البعيد صادقة أو كما نراها تمثل حقا الخلاص، ولماذا تشكل بداخلنا كل هذا اليقين من أن الهروب دائما يفيد، أو أن الرحيل فكرة سليمة تماما، ذهب “علي” بكل هذا الكم من الأمل وحب التجربة والإيمان بأن ذلك أفضل، ثم عاد بخسارة أكبر.

“علي” يشبهني ويشبه جيل كبير، خاض المعركة ولا يعرف ماذا سوف يحدث، دخل برأسه في الحياة دون أن يدرك أن الحياة ستكسرها، في لحظة ما رمى وراء ظهره كل احتمالات الإحباط والهزيمة وخيبات الأمل، أو كان يعرف وراهن على قوته وشبابه وقدرته على الغضب والصوت العالي، إلا أن الخصم كان أكبر وأقوى وأكثر تجبرا مما كان متصورا عنه، فتعرضنا جميعا للهزيمة وعدنا برؤوس مكسورة.

أما فاطمة وحسونة وإبراهيم وتفيدة، وكل من راهن على الغائب، دون أن يفكر في الزمن وتحولاته، وكيف أن الوقت قادر على تغييرنا تماما واقتلاعنا من جذورنا، وكل من تصور أن وعودنا “شيك على بياض” غير مقابلة للمراجعة أو المناقشة أو احتمالات عدم الوفاء بها، أظن أنهم على خطأ، أظن أنهم هزموا أيضا في اللحظة التي انتظروا فيها الغائب لينتصر لهم.

أنا متعاطف تماما مع علي، متعاطف مع المهزوم والهزيمة.

ختاما:

طلبة لـ علي: ما تقولهم يا علي، الناس فاكرة النجاح بالساهل، قولهم أنك ياما جريت وخطبت وجعجعت وقولت كتير، وفى الأخر رجعت مهزوم ديلك بين رجليك

فترد تفيدة من مكان أخر: أية العمل في الوقت ده يا صديق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *