كورونا يهدد الغذاء في المنطقة العربية.. احتمالات كابوسية ومجاعات تطارد الملايين

أدت القيود العالمية على العمل والحركة التجارية المرتبطة بوباء كورونا الى إثارة مخاوف كثيرة حول الأمن الغذائي، بسبب الوباء اهتزت التجارة الداخلية والخارجية، إذ أغلق بعض الموانئ وفُرضت قيود على تصدير سلع غذائية أساسية من دول مصدرة.

ويجد الخبراء صعوبة في تقدير الموقف لأن كثيرا مما نشهده غير مسبوق: هل نتحدث عن احتمال انقطاع كامل في مواد أساسية، وعن مجاعة؟ أم اننا أمام حدث كبير ولكنه عابر، سقفه ارتفاع بسيط ومرحلي بأسعار بعض السلع؟ لكن الإجابات ستعتمد على عوامل عدة متداخلة وأيضا على المدى الزمني للأزمة الذي لا يزال مجهولا، وفق تقرير لبي بي سي.

مجاعات تهدد العالم في غضون أشهر

ويميل المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، دايفيد بيسلي، إلى التشاؤم، فقد حذر الشهر الماضي من مجاعات متعددة حول العالم بغضون أشهر، وقال بيسلي إن هناك خطرا حقيقيا أن يتخطى عدد من يموتون جراء المضاعفات الاقتصادية للوباء عدد الذين يقتلهم الفيروس مباشرة.

كما ذكر أن حوالي ١٣٥ مليون شخص حول العالم كانوا يواجهون الجوع قبل الوباء، ما يعني أن أي صعوبات إضافية جراء الوباء قد تدفع بهم ‘لى المجاعة.

ويؤكد خبراء أن المحاصيل العالمية هذا العام كافية للجميع وليس هناك نقص فيها، لكن المشكلة في التعطيل الناتج عن الإغلاقات وفي القيود على الصادرات التي يراها كثيرون غير ضرورية وبالإمكان تفاديها دون تهديد إجراءات السلامة الضروروية للحد من انتشار الفيروس.

الخليج العربي.. الاستثمار في الأمن الغذائي لا يحمي من المخاطر

ومن المؤكد ان آثار ما يحصل على الأمن الغذائي ستختلف بين دولة وأخرى، وأيضا بين فئات وأخرى، كما نجد في المنطقة العربية حالات متطرفة، فبعض الدول يعاني من قسوة مناخية لكنه ينعم بفائض من المال لشراء الحلول، وبعضها الآخر يتمتع بمناخ معتدل ومتنوع بينما يواجه الإفلاس أو الحرب.

دول الخليج تعاني من مناخ صحراوي قاس وشح حاد في المياه، ما يعني أن القطاع الزراعي فيها لا يمكن أن يشكل العمود الفقري لما تستهلك من طعام، لكنها من ناحية أخرى تنعم بما يكفي من المال للاستثمار في أمنها الغذائي.

وتركز اهتمامها خلال العقد الأخير على ثلاث استراتيجيات أساسية وهي، بالترتيب من حيث الأولويات: زيادة السعة التخزينية، والاستثمار في الأراضي الزراعية في الخارج، والاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة التي تسمح بالسيطرة على المناخ وتوفير المياه.

ويقول نجيب حمد الحميد مدير منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة فاريلي أند ميتشل للخدمات الاستشارية في الغذاء والزراعة إن هذه الدول، وخصوصا السعودية والإمارات، “حرصت أيضا على تنويع مصادر ما تستورد من غذاء”.

وبالنسبة للسعودية، على سبيل المثال، فإن “الأرز يأتي من الهند وباكستان وفيتنام وتايلاند”، لكن كل هذا لا يعني بالضرورة انها بمنأى عن تداعيات الأزمة، خصوصا إذا طالت.

ويضيف: “بالنسبة إلينا على المدى القصير ليست لدينا مشكلة على الإطلاق، وكأن الكورونا لم يكن، لكن إذا طالت الأزمة بعد شهر أغسطس، يبدأ النقص، ولكنه لن يكون انقطاعا، لن نصبح فجأة أمام صفر من المواد مخزنة وإنما سندخل في استخدام السعة التخزينية الاحتياطية، أي نبدأ بمرحلة المخاطرة”.

كذلك فإن الدول الخليجية، وخاصة السعودية، تواجه اليوم وضعا اقتصاديا صعبا بسبب الانهيار في أسعار النفط، الناتج عن انهيار الطلب وسط الإغلاقات العالمية، طالما بقيت الأسعار منخفضة فإن الضغط سيشتد على ميزانية البلاد.

وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن المملكة لم تشهد أزمة بهذه الحدة خلال العقود الماضية وإنها ستضطر إلى اتخاذ إجراءات “مؤلمة” لمعالجتها.

اليمن بين أزمتين.. الحرب وتخفيض المساعدات

وإلى جوار دول مجلس التعاون الخليجي، نجد اليمن الذي يرزح تحت كل المصائب في آن: حرب طاحنة وفقر وشح مزمن في المياه، فقبل عام، قال برنامج الغذاء العالمي إن حوالي 20 مليون يمنيا، أي حوالي 70% من سكان البلاد، يفتقدون إلى الأمن الغذائي، وأضاف أن ما يقارب 10 ملايين من هؤلاء قاب قوسين أو أدنى من المجاعة.

أما هذا العام، فها هي المصائب تتضاعف، فقد أعلن برنامج الغذاء العالمي بداية الشهر الماضي عن تخفيض المساعدات الغذائية الإنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى النصف، وقالت ليزا جراندي ممثلة الأمم المتحدة في اليمن، إنه يستحيل ان نتخيل وقتا أسوأ لتخفيض كهذا، وسط أزمة وباء كورونا.

لبنان.. احتمالات كابوسية وحاجة ملحة لعامل إنقاذ

يستورد لبنان أكثر من ٨٠ % من غذائه، ويعاني انهيارا اقتصاديا يطال قدرته على الاستيراد في الصميم، هذ اختصار بسيط لجوهر أزمة الغذاء الحادة التي تهدد البلاد الآن، وقد دفعت كثيرين إلى الحديث خلال الأشهر الأخيرة عن احتمالات كابوسية قد تصل الى حد المجاعة.

كذلك دفعت الأزمة البعض إلى حث الناس على الزراعة حيث استطاعوا، لتأمين ما تيسر لأنفسهم وعائلاتهم في مرحلة جديدة شديدة القسوة تقبل عليها البلاد.

غير أن ذلك وإن خفف من الحاجة لدى البعض لن يشكل عامل إنقاذ في غياب استراتيجية للدولة، على مستوى البلاد ككل، تنظر في الحاجات وتنسق الجهود لاستيراد ما لا بديل عنه، وتوفر الدعم لقطاع زراعي منهار تجاهلته حكومات ما بعد الحرب الأهلية، كذلك فلبنان سيكون أكثر حساسية من غيره تجاه أي ارتفاع عالمي في أسعار المواد الأساسية التي يستوردها، كالقمح مثلا.

لكن كل أزمات لبنان الحالية سابقة للكورونا وستمتد على الأرجح الى ما بعد انحسار الوباء بكثير. فانهيار العملة الوطنية وإغلاق المؤسسات وازدياد نسبة العاطلين عن العمل كلها في تسارع منذ العام الماضي، وتطال الأمن الغذائي لكثيرين.

سوريا.. العائلات تفقد زرقها وجوع منتظر

كانت سوريا معروفة باكتفائها الذاتي نسبيا لكنها أصيبت بجفاف حاد بدأ من عام ٢٠٠٧ ما أدى إلى هجرة كبيرة من الأرياف إلى ضواحي المدن.

بعد ذلك جاءت الانتفاضة التي سرعان ما تطورت إلى حروب متعددة على الأراضي السورية، كذلك أصابت سوريا العقوبات والانهيار في لبنان الذي أثر في قيمة الليرة السورية.

وقالت جيسيكا لاوسون الناطقة باسم البرنامج في سوريا: “تشير بيانات جديدة لبرنامج الغذاء العالمي إلى أن أسعار مواد أساسية ازدادت خلال العام الماضي فقط بنسبة مذهلة وصلت إلى ١٠٧%، وهذا يعني أن كثيرين في سوريا لا يمكنهم الحصول على غذاء صحي ومفيد.

وأضافت: “مع انتشار وباء كورونا في سوريا وحول العالم خسرت عائلات مصدر رزقها بين ليلة وضحاها، وهذا قد يزيد أزمة الفئات الضعيفة ويدفع بها أكثر وأكثر نحو الجوع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *