حكم نهائي.. الإدارية العليا: بدل التكنولوجيا حق للصحفيين وليس منحة.. وقيمته لا تكفي لتغطية نفقات المهنة ونناشد المشرع إعادة تقدير قيمته
المحكمة: البدل صار لصيقا بالحياة المهنية للصحفى لا ينفك عنه بحال.. ودون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف
كتبت: ليلى فريد
قضت المحكمة الإدارية العليا برفض طعن الحكومة واعتباره كأن لم يكن، وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بأحقية صحفي عضو بنقابة الصحفيين «جدول المشتغلين»، في صرف بدل التدريب والتكنولوجيا، باعتباره مقيدًا بجداول النقابة وصرف الفروق المالية له، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الجهة الإدارية باتخاذ إجراءات منح ذلك البدل لجميع الصحفيين المقيدين بجدول النقابة أياً كانت الصحيفة التي يعملون بها قومية أو مستقلة أو حزبية أو وكالات أنباء وسواء كانت مطبوعة أو رقمية.
وقالت محكمة القضاء الإدارى إن علة بدل التكنولوجيا إتاحة الفرصة للصحفيين للاستعانة بأدوات العصر لمواجهة تحديات تطور فنون صناعة الصحافة، وأن بدل التكنولوجيا حق لصيق للحياة المهنية للصحفي وبدونه لا تستطيع الصحافة وضع الحقائق أمام أعين الشعب وتبصيره بما يجري حوله من إنجازات، والمحكمة تناشد المشرع تقنين بدل التكنولوجيا للصحفيين بعد أن صار لصيقا بالحياة المهنية لا ينفك عن الصحفى وإعادة تقدير قيمته، كما أن التسلح التكنولوجي يكفل للصحافة المصرية أن تكون عابرة للحدود والقارات وقادرة على مخاطبة الرأي العام العالمى، وبناء شخصية الصحفي الموسوعي في عالم التخصص القاعدة الصلبة لبناء الحصن المنيع للدفاع عن حقوق المجتمع، وبدون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف لا تظهر قدراته الحقيقية وإسهاماته المهنية، وأن الصحافة المصرية أثرت الحركة الوطنية وأرست حجر الأساس في البناء الديمقراطي، وأن رواد القلم قدموا تضحيات رائعة والصحافة هي الضمير العام للأمة.
وأضافت المحكمة أن مقطع النزاع يكمن في مدى استحقاق المدعى وعموم الصحفيين، بناء على طلب نقيب الصحفيين، المقيدين بجدول نقابة الصحفيين في صرف بدل التدريب والتكنولوجيا حال عدم وجود نص في القانون أو اللائحة ينص على تنظيمه وتقريره، وعلى الرغم من أن الدولة تصرف ذلك البدل بالفعل منذ أكثر من ٢٠ عاما، وبغض النظر عن الصحيفة التي يعمل بها سواء كانت قومية أو مستقلة أو حزبية أو وكالات أنباء، وسواء كانت ورقية أو إلكترونية، وقد استبان للمحكمة أنه لا يوجد قانون صادر من السلطة التشريعية أو لائحة صادرة من السلطة التنفيذية تنظم تقرير منح بدل التدريب والتكنولوجيا لعموم الصحفيين، فإن القضاء الإدارى يبسط ولايته المعقودة له بحكم الدستور والقانون ليضع تصرف الإدارة المدعى عليها في ميزان المشروعية في ضوء ما قررته نقابة الصحفيين والمدعى من أن الدولة تصرف ذلك البدل منذ أكثر من عشرين عامًا.
وتابعت المحكمة أن العرف الإدارى مصدر من مصادر القانون الإدارى، وهو جملة القواعد التنظيمية الإدارية التي تحترمها وتلتزم بها الجهات الإدارية في أداء مسؤولياتها وواجباتها والتى لا تتعارض مع أي قاعدة قانونية مكتوبة أو مع النظام العام، ومن ثم فإن العرف الإداري هو القانون الإداري غير المكتوب وقواعده تنبعث من واقع الحياة وتبرز من خلال الممارسة الإدارية وتفاعلها في ظروف الواقع وتُكتسب بتكرار التعامل بمقتضاها ومداومة تطبيقها على نحو تَكتسب معه بمضي الزمن منزلة في ضمير رجال الإدارة واعتقادهم، وفى ذهن القائمين على مسار العمل الإداري ترتفع إلى قيمة القواعد القانونية بما يستوجب الالتزام بها كقاعدة قانونية.
وأشارت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن المدعى عضو بجدول نقابة الصحفيين ومقيد بالتأمينات الاجتماعية.
وواصلت: “كما أن الثابت أن نقابة الصحفيين قررت أن الحكومة ممثلة في وزير المالية قد اعتادت على صرف بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين منذ أكثر من عشرين عاماً بصورة منتظمة، والغاية من ذلك معايشة واقع الحياة الصحفية التي يعيشها الصحفيون في سبيل أداء رسالتهم النبيلة وتفاعلاً منها مع ظروف الواقع الصحفي وما يحتاجه الصحفي من أدوات مهنية للتدريب واستخدام التقنيات الحديثة في وسائل التكنولوجيا والاتصال في العمل الصحفي, ومن ثم فإن تكرار صرف ذلك البدل سنوات طويلة ومداومة تطبيقه على نحو اكتسب معه بمضي الزمن منزلة ملزمة في ضمير رجال الإدارة وفى اعتقادهم وذهن القائمين على مسار العمل الإداري فإنه بذلك يرتفع إلى قيمة القواعد القانونية بما يستوجب الالتزام بها كقاعدة قانونية إدارية وعرفاً إدارياً من القواعد الراسخة للقانون الإداري، ومن ثم فلا يجوز للجهة الإدارية تعطيل صرف ذلك البدل للصحفيين المقيدين بجدول النقابة ومنهم المدعى، وهو ما يدعو المحكمة إلى مناشدة المشرع لتقنين صرف ذلك البدل للصحفيين بعد أن صار لصيقا بالحياة المهنية للصحفى لا ينفك عنه بحال”.
وقالت المحكمة إن قيمة البدل كما هو ثابت بالأوراق لا يكفي لتغطية نفقات المهنة في ضوء مواجهة مستحدثات التكنولوجيا وما يتكبده الصحفي من نفقات ومصروفات في سبيل تزوده بأحدث وسائل التكنولوجيا في علم الصحافة ولا يتناسب بذلك مع كرامة الصحفي المهنية، مما يستنهض عدل المحكمة في مناشدة المشرع تقنين البدل وإعادة تقدير قيمته عند تقنينه حتى يكون ذلك معبراً عن حقيقة العصر وما يلازمه ما تكاليف مستحدثات وسائل التكنولوجيا التي أضحت حقيقة متطلبة في جميع مراحل أدوات العمل الصحفي، سيما وأن الصحفيين يتعرضون أثناء ممارستهم المهنة لمخاطر جسيمة قد تودى بحياتهم نتيجة البحث عن الحقيقة، ومن ثم فإن تقرير ذلك البدل أضحى حقاً لصيقاً لمهنة الصحافة وليس منحة من جهة الإدارة إن شاءت منحتها تارة، وإن رغبت منعتها تارة أخرى مما يتوجب تقنينه بعد أن صار من مستلزمات المهنة فلا يجب التقطير في الأرزاق على الصحفيين بل يتعين الحيلولة دون وقوفهم موقف المستجدى من طلب ذلك البدل.
وذكرت المحكمة أنه لا يفوتها أن تشير إلى أن الصحافة المصرية هي مهنة البحث عن الهموم والمتاعب وليس البحث عن المغانم والمكاسب وأن مصر أول من أدخل الصحافة إلى المنطقة العربية التي شاركت بتاريخها المجيد في إثراء الحركة الوطنية وإرساء حجر الأساس في البناء الديمقراطي وأن رواد القلم قدموا تضحيات رائعة على رأسهم عبدالله النديم وتوالى نضال أجيال الصحفيين دفاعاً عن الحريات المهنية والعامة باعتبار أن حرية الصحافة الركن الركين في الضمير العام للأمة، وبدون وسائل التكنولوجيا تتكبل حركة الصحفي ويتحول إلى مجرد موظف لا تظهر قدراته الحقيقية وإسهاماته المهنية ومثل تلك الأمور تضع المهنة في مأزق تفقد فيها مصر ريادتها أمام التقدم والتطور التكنولوجي التي تميزت به الصحافة الحديثة، وهو ما يتوجب معه صرف ذلك البدل وعدم التفرقة بين أعضاء المهنة الواحدة رغم تماثلهم في مراكزهم القانونية بالقيد في جدول نقابة الصحفيين.