أحمد النجار يكتب: قوة الروبل نعمة أم نقمة على الاقتصاد الروسي؟

منذ أن فرضت روسيا على مستوردي الغاز سداد ثمنه بالروبل الروسي، سجل الأخير ارتفاعا كبيرا من 140 روبل لكل دولار في مارس الماضي في ذروة هيستيريا العقوبات والحصار لروسيا إلى نحو 60 روبل للدولار بعد أن بدأت روسيا في الرد على تلك العقوبات والتكيف مع وضعها الجديد.  

فهل هذا الارتفاع نعمة أم نقمة على الاقتصاد الروسي؟ الحقيقة أن ذلك الارتفاع كان له تأثير معنوي قوي وإيجابي على الشعب الروسي الذي ينظر عادة شأن كل الشعوب لتطور سعر صرف عملة بلاده على أنه مؤشر لقوتها أو ضعفها اقتصاديا رغم أن الأسس العلمية لتحديد سعر الصرف وكفاءته قد لا تتوافق مع هذه النظرة الشعبية.  

وصحيح أن ارتفاع سعر صرف العملة الروسية مقابل العملات الأخرى يعد آلية لتخفيض أسعار السلع المستوردة للسوق الروسية عند قياسها بالروبل مما يقود لضبط وربما تخفيض أسعار السلع الاستهلاكية والوسيطة والاستثمارية المستوردة مقدرة بالعملة المحلية، ويقود موجة أوسع نطاقا لضبط أو كبح الأسعار عموما، لكنه يجعل السياحة في الخارج أرخص بالنسبة للروس مما سيساعد على استزاف رصيد الدولة من النقد الأجنبي في السياحة في الخارج. كما يشجع على تدفق الاستثمارات الخارجة من روسيا لبلدان أخرى في ظل ارتفاع قدرة الروبل على شراء العملات الأخرى وبالتالي زيادة قدرته على شراء السلع والخدمات في البلدان الأخرى. وكانت تلك التدفقات الاستثمارية المباشرة الخارجة من روسيا قد بلغت نحو 22 مليار دولار عام 2019، انخفضت إلى 6,3 مليار دولار عام 2020 في ظل أزمة كورونا.  

كما تؤدي قوة الروبل وارتفاع سعر صرفه مقابل الدولار والعملات الرئيسية إلى جعل السلع الروسية غير البترولية عالية الثمن عند تقييمها بالعملات الأخرى في الأسواق الأجنبية بما يفقدها قدرتها التنافسية في الخارج ويجحم الصادرات الروسية وربما يفقدها الكثير من أسواقها لصالح مصدرين آخرين لم ترتفع عملات بلدانهم وأسعار صادراتهم مقومة بعملات البلدان المستوردة. وهناك سلع تتحدد أسعارها في بورصات السلع الدولية مثل الحبوب والمعادن النفيسة والحديد والصلب وتحاذي غالبية الدول عليها مع تفاوتات بسيطة غالبا وهذه السلع لن تتضرر صادرات روسيا منها طالما أن سعرها بالعملات الأجنبية سيكون متوافقا مع الأسعار العالمية، أما السلع الاستهلاكية والسلع الصناعية المعمرة فهي التي ستتضرر صادرات روسيا منها بسبب قوة الروبل.  

كما أن قوة الروبل تجعل تكلفة الاستثمار الأجنبي في روسيا مرتفعة مما يؤدي لتحجيم التدفقات الاستثمارية الأجنبية إليها. وصحيح أنه يصعب توقع تدفق استثمارات أوروبية أو أمريكية لروسيا في ظل هيستيريا العداء لها حاليا، لكن الاستثمارات التي تتدفق من تلك الدول تراجعت بقوة وأصبحت تأتي خلف الصين التي تدفقت منها استثمارات مباشرة للعالم بلغت قيمتها 133 مليار دولار عام 2020، مقارنة بنحو 92 مليار دولار تدفقت من الاتحاد الأوروبي للخارج، ونحو 92 مليار دولار تدفقت من الولايات المتحدة للخارج في العام المذكور وفقا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اليونكتاد). ومن المؤكد أن الصين وشركاتها العملاقة سترغب بالتأكيد في شغل الفراغ  في السوق الروسية، لكن قوة الروبل سوف تكبح هذا التوجه. وكانت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة لروسيا قد بلغت نحو 32,1 مليار دولار عام 2019 قبل انفجار أزمة كورونا، وانخفضت في ظل الأزمة والإغلاقات الاقتصادية المتواكبة معها إلى 9,7 مليار دولار عام 2020. وترتيبا على ذلك فإن روسيا إذا أرادت الحفاظ على مصالحها في تصدير السلع غير البترولية، وكبح خروج أموال الروس واستثماراتهم لبلدان أخرى، وتشجيع السياحة الداخلية بدلا من توسع الخروج للسياحة في البلدان الأخرى، والحفاظ على جاذبية السوق الروسية للاستثمار الأجنبي والسياحة الأجنبية، فإنها يجب أن توقف صعود الروبل وتبقيه عند المستوى الذي كان يراوح عنده قبل انفجار الحرب في أوكرانيا. كما أنه من الضروري لها أن تعمل على إيقاف التحركات العنيفة في سعره ليصبح أكثر استقرارا لأن اضطراب سعر الصرف يصدر الاضطراب لأي حسابات مستقبلية للمستثمرين المحليين والأجانب بما يقيد الاستثمار المباشر الضروري لنمو الناتج وخلق فرص العمل. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *