“بورفؤاد مش هتقع غير على جثتنا”.. من دفتر بطولات اللواء سيد الشرقاوي قائد معركة رأس العش (بروفايل)

محمود هاشم

بينما كان العدو الإسرائيلي يتقدم نحو احتلال مدينة بورفؤاد وتهديد ميناء بورسعيد، في يونيو 1967، ليظهر للعالم أن الجيش المصرى انتهى، وبالفعل تقدم بسارية دبابات ومجنزرات مدعومة بأسلحة معاونه من المدفعيه والهاون، تلقى قائد الفرقة 43 صاعة السيد الشرقاوي اتصالا تليفونيا من أحد قياداته قائلا: “يا سيد يا شرقاوي بورفؤاد ما تقعش في يد اليهود”، فكان رده واضحا: “تأكد يا فندم أن لو بورفؤاد سقطت هيكون على جثثنا كلنا”.

كانت هذه رسالة واضحة من اللواء أركان حرب السيد مصطفي ابراهيم الشرقاوى – قائد معركة رأس العش، في حرب الاستنزاف وأحد أبطال أكتوبر، وقائد الصاعقة فى عملية تحرير الرهائن من طائرة مصر للطيران المختطفة والمجبرة على النزول بمطار الأقصر عام 1976، الذي توفي أمس – التي رواها اللواء معتز الشرقاوي بطل الصاعقة وأحد أفراد الكتيبة.

يقول معتز: “يوم 5 يونيو 1967 سمعنا أن الحرب بدأت لكننا لم نر طائرات العدو أو دباباته، لكن كنا نسمع الاشتباكات والقصف المدفعي، ثم هدأ صوت الاشتباكات وعادت الأمور لطبيعتها في المنطقة، وفي 10 يونيو سمع قائد الكتيبة أن الجيش المصري قد وصل لخط الدفاع الثاني وانسحب دون أن نتسلم أوامر بالتحرك أو القتال”.

وأضاف في حوار سابق: “خلال تلك الأيام الخمس لم نر أي جنديا أو طائرة إسرائيليين، فمن الواضح أن قائد تشكيل المجموعة القتالية التي كانت الكتيبة إحدى وحداتها انسحب وتركنا في المنطقه دون أوامر، فأمر قائد الكتيبه ورئيس العمليات بالتحرك للانسحاب بالعربات وبكل معدات وأسلحة الكتيبة، وبدأ يسير في طرق بعيدة عن المحاور الرئيسية، لكنها غير موجودة على الخرائط، فهي طرق يعرفها من عاش ودرس سيناء شبرا شبرا وحجرا حجرا، ولا يعرفها العدو ولا يتحرك فيها”.

ولفت إلى أن العدو انطلق للوصول إلى القناة بدون أن يتمسك بالارض التي احتلها، فترك بذلك مسافات ومساحات كبيرة في سيناء لم يتحرك عليها، استغلها قائد الكتيبه ورئيس العلميات في التحرك بالعربات بكل سهولة ويسر، وخلال ساعات قصيرة تم الاتصال اللاسلكي مع قواتنا غرب القناة.

وتابع شارحا مقدمات المعركة: “انتظرنا الرائد حسن المنشاوي غرب القناة يوم 12 يونيو 1967 ، وعبرنا القناة بالعربات على معديات شمال القنطرة بطريقة (عربة- عربة) وتوجهنا إلى بورسعيد طبقا للأوامر، وكانت حالتنا المعنوية عادية جدا، ولم يكن هناك انهيار معنوي أو حزن، لأننا لم نحارب ولم نعرف حقيقة ما يحدث، فقط كنا ننفذ الأوامر”.

وأشار إلى أنهم تمركزوا في مدرسة بورسعيد الثانوية، بالإضافة إلى سرية في مدرسة أشتوم الجميل في بورسعيد، وكانت أولى المهام دفع دوريات بالملابس المدنية على بلانصات الصيد لجمع الشاردين المتجمعين شرق بحيرة البردويل عبر الطريق الساحلي .

الكتيبة 43 صاعقة المكونة من 40 مقاتلا بقيادة الرائد سيد الشرقاوى – حينها –  كانت مهمتهم منع أى تقدم لقوات العدو تجاه بورفؤاد، ويواصل معتز: “بعد عدة أيام تلقي قائد الكتيبة اتصالا تليفونيا من شخصية مهمة لم أعرفها، وكانت التعليمات واضحة، يا سيد يا شرقاوي بورفؤاد ما تقعش في يد اليهود، وكان رده واضحا تأكد يا فندم ان لو بورفؤاد سقطت هيكون على جثثنا كلنا، فبدأنا دراسة الموقف والبحث عن خرائط لمعرفه طرق اقتراب العدو المحتملة لبورفؤاد”.

وقال اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات أثناء بحرب أكتوبر في مذكراته عن حرب أكتوبر عن معركة رأس العش: “اليوم الأول الذي تولى فيه اللواء أحمد إسماعيل علي قيادة الجبهة في أول يوليو 1967 تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق ـ شرق القناة ـ في اتجاه بور فؤاد ـ شرق بورسعيد ـ لاحتلاله، وهى المنطقة الوحيدة في سيناء التي لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو. تصدت لها قواتنا ودارت معركة رأس العش”.

وأضاف: “كان يدافع في منطقة رأس العش ـ جنوب بور فؤاد ـ قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة المصرية عددها ثلاثون مقاتلًا من قوة الكتيبة 43 صاعقة بقيادة الرائد سيد الشرقاوى الذى اعطى امر عمليات لقائد سرية الصاعقة الملازم فتحى عبد الله – لواء متقاعد حاليا – بتجهيز السرية للعبور وعمل خط دفاعى امام القوات الإسرائيلية المتقدمة وبالفعل تقدمت القوة الإسرائيلية، تشمل سرية دبابات (ثلاث دبابات) مدعمة بقوة مشاة ميكانيكة في عربات نصف جنزير، وهجمت على قوة الصاعقة التي تشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية، عاود العدو الهجوم مرة أخرى، إلا أنه فشل في اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير بالإضافة لخسائر بشرية واضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب، وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء الذي ظل تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر 1973 “.

وبحسب الجمسى، كانت هذه المعركة هي الأولى في مرحلة الصمود، التي أثبت فيها المقاتل المصري ـ برغم الهزيمة والمرارة ـ أنه لم يفقد إرادة القتال.

بعد الهزيمة التي تعرض لها جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تحاول إسرائيل بعد ذلك محاولة احتلال بور فؤاد مرة أخرى وظلت في أيدي القوات المصرية حتى قيام حرب أكتوبر، 1973، وظلت مدينة بور سعيد وميناؤها بعيدين عن التهديد المباشر لإسرائيل.

وقال معتز الشرقاوي: “في ذلك الوقت حضر إلينا مهندس من هيئة قناة السويس، قابل قائد الكتيبة وأخبره بوجود طريق شرق القناة وموازي لها وممتد من القنطرة جنوبا إلى بورفؤاد شمالا، وأن هذا الطريق غير موجود على الخرائط، لكن مهندسي الهيئة يستخدمونه في تحركاتهم العادية ، فهرع سيد الشرقاوي مصطحبا المهندس معه، حتى وصلوا إلى هذا الطريق وساروا عليه حتى بعد رأس العش” .

وعلى ذلك وضحت الخطة في مواجهة أي عدو يتقدم إلى بورفؤاد، فوجود طريق جديد محتمل استوجب وضع فصيلة لغلقه، مع وجود باقي أفراد الكتيبة على أنساق حتى داخل بورفؤاد .

عبرت السرايا القناة بالمعديات من بورسعيد إلى بورفؤاد، وتمركزت فصيلة في نقطة رأس العش، لأن الطريق الضيق لا يحتمل أكثر من فصيلة للدفاع عنه، لأن الطريق يقع بين القناة ومنطقة السبخات شرق القناة .

ووصف الشرقاوي تأثير المعركة على معنويات الجيش المصري، قائلا: “تخيل أن فصيل صاعقة يوقف تلك القوة الإسرائيلية المدرعة، ويكبدها خسائر كبيرة وصلت إلى 8 دبابات و11 عربة مجنزرة، كان الجيش الجريح هو أكثر من أحس بنتائج تلك المعركة معنويا، وكانت القوات في شوق لخبر يعيد للجنود الأمل والثقة والروح القتالية في وقت كان ذلك مطلبا بعيد المنال” .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *