نتائج عكسية لإجراءات «فيسبوك» بشأن خطاب الكراهية والتحريض.. أدت لانتشار «المحتوى الضار» والتلاسن

وكالات

واصلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، نشر وثائق داخلية حصلت عليها الصحيفة الأميركية بشأن اجتماعات ومناقشات دارت رحاها داخل أروقة عملاق التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لاسيما بشأن ما أثير بشأن تحوله إلى منصة لنشر المحتوى السلبي وأفكار الكراهية والغضب والعنف.

وطبقا للصحيفة الأمريكية، كان «فيسبوك» قد أعلن عن خطة إصلاحات في الأعوام السابقة تهدف لضمان أن تكون المنصة مكانا «صحيا أكثر» ويشجع المناقشات وتبادل الأفكار في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن الخوارزميات التي جرى اعتمادها أدت إلى نتائج عكسية.

وبحسب ما ورد في الوثائق، فإن تغيرات خوارزمية فيسبوك أدت مباشرة لانتشار «المحتوى الضار» والتلاسن والشقاق، بدلا من خلق مساحة للنقاش الإيجابي والفعال.

وفقا للوثائق، فإن مؤسس موقع «BuzzFeed» جونا بيرتي، أرسل في خريف عام 2018، رسالة إلكترونية إلى مسؤول كبير في «فيسبوك» يخبره فيها أن المحتوى الأكثر إثارة للانقسام الذي أنتجه صحفيوه كان ينتشر بشكل سهل وكبير عبر المنصة،  مما يخلق حافزا لإنتاج المزيد منها.

وأشار تحديدا إلى نجاح تقرير نشره الموقع تحت عنوان «٢١ مقولة جميع البيض مذنبون بتلفظها»، لافتا إلى أن ذلك التقرير قد حصد أكثر من 13 ألف مشاركة و 16 ألف تعليق، وأثار جدلا حادا بشأن العنصرية في المجتمع الأميركي.

وقال بيرتي إن الموضوعات الأخرى لا تلقى نفس الرواج على المنصة.

وألقى بيريتي باللوم على الإصلاح الشامل الذي أجراه «فيسبوك» على خوارزمية التغذية الإخبارية في وقت سابق من ذلك العام بهدف نشر «التفاعلات الاجتماعية الهادفة بين الأصدقاء والعائلة»، وقال إنها أضرت بشدة بموقع «BuzzFeed»، الذي يعتمد كثيرا على كتابة موضوعات محببة لجمهور فيسبوك.

وكان الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك»، مارك زوكربيرج، قد ذكر في وقت سابق أن الهدف من تغيير الخوارزمية هو تقوية الروابط بين المستخدمين وتحسين رفاهيتهم، والتفاعل بشكل أكبر مع الأصدقاء والعائلة  وقضاء وقت أقل في استهلاك «المحتوى السلبي» الذي قالت بعض الأبحاث أنه يؤثر على «الصحة العقلية» للمستخدمين.

وأشارت الوثائق أيضا إلى أن بعض الموظفين تحدثوا عن  سبب آخر وراء تغيير الخوارزمية غير الذي تتحدث عنه فيسبوك علنا، وهو أن الشركة لاحظت انخفاضا في معدل التفاعل على المنصة، وأن هذا الانخفاض قد أثار القلق وقد يكون سببا جزئيا في تغيير الخوارزمية لضمان تفاعل أكبر من المستخدمين. 

واكتشف باحثو الشركة أن وسائل الإعلام والأحزاب السياسية كانوا يعيدون صياغة منشوراتهم لتحوي نسبة أكبر من الغضب والإثارة كي تحظى بالتفاعل في ظل القواعد الجديدة، مما كان حافزا واضحا لتبني لهجة خطاب عنيفة، إذ أنها تحظى أكثر من غيرها بالتفاعل والتعليقات.

وذكرت الوثائق المسربة التي نشرتها الصحيفة أن فيسبوك أدركت ذلك وذكرت أن «نهجنا كان له آثار جانبية غير صحية على شرائح مهمة من المحتوى، مثل القضايا السياسية والأخبار».

وخلص الباحثون إلى أن الخوارزمية الجديدة أعطت ثقلا أكبرا للمواد المعاد مشاركتها، مما جعل تأثير الأصوات الغاضبة أعلى مما كان متوقعا، وجاء في مذكرتهم أن «المعلومات المضللة ذات المحتوى السام العنيف انتشرت بشكل مفرط خلال عمليات إعادة مشاركة المنشورات».

وبحسب الوثائق، قالت بعض الأحزاب السياسية في أوروبا إن الخوارزمية جعلتهم يعبرون عن مواقفهم بشكل مختلف مما جعل لها صدى أكبر على منصة «فيسبوك».

ولفتت إحدى الوثائق إلى أن «العديد من الأحزاب، بما في ذلك تلك التي تبنت  في طرح منشوراتها لهجة سلبية باتت تقلق بشأن الآثار طويلة المدى على الديمقراطية»،  دون الإشارة إلى أسماء تلك الأحزاب أو هويتها.

من جانبه، قال لارس باكستروم ، نائب رئيس قسم الهندسة في «فيسبوك»،  في مقابلة صحفية إن أي خوارزمية تخاطر بالترويج لمحتوى أو ضار لبعض المستخدمين مرفوضة.

وأردف: «كشأن أي تطوير (في الخوارزميات) فستكون هناك بعض الطرق التي يمكن من خلالها استغلالها بشكل سلبي.. ولهذا السبب لدينا فريق النزاهة الذي يحاول تعقب هؤلاء ومعرفة كيفية التخفيف آثارهم السلبية بأكبر قدر ممكن».

وبالفعل، يعمل علماء البيانات في فريق النزاهة، الذي تتمثل مهمته في تحسين جودة المحتوى وجعله أكثر جدارة بالثقة، على إحداث جملة من التغييرات المحتملة للحد من ميل الخوارزمية نحو مساعدة ناشري الأكاذيب والأفكار السلبية والمتطرفة، ولكن الوثائق أظهرت أن زوكربيرج قاوم بعض الإصلاحات المقترحة؛ لأنه كان قلقًا من أنها قد تضر بالهدف الآخر للشركة وهو زيادة تفاعل المستخدمين على المنصة الاجتماعية العملاقة.

وكانت آنا ستيبانوف، التي قادت فريقًا يعالج هذه المشكلات، قد قدمت لزوكربيرج عدة اقتراحات تهدف إلى معالجة انتشار المحتوى الخاطئ والمثير للانقسام على المنصة، ووفقًا لمذكرة داخلية في أبريل 2020، فقد كان من الممكن أن يؤدي أحد هذه التغييرات إلى التخلص من التعزيز الذي تقدمه الخوارزمية للمحتوى الذي يُرجح أن تتم إعادة مشاركته بواسطة عدد ضخم من المستخدمين.

وكتبت ستيبانوف إلى زملائها بعد الاجتماع: «لا يعتقد مارك أنه يمكننا المضي قدمًا (في التغييرات المقترحة) »، مشيرة إلى أنه منفتح على اختبار النهج، ولكن “لن نبدأ إذا كانت هناك مقايضة مقابل التفاعل”.

وفي الشهر الماضي، بعد عام ونصف تقريبًا من قول ستيبانوف إن زوكربيرغ رفض تطبيق هذه الإصلاحات، عادت الشركة لتعلن أنها “تجري مزيدا من الاختبارات بشأن تقليل أهمية إشارات بعينها، مثل مدى احتمالية أن يشارك شخص بعينه محتوى سياسي”، في اختيار المواد التي تظهر له.

وكانت هذه  الخطوة نتيجة للانتقادات الحادة التي تعرضت لها المنصة  بعد استخدامها للتشكيك في نتائج الانتخابات الأميركية وتنظيم الاحتجاجات التي أدت لاحقا إلى أعمال شغب في واشنطن واقتحام مقر الكونغرس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *