سنة أولى درب.. كارم يحيى يكتب: من سار على “الدرب” انحجب.. ولكن

ولد موقع “درب” الصحفي في الحجب. وعاش عاما كاملا = 12 شهرا = 365 يوما إلى الآن وهو يقاوم. وأملي أن يعيش  غدا وبعد غد بصيص ضوء يخترق الجدران حتى تتهاوى وتشرق الشمس على مصر.

 يستحق “درب” وأهل “درب” التحية ، ومعه كل موقع إلكتروني محجوب  في بلادي، التي عرفت الصحافة المطبوعة العربية منذ 1828 ..أي قبل 193 عاما. وبالطبع قبل أغلب الأمم والدول التي تتقدمنا الآن على سلم حرية الصحافة ومهنيتها، وقد تأخرنا إلى المرتبة 166.

يستحق التحية لأنه يتنفس على الرغم من ظلام الحجب المفروض على عموم المواطنين المصريين، وبخاصة اعتبارا من صيف 2017، فيحرمهم من حق أساسي من حقوق الإنسان: حق تداول المعلومات والمعرفة والاصداح بالآراء المتعددة والناقدة لكل سلطة.

 يستحق التحية لأنه مازال يتنفس وينبض بالخبر والرأي ويستمسك بالمهنية، فيما هو محروم من الإعلانات و أموال الحكومة والمصالح و رجال الأعمال، ومن القدرة على دفع مرتبات صحفيين محترفين. وهذا بينما يجرى الإنفاق ببذخ وبلا حساب وبجنون على مواقع أخرى في بلادي ليس فيها من الصحافة والمهنة والمصداقية شئ يذكر فيحمد. وعند بلاد أخرى غير بلادي تخصص الأموال من الميزانيات العامة من أجل استمرار الصحافة الجادة المهنية النظيفة. وهذا لأن كل مليم يذهب إليها يعود بالنفع على عقول المواطنين،ويوسع مداركهم، وينمى ذائقتهم،  ويثرى أرواحهم، ويفتح أمامهم مساحات للتفكير والتعبير، فينهض الوطن ومعه الدولة.

يستحق التحية لأنه جاء صارخا طالبا الحياة من لحظة مولده الأولى، فيما تموت الصحافة في هذا البلد. وتخلو مواقع الأحداث ممن يجرؤون على شجاعة التغطيات الميدانية، ولو حتى في ساحات المحاكم العلنية.

 يستحق التحية أيضا لأنه جاء محاولا أن يكون نفسه .نعم ..نفسه عكس زمن ” النصوص السامسونج” المملاة بالكلمة والنقطة والخطأ والصمت والكذب من شخص ما في مكان ما . شخص ما يرتدى ملابس ما تتشابه مع ما يرتديه شخوص مماثلة. ملابس لا نعرفها  على شخوص لا نعرفهم. ولا يعرفهم القراء والمشاهدون والمستمعون. وربما أيضا شخص أو شخوص ما لا يعرفهم معظم من تكتب أسماؤهم في مقدمة هذه النصوص بواسطة “رؤساء تحرير”. وهكذا وكأنهم يرتدون هم أنفسهم الملابس ذاتها تحت سترات تجاهد لأن تشبهنا نحن، فتفشل. وهكذا بين مرسلي ومستقبلي رسائل ” السامسونج” اللاصحفية ذوات غير مكتملة الإنسانية متشابهة.. لكنها يقينا لا تشبه أهل “درب” ..وكل موقع صحفي في مصر يقاوم الحجب والمنع عن أهله وناسه.

  يستحق “درب”  ألف تحية لأن اليأس لم ينل من الزملاء القائمين عليه مع الاستمرار بلا أفق منظور ينهى منع الضوء والهواء والماء. وأيضا مع تنامى الشعور بالمخاطرة بالحرية والسلامة والحياة في مصر التي أصبحت مملكة خوف.

 يستحق التحيات لأن رئيس تحريره الزميل “خالد البلشي” اختار بعد تجربتين في الصحافة الإلكترونية مع معاناة المنع عن جمهوره داخل مصر المضى في الطريق نفسه، و حتى ولو تيقن ونحن معه “إن من سار اليوم على الدرب انحجب”.

في مصر هذه السنوات العجاف المظلمات، اخال وكأن “جوجول” يئن من كثرة الحجب، وحتى ينزف كلمات مصادرة بلا حصر. لكنه “درب”.    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *