قصواء الخلالي تروي كواليس إعلان داوود عبد السيد الاعتزال: حدثناه عن المقابل المادي فقال «تاريخي ليس للبيع».. وهذه حقيقة توقيت الظهور
قصواء: بنهاية نوفمبر ووافق على الظهور طالبًا ترتيب إطلالته بتسجيل الحلقات وليس الظهور المباشر على الهواء وأبلغنا رغبته إعلان اعتزاله
الإعلامية: كان من الممكن أن يبيع خبر اعتزاله لمن يدفع سعرًا أعلى ثم يحضر لبرنامجي إلا أنه كما كان مبدعًا زاهدًا مترفعًا في فنه
حضر للتصوير رقيقًا مهذبًا لطيفًا مع كل من قابله وتحمّل الجلوس على مقعد طوال ساعات التصوير ولم يطلب أي شىء عدا مشروب ساخن
سمح لنا أن نرسل الكاميرا تتطفل على استحياء إلى منزله..وبعد إصرار وافق في خجل أن نقوم جميعًا بإيصاله إلى باب القناة وودعنا مبتسمًا
كتبت: ليلى فريد
روت الإعلامية قصواء الخلالي، كواليس ظهور المخرج الكبير داوود عبد السيد في برنامجها (المساء مع قصواء)، وإعلانه اعتزال الإخراج.
وقال قصواء في مقال بـ(المصري اليوم): “حين تواصلنا معه منذ سنوات دون سابق معرفة شخصية وطلبت ظهوره أكثر من مرة كان يقول: إنه لن يظهر إلا في برنامج يحمل فكرًا ورؤيةً.. وبعد فترة أكد لنا أن اختياره في هذا سيكون برنامجي، معللًا هذا بأنه سيكون إيمانًا منه بأهمية المعول الثقافي والفكري الذي أتشبث به منذ سنوات”.
وتابعت في مقالها الذي حمل عنوان (أسرار من لقاء «داوود عبدالسيد».. وحقيقة التوقيت الذى انشغلوا به!!): كان الأستاذ يتابع الحلقات جيدًا، ويُعلِق لنا عليها أحيانًا، وحين نُذَكّره برغبتنا في استضافته، كان يقول: صدقونى سأظهر، وأعدكم بذلك، ولكن حين يكون لدى ما أرغب في أن أقوله، فحالتى الصحية ليست جيدة، ثم يشرح لنا متاعبه بكل صراحة وبساطة ومودة، ليؤكد في الأخير أن ظهوره لن يكون في غير برنامج «قصواء»، كما يصفه، واستمر الحال لفترات طويلة، ولم نقابله وجهًا لوجه أبدًا، لكننا بقينا نحدثه تليفونيًا كفريق إعداد أنا وزملائى المجتهدين، في قضايا أو فلسفة فنية أو ندعوه للظهور فيجدد اعتذاره، ثم كان أن قام بمداخلة هاتفية معى على الهواء في نفس البرنامج، ناعيًا رحيل المبدع الكبير وحيد حامد”.
وأضافت قصواء: “بعد انتظار طويل، وبنهاية نوفمبر المنصرم، وافق المخرج القدير على الظهور في برنامجى، طالبًا منا ترتيب إطلالته بتسجيل الحلقات وليس الظهور المباشر على الهواء، واختار يوم وساعة التسجيل، وأبلغنا رغبته «إعلان اعتزاله» لأول مرة، بعد تفكيره لسنوات، ونسق معنا الأمر لأسابيع، حتى جاء زاهيًا متأنقًا كالقمر الأثير”.
وقالت الإعلامية: الملاحظة المهمة والتى يجب تقديرها أيضًا، أن داوود عبدالسيد اختار الظهور معى وهو يعلم تمامًا أن هذا البرنامج بحكم طبيعته الإنتاجية والفكرية لا يندرج تحت بند البرامج الترفيهية والخفيفة الجاذبة للإعلانات التجارية، فهو برنامج «توثيقى تثقيفى تنموى» لا يتبع سياسات إعلانية، وإنما يدخل ضمن بوتقةٍ مدعومةٍ كبيرةٍ متنوعة، حفاظًا على الأمن القومى الثقافى والفكرى، وبالتالى لا يقدم مقابلًا ماليًا، مثل فئات برامجية أخرى يدركها العاملون في حقل الإعلام، وكان هذا قناعتى الراسخة أيضًا ضمانًا لجودة المنتج.
وتابعت: حين حدثنا الأستاذ في هذا؛ لم يكترث، معلقًا أن تاريخه ليس للبيع، وأنه يوافق على الظهور وإعلان اعتزاله في برنامجى، لأنه تابع ودرس الأمر جيدًا ويرى أن هذا هو المنبر الإعلامى والفكرى الذي يناسبه لإعلان ختامه لمسيرته الفنية العظيمة، ويتسق مع تنوع وجدية اهتماماته الإنسانية والفكرية والثقافية، وبالتالى سيكون المنبر المناسب لإعلان اعتزاله رسميًا دون أي اعتبارات أخرى، ورغم أن هذا الخبر يُقدّر بملايين الجنيهات إعلاميًا وتسويقيًا وهو أستاذ الأساتذة، ويعلم هذا الأمر جيدًا، وكان من الممكن أن يبيع خبر اعتزاله لمن يدفع سعرًا أعلى من البرامج الإعلانية أو غيرها من الممولين خارج مصر وداخلها، وهذا أمر منتشر مؤخرًا، ثم يحضر بعدها لبرنامجى ضيفًا كريمًا بعد ذلك ليجرى الحوار الفكرى الذي يلائمه بعد أن يكون قد حصل على مقابل مجزٍ.. إلا أن «داوود عبدالسيد» كما كان مبدعًا زاهدًا مترفعًا في فنه؛ ينتظر لسنوات حتى يقدم ما يؤمن به فقط.
وأضافت أن داود آثر أن يختتم مسيرته الفنية بإعلانه اعتزاله نهائيًا وهو على حاله الدائم من الترفع وتقدير القيمة، مُؤْثِرًا أن يخرج بحديثه وأفكاره وإعلانه بعد صمت طويل في «توك شو ثقافى» متحدثًا فيه عما يشاء، ساردًا ما يريد، معلنًا اعتزاله ببساطة بعد سؤالى في الختام، وحوار فكرى فنى فلسفى مطول على مدار حلقتين اقتربت مدة إذاعة الحلقة الواحدة من ساعتين من الحديث والمادة الموثِقة لفلسفته ورؤيته، ظل فيهما متحملًا طول الحديث وتنوع الموضوعات والإرهاق
وقالت قصواء الخلالي: “كان حضور داوود عبدالسيد أثناء تصوير البرنامج رقيقًا مهذبًا لطيفًا مع كل من قابله، كبيرًا أو صغيرًا، يبتسم لنا وقد التقطنا معه صورًا تحمل فرحة الأطفال، وغالبتنا دموع «نوستالجيا» الحنين إلى أعماله وزمن فنى طيب ذكى ورائحته الدافئة وإبداعه الواقعى الحالم؛ الذي يُغزَلُ ببراعة عجيبة وامتزاج أحادى فريد، وكأنه يُقَدِّر عميقًا كل ما نحمل في قلوبنا وتلمع به أعيننا من محبةٍ وتقديرٍ وامتنان لما منحنا خلال مسيرته، ولحضوره الكريم، بل سمح لنا للمرة الأولى في تاريخه بأن نرسل الكاميرا تتطفل على استحياء إلى منزله، وأن نلتقط صورًا من أدراجه ونفحص قراءاته، ونتحدث عنه مع زوجته الذكية المهذبة الواعية الأستاذة «كريمة كمال»، والتى ظهرت وكأنها حبيبة وبهجة وصديقة «داوود عبدالسيد»، متحدثةً عنه بفخر وتقديرٍ وحُبٍ ينبع من وعى وثقة.. بل حين سألناه عن مواد مصورة خاصة لإضافتها إلى توثيق مسيرته في الحلقتين، ساعدنا متواضعًا مهذبًا بكل مودة، وحتى وقت الإذاعة التلفزيونية تواصل معنا؛ ممتنًا ومحبًا ومعلنًا ارتياحًا وسعادة لتقديم أعماله وآرائه معنا كما يحب أن تظهر”.
وأكدت أن “المخرج الكبير حضر إلى مدينة الإنتاج الإعلامى للتصوير في استوديو البرنامج، رغم حالته الصحية غير المريحة، التي تحدث عنها في تصريحات بعد ذلك، وحضر رغم سنوات عمره التي تجاوزت خمسة وسبعين، وتحمّل الجلوس على مقعد طوال ساعات التصوير، وبرودة استوديو البرنامج دون أي امتعاض، بل بأحاديث وضحكات وابتسامات ودودة في الفواصل والاستراحات، ولم يطلب أي شىء، عدا كوب من مشروب ساخن يتجاوز به هذا الطقس المزعج؛ كنا نحن من أصر على تقديمه بعد أن رفض كل شىء آخر”.
وتابعت: “بعد إصرار شديد مني، وافق في خجل عظيم على أن نقوم جميعًا بإيصاله إلى باب القناة، وودعنا مبتسمًا، مبتسمًا.. ومنتصرًا، منتصرًا لنا ومنتصرًا بنا”.
ووجهت قصواء حديثها للمخرج الكبير قائلة: “لقد كان رهانك الدائم على القيمة.. ولقد ربحت رهانك في كل خطوة وزمان، ووجب الشكر لكيانك، مهما جَدّ أو كان، شكرًا «داوود عبدالسيد» بعيدًا عن كل تنظير أو امتطاء للحدث، أو اصطياد في رواسبه، أو عدم وعى حقيقى بأهميتك أو أهميته، أو إجحاف بحقك، أو تسطيح لعمق وأبعاد رؤيتك.. فهذا كله لا ولم يمثل قطرة في محيط، ويكفى أنك حين قررت أن تتحدث بعد سنوات من الصمت، كان ظهورك الصادق مؤثرًا على كل ذى وعى”.