الأسوأ منذ 500 عام.. الجفاف يضرب أوروبا والصين وانخفاض في منسوب أنهار كبيرة وخسائر اقتصادية بالجملة

الراين والتايمز وبو على رأس قائمة الأنهار الأوروبية التي تعرضت للجفاف وحركة النقل النهري مُعرضة للتوقف

الصين على خط الجفاف.. تفاقم نقص الكهرباء وإغلاق المصانع وبكين تطلق “الإنذار الأصفر

كتب – أحمد سلامة

“أسوأ موجة جفاف”، هكذا وصف خبراء ومتابعون الأوضاع في أوروبا والصين بعد أن ضرب الجفاف عدة دول ما أدى إلى انخفاض مستوى الأنهار وإعاقة حركة الزراعة وإنتاج الطاقة وإمدادات المياه.

بحسب باحثون في المفوضية الأوروبية فإن الجفاف الذي يجتاح معظم دول الاتحاد الأوروبي هو الأسوأ منذ القرن السادس عشر.

أندريا توريتي، كبير الباحثين في مجلس البحوث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية قال “في الوقت الحالي، يبدو أن هذا هو العام الأسوأ منذ 500 عام، وهو حتى أسوأ مما كان عليه في عام 2018″، مبينا أن “عام 2018 كان شديد الحرارة لدرجة أنه بالنظر إلى القائمة الخاصة بالأعوام الـ500 الماضية، لم تكن هناك أحداث أخرى مماثلة، نظرا لتفاقم الطقس الحار والجاف منذ أربع سنوات”.

وأوضح أنه “في ذلك العام، ترك الطقس الجاف والحار بشكل خاص وسط وشمال أوروبا مع انخفاض غلة المحاصيل الرئيسية بنسبة تصل إلى 50٪، لكن الظروف الرطبة في جنوب أوروبا شهدت ارتفاعا في المحاصيل”، مضيفا: “أما هذا العام، فعلى العكس من ذلك، معظم أوروبا معرضة لموجات الحر والطقس الجاف، حيث يؤثر الجفاف على إنتاج الغذاء والطاقة ومياه الشرب والحياة البرية”.

في تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، قالت فيه إنه بسبب أسابيع من الطقس الجاف حولت العديد من الممرات المائية الرئيسية في أوروبا إلى قطرات صغيرة، ويظهر تحليل المفوضية الأوروبية للجفاف المطول أن جزءًا مذهلاً من أوروبا معرض لتحذير الجفاف بنسبة 44% من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

وفي الوقت نفسه، يواجه 9 % من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إنذار أكثر خطورة من الجفاف، ففي جميع أنحاء أوروبا، يقلل الجفاف من تدفق الأنهار، مع عواقب وخيمة محتملة على الصناعة والشحن والطاقة وإنتاج الغذاء، تمامًا مثل نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حسب ما ذكرته الجارديان في تقريرها.
أندريا توريتي من مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية تقول “لم نحلل حدث هذا العام بشكل كامل لأنه لا يزال مستمرًا، لم تكن هناك أحداث أخرى في الـ 500 سنة الماضية مماثلة لجفاف 2018، لكن هذا العام، في اعتقادي أنّه الأسوأ، إنّ هناك خطرًا كبيرًا جدًا من استمرار الظروف الجافة، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، بدون التخفيف الفعال من كثافة الجفاف وتواتره سيزداد بشكل كبير على أوروبا، في كل من الشمال والجنوب”.

نتيجة للتغير المناخي في أوروبا، اختفى العشب الأخضر من حديقة “هايد بارك” اللندنية والتي تعد الأشهر بين حدائق العالم، ويزورها يوميا الآلاف من السياح والزائرين، لكن اليوم وبسبب موجة الحر التي تضرب أوروبا وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض منسوب مياه الأنهار أصبحت الحديقة جرداء، حسبما أظهرت عدة صور تداولها المتابعون.

الحكومة البريطانية، من جانبها، أعلنت رسميًّا حالة الجفاف في جنوبي ووسط وشرقي المملكة المتحدة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار.
وأظهرت أحدث البيانات من المرصد الأوروبي للجفاف (EDO) أن حوالي 45٪ من أراضي الكتلة الأوروبية تحت ظروف “تحذير”، وهي الثانية من فئات الجفاف الثلاث، خلال الأيام العشرة التي سبقت 20 يوليو.

جفاف الأنهار: الراين والتايمز وبو على رأس القائمة الطويلة

وأدى الجفاف المستمر الذي يؤثر على معظم أوروبا إلى انخفاض مستويات وتبخر كثيف ببعض الأنهار مثل نهر الراين الذي يغذي ألمانيا وهولندا وسويسرا، والذي يعتبر أحد أهم أعمدة الاقتصاد في البلدان الثلاثة مما أعاق حركة نقل البضائع من خلاله.
وأفادت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية بانخفاض مستوى نهر الراين الذي ينقل 80% من الشحنات في ألمانيا إلى مستويات خطيرة لدرجة قد تهدد إبحار المراكب ما ينعكس على الإمدادات الحيوية للبلاد.
وأدى انخفاض منسوب المياه إلى منع السفن الكبيرة ذات الأحمال الثقيلة من عبور نقاط مرور رئيسية وإجبار شركات الشحن على استخدام سفن أصغر، وبلغ منسوب المياه عند نقطة ضيقة، والتي تقع بالقرب من بلدة كاوب على نهر الراين الأوسط، 37 سم، مما حال دون مرور السفن الكبيرة والثقيلة المرور التي لا تتمكن من العبور إذا انخفض المستوى عن 40 سم.

في إيطاليا انتابت المواطنين حالة من الفزع بسبب جفاف أهم أنهارها وهو نهر “بو” الذى تراجعت مياهه إلى مستوى منخفض للغاية، وتخشى السلطات أنه سيكون هناك نقصا خطيرا فى مياه الشرب والري في شمال إيطاليا، ما لم تكن هناك أمطار قريبا، حسبما قالت صحيفة “الجورنال” الإيطالية.
وضرب الجفاف النهر الذي يمتد 652 كيلومترًا (405 ميلاً) عبر شمال إيطالي، إلى حد أنه تم الكشف عن قنبلة من الحرب العالمية الثانية كانت مغمورة تحت المياه.

وانخفض منسوب مياه نهر الدانوب بالقرب من بودابست بمقدار 1.5 متر في الأسابيع الثلاثة الماضية، ولا يُتوقع هطول أمطار في أي وقت قريب، ويمكن أن يتسبب تسخين النهر في انخفاض الأكسجين إلى ما بعد المستويات الصالحة للعيش بالنسبة للأسماك.

أما نهر التايمز فقد بلغ معدل جفاف منبعه أعلى مستوياته على الإطلاق في اتجاه مجرى النهر، وهو حادث لم تشهده البلاد -حتى الآن- منذ أكثر من 85 عامًا، فالنهر الذي يمتد بطول 356 كيلومتراً عبر جنوب إنجلترا، من غلوسترشير في الغرب عبر قلب لندن، قبل أن يصبّ في البحر في إسكس إلى الشرق بدأ في الجفاف هذا العام بشكل وصل إلى مجرى النهر بشكل أكبر مما كان عليه في السنوات السابقة، وفقاً لملاحظات خبراء الحفاظ على البيئة.
أما في فرنسا فيعاني ثلثا البلاد من أزمة جفاف، وتسببت أربع موجات حر في الآونة الأخيرة في حرائق الغابات لأسابيع وحولت نهر سانت لورانس العظيم إلى مجرى مائي في بعض الامتدادات.

الجفاف والتدهور الاقتصادي: حركة النقل النهري مهددة

تساهم حركة النقل النهري بنحو 80 مليار دولار في اقتصاد منطقة اليورو، بحسب بيانات هيئة “يوروستات”، وهو مبلغ قد تفقده ميزانية دول الاتحاد الأوروبي إذا ما توقفت حركة النقل عبر الأنهار والقنوات المائية بالمنطقة.
وتشير التوقعات، والتي تفترض استمرار الظروف السيئة، إلى أن اقتصاد منطقة اليورو قد يفقد نحو 5 مليارات دولار بسبب الأضرار التي تمنع حركة التجارة عبر نهر الراين حاليًا، وفقًا للاقتصادي المتخصص بقطاع النقل في بنك “إيه بي إن”، جان سوارت.
وقال سوارت إن قدرة الدول الأوروبية على استخدام النقل النهري أصبحت محدودة بشكل كبير، خاصة في ظل قلة الأمطار، ما يتسبب في زيادة تكلفة بدائل النقل الأخرى بشكل كبير.. ففي يوم واحد، ارتفعت أسعار الشحن بنحو 30 بالمئة، بحسب سوارت.
ومن جهة أخرى، قد يبدو أن معاناة ألمانيا من أزمة نقص الغاز قد تتضاعف، إذ أن صعوبة النقل النهري قد تعيق حركة نقل الفحم إلى ألمانيا، ما قد يهدد خطة الحكومة الألمانية لإعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء باستخدام الفحم.
وتقف فرنسا، وهي الدولة المصدرة للكهرباء، عاجزة عن سد النقص المحتمل للكهرباء للدول الأوروبية، فنحو نصف مفاعلاتها النووية متوقفة لأعمال الصيانة، كما أن النرويج تقلل من تصدير الكهرباء حاليا بسبب اتجاهها لتوفير استهلاك الغاز، وملء احتياطياتها منه.
وأعلنت العديد من شركات الشحن إيقاف عدد كبير من السفن التي تحمل الفحم لمحطات الطاقة والمواد الخام الحيوية للمصانع عن العمل، كذلك أيضًا تسبب انخفاض مستوى النهر في مشاكل عدة لأصحاب القوارب المنزلية في الفروع الخاصة به.
كما تعطلت حركة الشحن على مسافة 2850 كيلومترًا من نهر الدانوب بشكل كبير، مما دفع السلطات في صربيا ورومانيا وبلغاريا إلى البدء في تجريف قنوات أعمق بينما تنتظر الصنادل التي تحمل الوقود بشكل أساسي لمولدات الطاقة التقدم.
حتى في النرويج، التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية في حوالي 90٪ من توليد الكهرباء، قالت إن المستويات المنخفضة بشكل غير عادي لخزاناتها قد تلزمها في النهاية بالحد من صادرات الطاقة.
وقد أظهرت البيانات الرسمية أن هذه الظروف القاسية تركت الخزانات الإسبانية عند 40 في المائة فقط من السعة في المتوسط في أوائل أغسطس، وهو أقل بكثير من متوسط العشر سنوات البالغ حوالي 60 في المائة.

الصين على خط الجفاف: تفاقم نقص الكهرباء وإغلاق المصانع

ومن أوروبا إلى الصين، حيث أدت موجة الحر والجفاف في سيتشوان إلى الحد من توليد الطاقة الكهرومائية، مما أدى إلى تفاقم نقص الكهرباء وإغلاق بعض المصانع في واحدة من أكثر المقاطعات اكتظاظًا بالسكان في البلاد.
وتعد درجات الحرارة المرتفعة وموجة الجفاف هذه الأسوأ على الإطلاق، مع توقع استمرار الحرارة الشديدة لأسبوع آخر، وفقًا لإدارة الاقتصاد والمعلومات بمقاطعة سيتشوان، التي قالت على موقع إلكتروني حكومي إن تدفق المياه إلى سدود الطاقة الكهرومائية انخفض بنسبة 50% منذ بداية الشهر، تمامًا كما أدى الطقس الحار إلى زيادة الطلب على الطاقة.

ويمثل الجفاف في الصين تهديدًا أكبر عن نظيره في أوروبا حيث يحمل الشحن البحري الداخلي والنهر الساحلي حوالي 16٪ من البضائع في البلاد، وفقًا لتقرير وزارة النقل في العام 2020، لذلك قد تكون هناك مشاكل محتملة إذا استمرت مستويات المياه في الانخفاض.

وفي مقاطعة هوبي المجاورة، انخفضت التدفقات الخارجة من سد Three Gorges Dam، أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في العالم، بنحو 40٪ عن العام الماضي، وفقًا لوسائل إعلام صينية.
وأصدرت السلطات الصينية أول تحذير من الجفاف على مستوى البلاد هذا العام، إذ تعد موجة الجفاف الحالية هي الأقوى منذ ستة عقود، مع هطول أمطار أقل من المتوسط، بينما تكافح السلطات حرائق الغابات وتحشد فرقًا متخصصة لحماية المحاصيل من درجات الحرارة الحارقة في حوض نهر اليانغتسي.
وأصدرت الصين الإنذار “الأصفر”، وهو ثالث أعلى مستوى على مقياس الصين المكون من أربعة مستويات.. بعد أن شهدت عدت مقاطعات موجة من الحر الشديد استمرت لأسابيع، فيما أرجع مسئولون السبب إلى تغير المناخ العالمي.

المقاطعات في جنوب ووسط الصين – وخاصة تلك الموجودة على طول نهر اليانغتسي ، مثل جيانغسو وهوبي وسيتشوان – هي الأكثر تضررا. وقد نصح المسؤولون المحليون بالحفاظ على إمدادات المياه للأغراض المنزلية والحد من الاستخدام الزراعي والتجاري والصناعي.

وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) إن بحيرة بويانغ تقلصت في أحد أحواض نهر اليانغتسي بمقاطعة جيانغشي بوسط الصين إلى ربع حجمها الطبيعي لهذا الوقت من العام.
كما أشارت هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية (سي سي تي في) إلى أن ما يصل إلى 66 نهراً عبر 34 محافظة في منطقة تشونغتشينغ الجنوبية الغربية جفت.

وأضافت، نقلاً عن بيانات الحكومة المحلية إن هطول الأمطار في تشونغتشينغ هذا العام انخفض بنسبة 60٪ مقارنة بالمعدل الموسمي، كما أن التربة في العديد من المناطق تعاني من نقص شديد في الرطوبة.
وأبلغت شركة الغاز في منطقة فولينج العملاء بانقطاع الإمدادات حتى إشعار آخر بسبب “مخاطر السلامة”، فيما أثر الجفاف على أكثر من 2 مليون فدان من الأراضي الزراعية في ست محافظات، حسبما قال مسؤول بوزارة المياه.. في وقت شكل فيه مكتب الزراعة في تشونغتشينغ فرق خبراء لحماية المحاصيل المعرضة للخطر وتوسيع الزراعة لتعويض الخسائر قبل موسم حصاد الخريف.

وفقًا لبيانات وزارة الطوارئ الصينية، تسببت درجات الحرارة المرتفعة في يوليو وحده في خسائر اقتصادية مباشرة بلغت 2.73 مليار يوان (400 مليون دولار) ، مما أثر على 5.5 مليون شخص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *