ريهام محمد تكتب: سحب الريادة المصرية

لا ريب أن المملكة العربية السعودية دولة شقيقة، ولا ريب أن شعبها من أقرب الشعوب إلى الشعب المصري، لكننا حين نتحدث عن الريادة الإقليمية فنحن نتحدث عن منافسة طالما حُسمت لمصر، وأي خلل في هذه الريادة يعني حدوث فجوة قد تخلف أضرارا ليست هينة.
والريادة ليس سياسية واقتصادية فحسب، وإنما ريادة فنية وثقافية أيضًا، وهو ما تنبهت إليه المملكة العربية السعودية خلال الأشهر والسنوات الماضية، فأطلقت سلسلة فعاليات جذبت اهتمام الكثير من المعنيين إلى “موسم الرياض” بما فيه من احتفالات فنية ومهرجانات وعروض مسرحية.
وبينما بقيت مصر في انتظار الانتهاء من “مدينة الفنون والثقافة” تعاملت السعودية بمنطق “الفعل الفوري”، فعملت على إقامة العروض الفنية التي يمكن أن تشكل حجر زاوية في اجتذاب الأنظار، واستدعت إلى ذلك فنانين من كافة الأقطار العربية بما فيها مصر.
وليس من المعقول أن يتم مطالبة فناني مصر بمقاطعة المهرجانات السعودية، وليس من المعقول أيضًا أن يتم مطالبة النظام بالإسراع في الانتهاء من مدينة الفنون خاصة وأنها “جزء شكلي” لا يتعلق بصلب انتشار القوة الناعمة المصرية، لكن هناك أهمية قصوى لاستحداث بدائل تتيح لمصر العودة إلى القيادة الفنية في المنطقة.
إن الخلل الناجم عن الريادة المصرية للفن -وهي الريادة التي دامت عقود طويلة- وانتقالها إلى السعودية سينجم عنه فجوة كبرى، فلا السعودية قادرة على حرفية الإنتاج الفني ولا هي قادرة على دعم الابتكار في هذا المجال، على الأقل لسنوات قادمة، ولا هي تتحرك بواقع من الخبرة في هذا المجال.
إن غياب مصر عن الساحة الفنية بهذه الصورة لا ينذر بتراجع الفن في مصر فحسب، ولكن ينذر بتراجع التأثير الفني للمنطقة العربية بأسرها، خاصة مع اتجاه السعودية الدائم إلى تقديم فن يرتكز فحسب على “الترفيه” دون أي أبعاد قيمية أخرى.
على مصر أن تعود فورًا -بالإمكانات المتاحة- إلى الساحة الفنية، لا أن تتركها بالكلية، خاصة وأن سوريا التي كانت قد حققت طفرة كبرى على مستوى الدراما خلال سنوات ما قبل الثورة، انهارت تمامًا واختفت عن الأنظار بعد أن كانت تسهم في تقديم حركة فنية رائعة تُضيف إلى المكتبة العربية، متحاشية مسألة الارتكان إلى “التسلية الصِرفة”.
إن ترك الساحة الفنية بلا خبرة ولا خبراء في أيدي من لا يرون الفن إلا حالة ترفيه لا قيمة فيها هو أمر شديد الخطورة على مستقبل المساهمات في الفكر والهوية العربية، ولا يجب التعامل معه بتقليل أو استهتار.
18m

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *