الانتخابات الألمانية: الاشتراكيون الديموقراطيون يتصدرون النتائج الأولية.. وأولاف شولتز يقترب من خلافة أنجيلا ميركل

وكالات

حسب نتائج أولية رسمية صدرت فجر الاثنين، تصدر الاشتراكيون الديمقراطيون نتائج الانتخابات التشريعية الألمانية بنيلهم 25,7 بالمئة من الأصوات متقدمين على المحافظين بزعامة أرمين لاشيت، الذي خلف أنجيلا ميركل على رأس الحزب المسيحي الديمقراطي، والذين تراجعوا إلى مستوى منخفض تاريخيا، لكن البلاد تستعد لفترة طويلة من عدم اليقين في ما يتعلق بمسألة خلافة المستشارة.

وفقا لنتائج أولية رسمية أعلنتها الهيئة الانتخابية الفدرالية فجر الاثنين، فاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة أولاف شولتز بالانتخابات بعد حصده 25,7 بالمئة من الأصوات متقدما بشكل طفيف على المسيحيين الديمقراطيين المحافظين بقيادة أرمين لاشيت الذي حل ثانيا مع 24,1 %. فيما حصل حل حزب الخضر ثالثا بـ14,8 %من الأصوات تلاه الحزب الديمقراطي الحر بـ11,5 بالمائة.

“رغبة في التغيير”

وكان المرشح الديمقراطي الاشتراكي قد صرح مساء الأحد “ستكون ليلة انتخابية طويلة”، مضيفا “لكن ما هو مؤكد هو أن العديد من المواطنين” صوتوا للحزب الاشتراكي الديمقراطي لأنهم “يريدون تغيير الحكومة وأيضا لأنهم يريدون أن يكون أولاف شولتز المستشار القادم”.

لكن المشكلة هي أنه على الرغم من نتيجتهم “المخيبة للآمال”، فإن المحافظين يعتزمون أيضا تعيين المستشار القادم، وفق ما قال أرمين لاشيت الذي تحدث إلى جانب ميركل، وأكد المرشح الديمقراطي المسيحي “سنفعل كل ما في وسعنا لبناء حكومة يقودها” المحافظون.

ولم يسبق أن تراجعت نسبة الأصوات لصالح حزب المحافظين إلى ما دون عتبة 30 %. وفي العام 2017، حصد 32,8 % من الأصوات.

وفي مؤشر إلى التراجع التاريخي للمحافظين، فاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الدائرة التي انتُخِبت فيها ميركل نائبة منذ العام 1990.

ومهما حدث، فإن النتائج التي تلوح في الأفق في ألمانيا تشير إلى ولادة جديدة غير متوقعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان يحتضر قبل بضعة أشهر. وقوبلت النتائج بفرح في مقر الحزب في برلين.

وأعرب الاشتراكيون الديمقراطيون وكذلك المحافظون عن أملهم بتشكيل ائتلاف حكومي “قبل عيد الميلاد”، وصوت جزء كبير من الناخبين عن طريق البريد، ومع ذلك، قد تتغير النتائج بعد عملية فرز الاصوات الأولى.

“كارثة”

من المؤكد أن المسيحيين الديمقراطيين سيعانون نكسة غير مسبوقة ستؤدي إلى اضطرابات داخلية وتعد بخلافة معقدة لأنجيلا ميركل، وستكون النتيجة التي تقل عن 30 % بمثابة “كارثة” وفقا لصحيفة بيلد اليومية.

وتلقي هذه الانتكاسة بظلالها على نهاية عهد ميركل التي بقيت شعبيتها في أوجها بعد أربع ولايات لكنها أثبتت عدم قدرتها على الإعداد لخلافتها.

ويغيب حزب الخضر ومرشحته أنالينا بيربوك عن المشهد. لكن يبقى هناك سبب للشعور بالرضا، فقد حطم الرقم القياسي الذي سجله في العام 2009 عندما حصل على 10,7 % من الأصوات.

يعتبر سطوع نجم شولتز خلال الانتخابات العامة في ألمانيا غير منتظر بالمرة على الرغم من أنه كان بالإمكان التنبؤ به. فأولاف شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يمثل الوجه الأوفر حظا اليوم لخلافة أنجيلا ميركل كان قبل بضعة أشهر من الانتخابات العامة المقررة الأحد 26 سبتمبر، بعيدا جدا عن هذه الفرضية.

ما الذي جعل شولتز مفضلا؟

خلال شهر يونيو ، كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ذيل المحافظين، ليس خلف الاتحاد الديمقراطي المسيحي فحسب، بل والخضر أيضا. لكن الوضع لم يتطلب أكثر من ثلاثة أشهر فقط لتنقلب الموازين وتفارق اللعنة التي لازمت هذا الحزب منذ العام 2000 وجعلته طيلة عقود في أواخر نتائج استطلاعات الرأي.

ومن المفارقات في هذا السياق أن يجسد أولاف شولتز، وزير المالية الحالي ونائب المستشارة أنجيلا ميركل وأحد الكوادر الأقل تقديرا تاريخيا من قبل قاعدة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذا الانتعاش الانتخابي الجديد لحزبه اليساري. لهذا سارع مراقبون لاعتبار ذلك مجرد حسن حظ بحت إضافة إلى الأخطاء الفادحة التي ارتكبها خصومه السياسيون.

فقد ارتكب منافسه ومرشح الحزب الديمقراطي المسيحي آرمين لاشيت خطأ إعلاميا فادحا خلال الفيضانات الكارثية التي شهدتها ألمانيا في منتصف شهر يوليو/تموز عندما نشر صورة له في عين المكان بدا فيها بمظهر المرح ما أثار موجة انتقادات ضده. أما بالنسبة لبطلة الخضر، أنالينا بربوك، فقد تعثرت في مسألة سيرة ذاتية مفبركة وسرقة أدبية في تأليف كتابها الأخير.

إذن هل أصبح أولاف شولتز الأوفر حظا في سياق حتمي؟ كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك بشأن مرشح تتفق كل وسائل الإعلام الأنغلو ساكسونية تقريبا على وصفه بـ”أكثر سياسي ممل في العالم”. ويواجه حضور وكاريزما شولتز أيضا نوعا آخر من الانتقادات، إذ يطلق عليه منذ فترة طويلة لقب “شولزومات”، وهي اختصار بين اسمه وكلمة “آلي”، بسبب هوسه في الرد مثل الروبوت على الأسئلة. “إنه السياسي النموذجي الذي يفكر جيدا، لكنه يتواصل بشكل ضعيف”، هكذا تلخص مجلة دير شبيغل الأسبوعية.

من جانبه يبدو أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد اختار أولاف شولتز على مضض، فقد طمح وزير المالية الحالي في رئاسة الحزب أواخر 2019 لكن قواعده فضلت ممثلين آخرين من الجناح اليساري معتبرة إياه، وكما انتقده دائما نشطاء اليسار: كونه يمينيا جدا.

ويُطلق على أولاف شولتز أيضا لقب “ميركل” على شبكات التواصل الاجتماعي، كما تسمي بعض وسائل الإعلام الآن هذا الستيني “فاتي” (“أبي”) ، في إشارة إلى “موتي” (“أمي”) ، اللقب الشهير لأنجيلا ميركل.

رجل الصعود السياسي

واستغل شولتز منصبه كوزير للمالية في حكومة أنجيلا ميركل ليظهر كزعيم سياسي قادر على مواجهة الأزمات. بهذه الطريقة أصبح نائب المستشار رجل “مهما كان الثمن” بالنسبة للألمان في تعامله مع جائحة فيروس كورنا. كما تعهد بالإنفاق ببذخ لتعويض ضحايا فيضانات يوليو/تموز.

شولتز المصنف اليوم على أنه يميني اشتراكي ديمقراطي حثه حزبه على الاستقالة في نهاية عام 2004. وكتبت صحيفة شبيغل في عام 2007: “لقد كان أول ضحية سياسية لإصلاحات غيرهارد شرودر”. سجل ذاك العام عودة شولتز عندما أصبح آنذاك وزيرا للعمل في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة أنجيلا ميركل. إذ سعى، دون جدوى، لاستعادة صورته الاجتماعية الديمقراطية من خلال انتقاد السياسات المنتهجة من المستشارة ميركل في هذا المجال، والنضال من أجل مراجعة الحد الأدنى للأجور.

في عام 2011، فاز أخيرا بمنصب عمدة هامبورغ واعتنى بالسياسة المحلية حتى استدعته أنجيلا ميركل ليصبح وزيرا للمالية ونائبا للمستشار في عام 2018. في هذا المنصب، لم ينجُ من مقارنته بسابقه وولفغانغ شوبل، الذي اشتهر بأنه حارس معبد أرثوذكسية الميزانية الأوروبية. لكن أولاف شولتز قرر أن ينفرد بهذه العقيدة، ما أثار استياء شركاء ألمانيا الأوروبيين الذين سرعان ما أطلقوا عليه اسم “وولفجانج شولز”.

هذا ما أقنع الجناح اليساري للحزب الاشتراكي الديمقراطي أنه من غير الوارد تسليم مفاتيح الحزب لهذا “الخائن الاجتماعي” في عام 2019 أي قبل عام ونصف من ترشيحه لمنصب المستشار. يبدو الأمر متناقضا، ولكن في غضون ذلك، لم يتمكن أولاف شولتز من مواجهة التحديات الاقتصادية المرتبطة بالأزمة الصحية فحسب، بل “اهتم أيضا بتواصله وبدا أكثر صداقة وانفتاحا”، كما أكدت دويتشه فيله.

كما أنه سمح لأن تطفو على السطح الإعلامي “زلات” شبابه عندما كان جزءا من الشباب الاشتراكي، فكان آنذاك أحد أشد المنتقدين للأمين العام لهذه الحركة، ويلي بيكيك، عندما اعتبر “أنه لم يكن مناهضا للرأسمالية بما فيه الكفاية”، حسب صحيفة الأعمال اليومية هاندلسبلات.

تبدو وكأنها محاولة لتصحيح صورته كاشتراكي ديمقراطي “زائف”؟ لا يبدو أن ذلك كافٍ، خاصة إذا برز الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مساء 26 سبتمبر/أيلول، بالفعل في الصدارة واضطر إلى التحالف مع حزب اليسار الراديكالي دي لينك لتشكيل ائتلاف حكومي. هذا السيناريو، الذي تمت مناقشته بجدية في وسائل الإعلام الألمانية  لن يسعد أولاف شولتز الذي أعلن رسميا أنه يفضل الحكم مع الخضر، بدون دي لينك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *