رحاب إبراهيم تكتب: في صحتك.. القلق الإيجابي

باب تحرره – رحاب إبراهيم

يهاجمني نفس الكابوس بشكل متكرر , أرى أني عدت لأيام الجامعة وأن لديّ اختبار نهائي ولا أعرف كلمة واحدة – غالبا ما يتعلق الأمر بالرياضيات أو العلوم –

هكذا أستيقظ  بلا حلّ !

وهكذا يعمل العقل..

 إنه يثابر بجدّ ليتغلب على أسوأ السيناريوهات المحتملة ..يحوّل القلق إلى مسار آخر ليبقينا في مأمن , إنه حقا يقوم بعمل عظيم لحمايتنا.

ولكن في نفس الوقت , فإن هذه الأحلام تجعلنا نقلق بسبب الأشياء الخطأ.

إنها تضببّ رؤيتنا لنخاف من أشياء لن تحدث أبدا أو أشياء ليست في غاية السوء كما نتخيل.

هذا النوع من القلق الذي تشبهه الكاتبة الأمريكية  إيرما بومبيك بالكرسي الهزاز : “يمنحك شيئا ما لتفعله  لكنه لا يأخذك لأي مكان أبدا! “

 هذا القلق الخادع يؤثر سلبا على صحتنا الجسدية والنفسية .

يؤثر على كيفية اتخاذ القرارات ,  يسبب الأرق , ويعطّل شعورنا بالسعادة.

يقول المفكر البريطاني جون لوك : ” أنت عبد لما يقلقك “

لذلك فإن تعلّم التفرقة بين القلق الايجابي الذي يحمينا والقلق الخادع الذي يضرّنا هو مهارة حياتية ضرورية.

هناك تمرين بسيط يطوّر قدرتك على التعامل الإيجابي مع القلق .

تمرين ” أسباب القلق العشرة”

ابدأ بكتابة أهم عشر أسباب تثير قلقك , ربما يكون من غير المستحب  أن تضعها مباشرة أمام عينيك , لكنها تشغل تفكيرك على أي حال .

لديّ اقتراحين لعمل القائمة

الأول : هو أن تقتصر على أسباب القلق التي قد تحدث خلال مدة معينة..مثلا خلال الشهر القادم  أو الستة شهور التالية .

هذا يجعلها الأسباب التي اخترتها قابلة للقياس ..

ربما يكون لديك مخاوف غير محددة  مثل :”أشعر ان شيئا سيئا سوف يحدث خلال هذه السنة”

حسنا هذا لا ينطبق على التمرين .

الاقتراح الثاني : احتفظ بالرقم 10

حتى لو لديك مخاوف أكثر, اخترأهم عشرة .هذا سيجعلك تفكر في أن بعض  المخاوف ليست ذات أهمية كبيرة.

بعد كتابة الأسباب ستجد بعضها هام فعلا , والآخر أقل أهمية بل ربما يكون تافها .

لا تشغل نفسك بترتيب مدى خطورتها, فقط اكتب ما يجعلك تشعر بالقلق.

ضع القائمة في مكان خاص حتى انقضاء المدة التي حددتها

عندما تنتهي المدة تفقّد القائمة وضع علامات على المخاوف التي حدثت فعلا,

ثم اكتب قائمة جديدة للمدة التالية.

بعد بضعة مرات سوف تجد نفسك أكثر وعيا بأن معظم الاشياء التي كانت تقلقك لم تحدث فعلا, وبعض ما تحقق لم يكن يستحق كل هذا القلق.

60% قلق خادع

نتيجة تجربتي كانت 60% قلق خادع بلا أساس!

لقد قمت بعمل التجربة على مدى خمس سنوات بمعدل قائمة لكل ستة شهور

من ضمن ال 100 سبب للقلق  لم يتحقق 60% هذا يعني  أنني استهلكت طاقة كبيرة كان من  الممكن توجيهها لأشياء أخرى تستحق.

هناك شيء آخر تعلمته ,وهو أن نسبة الاشياء التي لم تتحقق أخذت تدريجيا في الانخفاض بتكرار التجربة.

هذا لا يعني أن حياتي أصبحت اسوأ, بل معناه أنني أصبحت أقلق على الأشياء الضرورية  فقط.

في المرات الأولى  80% من الاشياء المقلقة كانت مجرد أوهام  تماما مثل كابوس العودة لامتحان الكلية  , بعدها تعلمت التركيز واستبعاد الاشياء التي من غير المحتمل حدوثها أبدا.

أصبح أيضا من الصعوبة إيجاد عشرة اسباب كاملة للقلق ,لأن التجربة في حد ذاتها خففت كثيرا من قلقي.

بالاضافة لأن ال 40%  التي تحققت بالفعل انقسمت لقسمين رئيسيين:

الأول : الذي حدث ولم يكن سيئا جدا كما توقعت

والثاني : الذي لم أكن أملك أي شيء لمنع حدوثه

اكتشفت أيضا أن هناك اشياء يطلق عليها سيئة ثم تكتشف بمرور الوقت أنها كانت سببا في حدوث أشياء جيدة ,مثل الانفصال عن علاقة ما , ثم مقابلة حب حياتك الحقيقي.

……..

بالعودة للقائمة  ومع استبعاد الأشياء التي لم تحدث نهائيا والأشياء التي كانت خارج قدراتي , تبقى الأشياء التي من المفيد حقا أن أقلق بشأنها كي أتمكن من تفادي أثرها السيء أو تخفيفه .

بالتخلص من القلق الخادع يمكنك التركيز على الخطوات التي من الواجب القيام بها للتعامل مع أسباب القلق الحقيقية لمنعها من الحدوث , وحتى إن لم تستطع منعها  فالأفضل الانشغال بالفعل بدلا من الانشغال بالخوف.

مثلما تقول الممثلة أنجيلا لانسبيري :”من الأفضل أن تكون مشغولا بدلا من أن تنشغل بالقلق”

وكما يقول الروائي الإسكتلندي جيمس كيلمان :” إن من أهم الدروس التي تعلمتها من  الحياة  هو أنه من الغباء أن تقلق بخصوص أشياء غير مؤكدة والتي من المحتمل ألا تحدث ابدا.

للقيام بالتمرين يمكنك التحكم  في عدد الأسباب  الخاصة بك سواء كانت أقل أو أكثر من عشرة,كما يمكنك تحديد المدة بالشكل الذي يناسب حياتك سواء كانت شهرا أو ستة شهور أو غيرها ..لكن من الضروري أن تحافظ على ثبات هذين العنصرين في قوائمك المتتالية لتستطيع الحصول على نتائج صحيحة .

بهذا تدرّب عقلك على أن تقلق أقل وبشكل أكثر ذكاء.

هذا التمرين لم يجعلني أتخلص من كل أسباب القلق بالطبع, لكن جعل القلق  يستغرقني لأسباب أقل ولفترات أقصر .

الآن عندما أقلق بخصوص أي أمر أسأل نفسي :

هل هو مجرد خيالات؟

هل يمكن إذا حدث أن يتحول إلى شيء جيد ؟

هل يمكنني منع حدوثه؟

إذا كانت الاجابة بنعم على أيّ من الأسئلة , أعرف أن القلق هنا من النوع الخادع لا المفيد .

Based on David G. Allan article :

Not worrying about anything is everything – CNN

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *