أثر الإضراب.. مرهق من المعركة ومصر على الصمود.. عـلاء لم يهزم بعد

أسرة علاء: بدا منهكا وهزيلا في زيارتنا له في 17 نوفمبر.. ولم نستطع رؤيته وسماع صوته سوى من خلال سماعات أذن خلف حاجز زجاجي

الأسرة: سلطات “وادي النطرون” استدعت ضابطا في زي مدني وقوات مكافحة شغب لترهيب علاء ونقله عنوة من المركز الطبي لزنزانته بعد رفضه إجراء الفحص دون تسجيل إضرابه

علاء أصيب بانهيار شديد وضرب رأسه في الحائط.. وسلطات السجن قيدته ووضعته تحت “مراقبة الانتحار”.. إضرابه انتهى بعد التعامل معه طبيا إثر تعرضه للإغماء أثناء استحمامه

لم نتلق حتى الآن تأكيدات بالإفراج عن علاء.. ونتمنى أن تفتح حملة التضامن العالمية وجهود دعمه بابا من الأمل ينتهي بخروجه

كتب- محمود هاشم

لم يكن الشهر الحالي يسيرا على المدون والناشط السياسي علاء عبدالفتاح، وعلى أسرته، ففيه بدأ إضرابه الكامل عن الطعام والشراب، وفيه أجبر على إنهائه، وفيه يحتفل بعيد ميلاده الواحد والأربعين اليوم الجمعة 18 نوفمبر 2022، مرة أخرى خلف أسوار السجن، الدقائق كانت تمر كعمر كامل، كل ثانية تحمل الكثير من القلق والترقب والأمل الذي لا ينقطع، وبينما يواصل علاء المعاناة والصمود دفاعا عن حقه في حريته الذي تأخر سنوات، لا تدخر الأسرة جهدا في الداخل والخارج وأمام أبواب سجن النطرون، سعيا لإنهاء هذه المأساة للأبد. 

يبدو أن الهدف النهائي لإطلاق سراح علاء بعيد المنال، بينما تصر السلطات على تجاهل مطالب خروجه، على الرغم من حجم الزخم العالمي الكبير الذي حظيت به قضيته، لاسيما من معظم المشاركين على هامش انعقاد قمة المناخ في شرم الشيخ، جذب المؤتمر الصحفي الذي عقدته شقيقته الصغرى سناء سيف، اهتماما إعلاميا غير مسبوق، وكان الأكثر حضورا ضمن فاعليات قمة المناخ، إلا أن استمرار معاناته الصحية والنفسية ما يزال يثير الكثير من القلق، في الوقت الذي تتخوف الأسرة من معاودته الإضراب، بينما لا يعينه جسده على الوقوف على قدميه. 

ظهر الخميس، السابع عشر من نوفمبر 2022، تمكنت أسرة علاء أخيرة من زيارته في كابينة الزيارة في سجن وادي النطرون، للمرة الأولى منذ 24 أكتوبر الماضي، بعد أسابيع من المحاولة، بينما بدا منهكا وضعيفا وهزيلا، يفصل بينهم حاجز زجاجي، مع سماعة رأس رديئة الصوت بالكاد يستطيعوا من خلالها سماع بعضهم البعض، ويتحدث عبرها أفراد العائلة معه واحدا تلو الآخر، لم تكن لديهم أي فكرة عما كان يعانيه داخل محبسه، ولم يكن لديه تصور عما يجري في خارجه. 

في مساء اليوم ذاته، وداخل منزل أحد أفراد العائلة بمحافظة الجيزة، تحيطه الحواجز الأمنية والكثير من أفراد الشرطة، قررت أسرة علاء الإفصاح عن أوضاع علاء، في مؤتمر صحفي مصغر، وبينما كانت في انتظار لقائه للاطمئنان أنه على قيد الحياة، عبرت عن تزايد مخاوفها بعد اللقاء. 

جلست سناء سيف، بجوار خالتها الروائية والكاتبة أهداف سويف، بينما يقرأن بيان الأسرة بشأن علاء، بينما تبدو عليهما آثار الإنهاك والقلق، موضحتين أنه كان على وشك الموت بعد تعرضه للإغماء، عندما دفعته سلطات سجن وادي النطرون على إنهاء إضرابه. 

في يوم السادس من نوفمبر – تزامنا مع انطلاق قمة المناخ في شرم الشيخ – بدأ علاء التوقف عن شرب المياه، وقد كان في السابق يستهلك 100 سعر حراري فقط لمدة 6 أشهر من إضرابه عن الطعام، فقط لإبقائه على قيد الحياة.  

وفي يوم الثلاثاء 8 نوفمبر خضع جميع النزلاء في السجن إلى المركز الطبي بدعوى إجراء فحص روتيني، إلا أن علاء رفض الخضوع للفحص، مصرا على تحرير محضر بإضرابه عن الطعام والشراب وإيداعه المركز الطبي قبل الخضوع لأي كشف، وبدلا من ذلك، أحضروا ضابطا في ثياب مدنية لترهيبه، لكنه رفض مغادرة المركز الطبي، فتم استدعاء فرقة مكافحة الشغب لإخراجه وإعادته إلى زنزانته قسرا، ما دفعه إلى التهديد بإنهاء حياته.  

حينما تم وضع علاء في زنزانته، أصيب بانهيار شديد وبدأ بضرب رأسه في الحائط أكثر من مرة، في اليوم التالي الأربعاء 9 نوفمبر، مجددا المطالبة بتوثيق إضرابه وفتح تحقيق رسمي فيما يتعرض له من انتهاكات داخل محبسه، قبل أن يلجأ أمن السجن إلى تقييده وربطه، وتم وضعه تحت “مراقبة الانتحار”.  

وفي يوم الخميس، 10 نوفمبر، حضر ممثل للنيابة العامة لمقابلته وتسجيل مطالب وأسباب إضرابه، حيث تحدث علاء عن معاناة أسرته من أجل لقائه وإرسال أو استقبال خطابات منه، ومنع محاميه – خالد علي – من مقابلته على الرغم من حصوله على تصريح رسمي من النيابة، فضلا عن الانتهاكات الأخرى التي يتعرض لها داخل محبسه.  

تحدث علاء أمام وكيل النيابة عن تجربته السابقة في سجن طرة شديد الحراسة 2، وعن تأثير غياب الأمل في إنهاء معاناته مع السجن والخروج إلى الحياة، وتأثير البقاء من دون موسيقى أو كتب أو التريض خارج زنزانته لمدة ثلاث سنوات. 

في اليوم نفسه، لم يسمح لوالدته الدكتورة ليلى سويف، بالانتظار عند بوابة السجن، ورفضت سلطات السجن استلام رسالتها إلى علاء، كما مُنع محاميه – خالج علي – من دخول السجن رغم حصوله على تصريح من النيابة. 

أشارت الأسرة إلى أنه في يوم الجمعة 11 نوفمبر، تعرض علاء للإغماء في أثناء استحمامه، حيث استلقى على الأرض لفترة من الوقت فاقدا تركيزه بينما كان يحاول طلب المساعدة، فتم التعامل مع طبيا بإعطائه كانيولا (إبرة تحتوي على محاليل) تضم محلول رينجر ومحلول جلوكوز لمحاولة إنعاشه، في تجربة أقرب إلى الموت، وهكذا كسر إضرابه عن الطعام.  

تمكنت الأسرة من رؤيته أخيرا، اليوم الخميس 17 نوفمبر 2022، حيث بدا منهكا وواهنا بشكل واضح، بينما يحاول استجماع قواه، تحكي سناء أن اللقاء على الرغم من حدوثه خلف حاجز زجاجي، إلا أنه كان يعني الكثير للأسرة، التي كاد يميتها القلق على حياته. 

وتكمل: “لم نستطع حتى لمس يديه بسبب الحاجز الزجاجي، بينما كان يخبرني برغبته في الدخول في إضراب جديد عن الطعام، إلا أنني نصحته بالتريث والحصول على قدر من الراحة لجسده المنهك بالفعل، لسنا قلقون على وضعه الصحي بقدر قلقنا على وضعه النفسي الذي يزداد سوءا يوما بعد الآخر داخل محبسه”. 

على الرغم من ذلك، حملت هذه الدقائق القليلة الكثير من اللحظات المؤثرة، والدموع المختلطة بالأمل في فرحة مرتقبة بخروجه، إلا أن كل ذلك لم يخفف من ألم لحظة الفراق مجددا، على أمل بلقاء قريب خلف أسوار السجن المعتمة. 

“سيتطلب الأمر الكثير من الوقت أمام علاء لمحاولة استيعاب كل ما يجري، خاصة مع استغلال سلطات السجن انعزاله عن العالم وعدم اطلاعه على حجم الدعم الذي يتلقاه في الخارج، لم تختلف أوضاعه عما قبل، سوى أنه تم السماح له بدخولجهاز استماع للأغاني mp3″، تقول سناء لـ”درب” على هامش المؤتمر الصحفي للأسرة. 

وتضيف: “لم نتلق حتى الآن أي تأكيدات بالإفراج عن علاء، لكننا نتمنى أن تفتح جهود المطالبة بخروجه بابا من الأمل ينتهي بخروجه، وانتهاء هذا الكابوس للأبد، لكن تخوفنا الأكبر هو استمرار دائرة العند معه دون طائل”.  

وتواصل سناء: “لا أعلم ما إذا كان حجم الدعم الذي تلقاه علاء في الفترة الأخيرة سيساعد في نيله حريته، لكنني على يقين أن هذا التضامن الواسع الذي حظينا به أظهر ما نعانيه كأسر سجناء في مصر، ونأمل أن يعني هذا الأمر شيئا للسلطات لمراجعة موقفها بشأنهم”. 

تجلس والدة علاء، الدكتورة ليلى سويف، في أحد جوانب المنزل، بينما يجري المؤتمر الصحفي، تبدو محاولة التماسك قدر ما تستطيع، بينما تتحدث عن أملها في وجود صوت عاقل ينهي مأساة علاء والأسرة، التي دامت لسنوات. 

في الوقت ذاته، عبرت خالة علاء الروائية والكاتبة أهداف سويف عن أملها في أن يؤدي زخم الاهتمام العالمي بقضية علا1ء، والدعم الكبير الذي يتلقاه من عشرات الآلاف من الداعمين حول العالم، إلى إطلاق سراحه قريب، محذرة من احتمال معاودته الإضراب حال عدم حدوث أي تطور في أوضاعه، وتابعت: “علاء لم يكن على علم بحجم الدعم الذي يتلقاه من خارج محبسه”. 

لا يعلم قدر المعاناة من تجربة الاقتراب من الموت سوى ما عاشها، يبدو علاء منهكا من المعركة بينما يطفيء شمعته الواحدة والأربعين، إلا أنه في الوقت ذاته ما يزال مصرا على الصمود والتمسك بالأمل في غد مختلف، يرونه بعيدا ونراه قريبا. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *