سنة أولى درب د. يحيى القزاز يكتب: “درب”.. طريق من لا طريق له

شهر مارس هو شهر خفيف الظل محبب إلى نفسى، ربما لأنه الشهر الذى يمرق منه الشتاء، وأنا أكره الشتاء، ويأتي الربيع فنتحرر من عبء الملابس ونستنشق الرياحين، أو ربما الشهر الذى كنا “نخنصر” فيه بعض النقود ونصرفها على أنفسنا من النقود التي منحنا إياها الوالد لنشترى هدية لأمنا في عيد الأم.

 وهو شهر الوطنية والتضحية، الشهر الذى استشهد فيه الفريق عبدالمنعم رياض رمز الوطنية في أرض المعركة، بالموقع نمرة 6، أمام الشط الغربى للقناة بالاسماعيلية، في مواجهة العدو الصهيوني 1969، وللأسف لم يترك الموقع كرمز ومزار له أثره على زواره، وكشاهد على عظمة الجندى المصرى حتى وهو قائد، ليتهم يعيدون الموقع كأثر بعد أن سفلتوه وساووه بالتراب. وهو الشهر الذى انتصر فيه أستاذ الجيل لطفى السيد للجامعة المصرية، وكان مديرا لها، وأسس منه مبدأ استقلال الجامعات، وصار مبدأ دستوريا فيما بعد، حيث استقال في شهر مارس 1932احتجاجا على نقل عميد الأدب العربى د. طه حسين من الجامعة لوزارة المعارف (وقتها كان النقل حق أصيل لوزارة المعارف) فاعترض لطفى السيد على نقله واستقال، وعاد للجامعة 1935 بعد عودة د. طه حسين إليها، فاستحق لقب أستاذ الجيل وأستاذ القيم، وانتصر للقيم الجامعية على حساب السلطة.

زمن لم يتحول فيه الأستاذ إلى مخبر ليترقى على جثث زملائه. وفى هذا الشهر تحتفل “مجموعة العمل على استقلال الجامعة” المعروفة ب(حركة 9 مارس) بيوم 9 مارس عيدا لاستقلال الجامعة.

ومن مميزات شهر مارس، اليوم الثامن منه، ففيه الاحتفال بيوم المرأة العالمى، وفيه مصر أعادت افتتاح قناة السويس بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء عام 1957، وفيه بدأ المهاتما غاندى زعيم الهند العصيان المدنى عام 1930 احتجاجا على الاستعمار البريطاني لتحرير الهند. شهر العزة والنخوة والوطنية والرجولة والبطولة والشهامة والخلق الرفيع. شهر التضحية والدفع لا شهر البيع. شهر كان للمرأة فيه دور كبير.. حاربت وفاوضت وحفظت كرامة بلادها، الطيارة الفرنسية “ريموند دي لاروش” أول امرأة تحصل على رخصة “طيار” في بداية القرن العشرين

واليوم 8 مارس نحتفل بمرور عام على ميلاد “موقع” إعلامى يدعى في الأسماء “درب”، وفى المعجم طريق، طريق يصل بين مكانين، ومن سار على الدرب وصل. طريق يسلكه التائهون للوصول إلى هدفهم المنشود بأمان.

الموقع في إعلانه صرخ كطفل يعلن عن قدومه للأرض بعد اجتيازه مضيق الرحم. فرحنا به بعد طول عقم وقتل وموت واخفاء قسرى لأشقائه السابقين، هللنا واستبشرنا خيرا. والخير لدى المحرومين لايدوم طويلا. سمع الكهنة الصرخة، جروا على الفرعون، يخبرونه بما جرى ويحذرونه من نبوءة أضاعت ملك جده الفرعون الأكبر، ومازالت النبوءة سارية على كل مولود يولد صارخا فتُسمع صرخته في كل واد في الصحراء، أما المواليد التي لاتصرخ ولا يشعر بها احد فلا أهمية ولا قيمة لهم. انتفض الفرعون يقتل الوليد، وكل وليد منذ نبوءة جده الأولى،التى تخبره بنهاية ملكه على يد طفل بسيط من عامة الشعب.

حاصر الكهنة المولود وحجبوا عنه كل شيء طيلة أحد عشر شهرا من العام. اليوم يوم “درب” يوم شاهد ومشهود، والاستفاضة فيه لاتجوز، فكثرة الكلام عنه تورد المهالك. درب هو طريق ضيق بين جبلين، عبده من يؤمن بالحرية وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان. درب الناجين من النار ودرب المهالك…

الحديث عن درب لايكتمل دون ذكر من هم وراءه؛ مؤسسه ورئيس تحريره الصحفى المناضل الأستاذ خالد البلشى، من له تاريخ أطول من عمره، ولا يزايد ولا يتاجر، يحاول من البديل مرورا بالبداية والوادي وكاتب، ودرب يحاول ويقف في ساحة مصارعة الثيران، يسقط فينهض لعدم تكافؤ الفرص لكنه لا يسلم بالهزيمة.

والإشارة له هنا لاتعنى مديحا، ولكن الاعتراف بفضل وجهد قدمهما هو ورفاقه. في كل موضع نضالى تجده، في كل المظاهرات الوطنية والمهنية، فى الدفاع عن الوطنين والصحفيين، وعن كل المظلومين بلا استثناء، يدفع هو وافراد اسرته الثمن، وشقيقه كمال رهين السجون، نيابة عنه يدفع الضريبة، فما أقساها ضريبة أن يدفع غيرك ضريبة ما اقترفته يداك.

تحية ل”درب” في يوم مولدها، وتحية لحزب يحتضنها؛ حزب “التحالف الشعبى الاشتراكى”، حزب وطنى عتيد بأعضائه رغم عمره القصير، حزب خرج للاحتفال بيوم الثورة ولم يتراجع فدفعت الثمن شيماء الصباغ، شابة في مقتبل العمر فاكتسى الحزب بدمائها الطاهرة رمزا للشباب، وصرنا نعرفه بحزب “شيماء الصباغ” التي آثرت مع قلة من رفاقها في الحزب أن تذهب للميدان وتحتفل بذكرى ثورة يناير، فكان مصيرها طلقة غدر، أودت بحياتها وهى تحمل باقة ورد ابتهاجا بذكرى ثورة يناير.. فحملتها معها لرفاقها الشهداء السابقين في عليين. تحية لحزب داعم ل “درب” به قامات عظيمة أمثال أساتذتنا عبدالغفار شكر، وحلمى شعراوى، وأستاذ الفيزياء العظيم بجامعة حلوان أ.د. أحمد رمضان، والراحل العظم المناضل أبو العز الحريرى والأستاذ مدحت الزاهد وهو زاهد فعلا ونعم القائد. وكوكبة وطنية هي جزء من كل، ومن لم يذكر اسمه هنا فبسبب ضيق المساحة، وهو محفور في الذاكرة الوطنية.

 كما منحنا “درب” رئة تنفس وطاقة تنفيس وتعبير، علينا بأن نمنحه رعاية جيدة، ومحافظة مستحقة، بالترفع عن الصغائر ونسيان الخلافات والاحقاد من أجل الحفاظ على الوطن، والإيمان بالوطن والمواطن وعدم التفريط في أي ذرة من ترابه.

كل عام ومصر الأرض والشعب بخير. كل عام و “درب” بكل رجالها بخير. ويبقى لنا أمل أن تراجع السلطة نفسها، وتطلق سراح كل المعتقلين بدون تحديد أسماء، فلو ذكرنا الأسماء ما اتسعت تلك المساحة لهم. مهما ارتفعت المقصلة سيبقى درب وكل درب تضيء كلمات الحق جوانبه منارة باقية وفنارة هادية.

#المقاومةهىالحل

One thought on “سنة أولى درب د. يحيى القزاز يكتب: “درب”.. طريق من لا طريق له

  • 9 مارس، 2021 at 7:13 م
    Permalink

    رغم كثرة كتاباتى الا أنى ألخص منها ما تفوه به الرفيق القزاز وأكتفى به وهو:
    كل عام ومصر الأرض والشعب بخير. كل عام و “درب” بكل رجالها بخير. ويبقى لنا أمل أن تراجع السلطة نفسها، وتطلق سراح كل المعتقلين بدون تحديد أسماء، فلو ذكرنا الأسماء ما اتسعت تلك المساحة لهم. مهما ارتفعت المقصلة سيبقى درب وكل درب تضيء كلمات الحق جوانبه منارة باقية وفنارة هادية.

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *