د. طه طنطاوي يكتب: هل تنتقص الرقابة الدولية على الانتخابات من السيادة الوطنية؟

مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي، ولتوفير مناخ مواتي لعملية انتخابية تتحقق فيها اعتبارات سلامة ونزاهة الانتخابات، تنادت بعض الشخصيات والقوى السياسية المصرية مطالبة بتوفير عدد من الشروط الضرورية واللازمة لتحقيق انتخابات تتسم بالنزاهة والمصداقية وتخرج بأفضل صورة تليق بمصر وشعبها وتساهم بدورها في تحقيق تماسك اللُحمة الوطنية القادرة على مواجهة كافة التحديات الماثلة، والتي بدونها تفقد الانتخابات أي مصداقية لها.

وتتعدد المطالب ما بين ضرورة توفير مساحات متوازنة في الإعلام الرسمي لكل المرشحين.. وضمان سلامة وحرية تحركهم ومناصريهم في الدعاية الانتخابية مع ضمان حياد أجهزة الدولة الرسمية بين كافة المرشحين.. الخ، وهي الضمانات التي استقرت عليها كل النظم الديموقراطية الحديثة..وتظهر على رأس هذه المطالبات ضرورة وأهمية الرقابة الدولية على الانتخابات (رقابة دولية وليس إشراف دولى _وشتان بينهما).. وعند هذه المسألة بالذات تنبري بعض الأقلام وتتعالى الأصوات ضد هذا المطلب مرتدين ثيابا زائفة من الوطنية مبررين رفضهم بأن هذا المطلب يتنافى والسيادة الوطنية ويضر بها.

وتناسى هؤلاء.. أولًا: أن مبدأ الرقابة الدولية نشأ واعترف به في الأدبيات السياسية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وتعزز في سبعينيات القرن الماضي مع نشوء الدول الحديثة واحتياجها لمساعدة دولية لترسيخ أنظمة الحكم الديمقراطي ولشيوع قيم النزاهة والحوكمة.. وتأخذ به كثير من الديموقراطيات المتعددة في أوروبا وأمريكا وآسيا، ويستطيع أي باحث مدقق أن يتأكد من أن كثيرًا من المصريين شاركوا في لجان مراقبة دولية على الانتخابات في دول أخرى كثيرة.

ثانيا: أن الحديث عن رقابة دولية لا يعني رقابة حكومات، ولكنه بالأساس رقابة منظمات دولية (منظمة الأمم المتحدة) أو منظمات إقليمية (مفوضية الاتحاد الأوروبي.. منظمة الاتحاد الإفريقي) إلى جانب منظمات وهيئات مجتمع مدني غير حكومية.. وهذا في حد ذاته يسقط دعاوى الادعاء الكاذب بالمساس بالسيادة الوطنية..

هذا فضلا عن أن.. ثالثًا: الرقابة الدولية على الانتخابات تجري وفق ضوابط ومحددات معلنة (لا يتسع المقام هنا لذكرها ويمكن الرجوع لها في مصادرها الأولية)، هذه الضوابط من شأنها منع أي جهة بالتدخل في السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال وأن دورها مقصور فقط على مراقبة مجريات العملية الانتخابية منذ مراحلها الأولية إلى إعلان نتيجتها.. مراقبة دون تدخل.. وهذه المراقبة تشكل في حد ذاتها حافزا لتوفير قدر مناسب من الشفافية ولو من باب الحرص على السمعة الدولية.

والتساؤل الذي يوجه الآن إلى أصحاب نظرية السيادة، ماذا يضيركم أيها السادة في أن يرى العالم تجربتنا الديمقراطية ويلمسها عن قرب؟، من ماذا تخشون؟ المؤكد أن النظم الديمقراطية لا تخشى من ذلك ولكنها تطلبه وتسعى إليه تعزيزًا وتأكيدا لمصداقيتها وشرعيتها أمام المجتمع الدولي مما يعزز فرص اندماجها وتعاملها معه.

فقط الديكتاتوريات الحاكمة هي التي ترفض خشية انكشافها أمام العالم والمثير في الأمر أن هذه الأنظمة التي ترفض الرقابة الدولية تحت شعار الحفاظ على السيادة الوطنية.. هي ذاتها وفي سعيها للمحافظة على بقاءها واستمرارها على رأس السلطة تقع في تناقض كبير، فبدلا من أن تستند إلى الشرعية الجماهيرية وتستمد قوتها من شعبها.. فإنها تستقوي عليه خضوعا بالتبعية للقوى الكبرى.

والملاحظة الاخيرة الملفتة للنظر و الجديرة بالاعتبار في هذا السياق والكاشفة أيضا أن تلك الأصوات التي ترفع شعار السيادة الوطنية، هي نفسها التي رضخت وترضخ دوما لشروط الدول المانحة للقروض وتنفذ إملاءات صندوق النقد الدولي والتي تتعارض مع مصالح غالبية الشعب.. وختاما أين هي الحقيقة مما تدعون؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *