حنان فكري تكتب : جحيم التشريعات يطال حرية العقيدة

جحيم مشروعات القوانين يلاحق المجتمع، من قانون الشهر العقاري لقانون الاحوال الشخصية، لم يلتقط المواطن انفاسه، لكن هذه المرة القانون لا يمس جيب المواطن، حتى يوقفه قرار رئاسي او جدولة للمبالغ المستحقة،او تأجيلها، وانما يمس تفاصيل الحياة الخاصة للمواطن، مشاعره، الحب والزيجة، غرائزه- الامومة والابوة- العلاقات الخاصة جداً، اختياره وحميمية هذا الاختيار المتمثلة في شريك الحياة، انه قانون الاحوال الشخصية الجديد، وبعيداً عن تفاصيله، والإجحاف الذي طال المرأة في تلك التعديلات واعتراض المنظمات النسوية عليه، فقد طرح القانون نصاً يجب الالتفات اليه، ومحاولة فهم الذهنية التشريعية التي تقف خلف نصوص تشعل المجتمع، وتقوض سلامه اذا ما تمر تمريرها، نصوص تعبث بالحاضر والمستقبل وتنقب وتهدم في علاقات استقرت.

حدد مشروع قانون الأحوال الشخصية حالات لا يجوز فيها الزواج، اي ان القانون يمنع الزواج الرسمي فيها، ولا يقبل بتوثيق العقد، اهم هذه الحالات : “الزواج بمن لاتدين بدين سماوى” وهنا خرجت نصوص مشروع القانون عن المساس بالحياة الخاصة للاشخاص للمساس بتفاصيل الحقوق الشخصية استنادا لعقائدهم.

وهنا قام المشرع بمخالفة صريحة للدستور  الذي ينص في مادته  ال 64 على ان : ” حرية الاعتقاد مُطلقة، وبالرغم انه قيد في ذات المادة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة وقصرها على أصحاب الأديان السماوية، ومنح تنظيمها للقانون إلا انه نص بشكل قاطع على حرية العقيدة” فكيف ينص الدستور على حرية العقيدة ثم يأتي القانون ليخص اصحاب معتقد ما بميزة، ويمنعها عن اصحاب معتقد آخر حتى لو لم يكن معتقد الأغلبية، ويضرب المواثيق الدولية لحقوق الانسان في صلب النواة الفكريةلها، فيفرق ويميز بين امرأة تدين بدين سماوي واخري تدين بأي مُعتقد، ويحرم من تدين بدين غير سماوي من الزواج؟ اذ انه اعتبر ذلك من ضوابط عدم صحة الزواج، واتخذ المشرع هنا سُلطة سماوية للمنح والمنع بناء على العقيدة، وهو امر لا يخص فقط من لا يدين بدين سماوي، وانما قد ينسحب ليمتد الى ما يمكن تطبيقه ايضاً اذا اراد المُشرع التمييز بين ابناء الأديان السماوية فيما بعد.

انه تديين قسري لمن لا دين لهم،فكثير من الناس يؤمنون ويوحدون بالله ولا يعتنقون ديناً محدداً بسبب صراع الاديان الذي لم يتمكن من اقناعهم ان الدين محله القلب فقط، وبالتالي هناك نساء كثيرات ربما مسلمات او مسيحيات او يهوديات في اوراق الثبوتية للهوية الشخصية بينما واقع الامر لا دين لهم، فكيف سيتعرف القانون على هويتهم الدينية الحقيقية؟

واي حُرية عقيدة التي يتحدث عنها نص الدستور، اذا كان التطبيق القانوني الفعلي يتجه نحو محو الآخر المُختلف عقائدياً، فماذا تفعل المرأة اللادينية؟ هل تحيا راهبة؟! تلك النصوص تدفعها للتزوير، عبر اعتناق غير وجداني وإنما حبراً فوق الورق، حتى تتمكن من عيش حياة طبيعية، فتُزيف إيمانها الراسخ في قلبها، بعض النظر عن قناعة المشرع أو الاغلبية المجتمعية بهذا الايمان. وماذا عن وضعية الرجل وكيف يمكن منحه حقاً يمنعه المُشرع عن المرأة، ضارباً مبدأ المساواة في العمق.

.التقييد الثاني والأشد غرابة، هو النص المُستحدث حول منع زواج المُسلمة بغير المُسلم. ولم يكن هذا النص موجوداً في القانون القديم، بالرغم من ان كافة القوانين ترتكن الى الشريعة الإسلامية في نصوصها، لكن لم يكن هناك نصاً يقضي بلك، فما الغرض من استحداث هذا النص الذي يفتح ابواب جهنم على المجتمع ويُفسد العلاقات القائمة بالفعل منذ عقود، ويغير المراكز القانونية الثابتة والمستقرة للعديد من الافراد داخل اسرهم، هذا بخلاف ما سيحدث في مواجهته من اصحاب الشرائع الاخرى، فلكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد في الاتجاه، فاذا كانت النصوص الجديدة  تنص صراحة على منع المُسلمة من الزواج بغير المسلم، فانه من حق اصحاب الاديان السماوية الاخري من غير المسلمين، وخصوصاً المسيحيين، التقدم بمادة ضمن قانون الاحوال الشخصية الخاص بهم تنص صراحة على منع زواج المسيحية من غير المسيحي.

 ولا يخفى على احد معاناة  شريحة لا يستهان بعددها من الآباء والأُمهات المسيحيين  من سيناريو هزلي متتابع اسمه “اختفاء القاصرات” اللواتي يتم العثور عليهن بعد ان تتمم الواحدة منهن عامها الثامن عشر -حتى لا يتعرض احد للمساءلة القانونية عنها- وبينما يبحث الاهل عن الغائبة، تكون قد تحولت من المسيحية الى الاسلام، وفي غياب جلسات النصح والارشاد التي اختفت ايضا بقرار سلبي من وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي في عام 2005، اصبح من المستحيل على الاسرة المنكوبة باختفاء ابنتها معرفة اي معلومة عنها الا بعد ان تصبح زوجة لرجل آخر مختلف الديانة. ورغم المحاولات الأمنية الجادة في العام الاخير لمنع ذلك الا انه في موضع النصوص التشريعية المطروحة يطرح نفسه ضلعاً اساسياً اذا مال تنهدم جوانب المادة، فالنص المطروح يُتيح الفرصة لظهور نص في مواجهته ويحقق نفعاً عاماً، لكن هل سيمر؟ وهل نصوص الاحوال الشخصية ومستقبل عائلات باكملها يمكن ان يتم بنائه على اساس عقائدي تمييزي؟

ان تمرير منع زواج المسلمة من غير المسلم يبيح منع زواج غير المسلمة من المسلم ايضاً، طبقا لشريعتها، وينسحب ذلك على اوضاع اجتماعية مستقرة ويهددها حتى لو لم يسر عليها القانون الجديد، لانها ستصبح حالة شاذة مع الوقت ينفر منها المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *