عز الدين عبدالرحمن يكتب: تطور المقاومة والمقاطعة

هل المقاطعة مُجدية؟ يطرح البعض هذا التساؤل بقدر لا يخلو من التشكك، فتجارب المقاطعة سبق وأن عاشتها مصر في ظروف مختلفة خلال سنوات سابقة، ولم يبد أنها ذات مردود جيد على التأثير في الأحداث.
فمع مطلع الألفية، شن المصريون حملة مقاطعة واسعة مع المنتجات الصهيوأمريكية دعمًا للقضية الفلسطينية، أسفرت عن إغلاق سلسلة محال تجارية أطلق عليها “سينسبري”، وربما يذكر البعض الأحداث التي صاحبت ذلك من تدمير المحال.. واستمر الاحتلال الإسرائيلي واستمرت السيطرة الصهيوأمريكية رغم ذلك.
لذا يتشكك البعض باستمرار في جدوى المقاطعة ومدى أهميتها، خاصة إلى وضعنا في الاعتبار أن بعض المنتجات التي يتم الترويج لها داخل مصر هي مجرد عملية بيع لـ”العلامة التجارية”، ويدفع كثير من رافضي المقاطعة بأن المنتجات مصرية والأيدي العاملة مصرية وليس للشركات الأجنبية سلطة على توزيع الأرباح بعد بيعهم للعلامة التجارية لمستثمرين مصريين..
لكن ما يتعلق بالعلامة التجارية مردود عليه بأنه ليست كل الشركات العابرة للقارات قد باعت علاماتها التجارية، هذه نقطة، أما النقطة الأخرى فتتعلق بكون تلك الشركات مازالت تُحصل أرباحًا سنوية من قيمة بيع “علاماتها”، كما أن هناك بُعدًا آخر شديد الأهمية يتعلق بمعاملات الأسهم في البورصات العالمية، فتلك الشركات تكبدت خسائر كبيرة من قيمة أسهمها بالبورصة جراء المقاطعة وهو ما يعني أن تلك المقاطعة أصابت هدفًا شديد الحساسية.
أما ما يتعلق بالتجارب السابقة للمقاطعة، فإنني أقول إننا بصدد الحديث عن المقاطعة في إطار حديث أوسع عن المقاومة الفلسطينية، والمُلاحظ قد يرى أن هناك تزامنا طرديًا بين تطور المقاومة وتطور المقاطعة، فالمقاومة التي بدأت بـ”الحجارة”، وكانت محط استهتار الإسرائيليين والمطبعين العرب على السواء، صاحبها تحركات محدودة ودعوات “خجلة” للمقاطعة، ثم تطورت المقاومة واستبدلت الحجارة بـ”صواريخ” قال عنها المطبعون إنها “ألعاب نارية” لا تُسمن ولا تغني من جوع ورافق ذلك اتساع نسبي في دعوات المقاطعة وتطور محدود في آليات رصد المنتجات الداعمة لإسرائيل واهتماما أوسع من المواطنين بالتقصي عن خلفيات الشركات العاملة بالسوق المصري على وجه التحديد، وإن كان اهتمامًا لم يرق إلى المستوى المطلوب.
ثم في ظرف سنوات قليلة، أصبح لدى المقاومة أسلحة أكثر تطورًا مكنتها من تطوير خططها الدفاعية والهجومية وحققت بها نجاحا ملحوظا في مقاومة الاحتلال وغيرت المعادلة تمامًا، صاحب ذلك اتساع في رقعة المقاطعة فأصبحت الرؤية أكثر اتضاحا وأوسع، ولم تقتصر على مصر والوطن العربي بل امتدت إلى العديد من الدول الإفريقية وبعض دول أمريكا اللاتنية وبعض التيارات المؤثرة في أوروبا والولايات المتحدة.
غدًا تتطور المقاومة أكثر، وربما امتلكت منظومة دفاع جوي وربما امتلك صواريخ أكثر دقة وأسلحة أكثر تطورًا.. وبلا شك سيصاحب ذلك تطورًا في المقاطعة، وما حدث سابقًا سيحدث لاحقًا.. والأوجاع العسكرية التي يتعرض لها الكيان الصهيوني سيصاحبها أوجاع اقتصادية أشد إيلاما.. لذلك، نعم إن المقاطعة مُجدية، فقاطعوا أثابكم الله واحفظوا دماء الأبرياء.
21m

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *