حجب موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.. والمركز: إجراء انتقامي لن يُثنينا عن تسليط الضوء على حجم أزمة حقوق الإنسان بمصر
المركز: الحجب جاء بعد ساعات من نشر تقرير مشترك عن أزمة حقوق الإنسان المستمرة
استراتيجية الحكومة لقمع المعارضة مستمرة في ظل غياب الإرادة السياسية لوقف هذا القمع
كتبت: ليلى فريد
أعلن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حجب الموقع الخاص للمنظمة، بعد تقديمه التقرير المشترك «أزمة متعمدة» للأمم المتحدة، ووصف المركز الخطوة بأنها “إجراء انتقامي”.
وقال المركز في بيان، الأربعاء: “في 25 يناير 2023، وبعد ساعات من نشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تقرير (أزمة متعمدة) المشترك، والمقدم للأمم المتحدة حول الوضع الحقوقي في مصر خلال السنوات الثلاثة الماضية، تعرض الموقع الإلكتروني للمركز لهجمة قرصنة إلكترونية بغرض إفساد ذاكرة التخزين (تقنية تسميم DNS)، حالت دون وصول المستخدمين في مصر للموقع لعدة أيام”.
وتابع البيان: “بعدما نجح المختصون في تجاوز تبعات هذه الهجمة الإلكترونية على نحو يضمن الوصول للموقع في مصر؛ فوجئ المركز أن السلطات المصرية حجبت الموقع تمامًا، كإجراء انتقامي جاء بعد تعاون المركز مع الأمم المتحدة وتقديمه هذا التقرير لمجلس حقوق الإنسان حسب إجراءات آلية الاستعراض الدوري الشامل الأممية”.
وأضاف: “حجب موقع المركز في مصر لا يعد الإجراء الانتقامي الأول الذي تتخذه السلطات المصرية عقابًا على تعاون المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان المصريين مع الآليات الدولية والأممية لحقوق الإنسان”.
وذكر البيان أنه في أغسطس 2020، حُكم على مدير مركز القاهرة بهي الدين حسن غيابيًا بالسجن 15 عامًا لمشاركته على موقع “تويتر” مقتطفات من كلمته في إحدى فعاليات الأمم المتحدة، وفي سبتمبر 2017 اختفى المدافع عن حقوق الإنسان إبراهيم متولي وتم احتجازه، قبيل سفره لجنيف للمشاركة في اجتماع مع فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري، ومنذ ذلك الحين يستمر احتجاز متولي التعسفي.
وقال البيان: “حجب السلطات المصرية لموقع مركز القاهرة بعد ساعات من نشر هذا التقرير المشترك، يؤكد ما خلصت إليه المنظمات في استنتاجاته بشأن التقاعس عن اتخاذ خطوات جادة لمعالجة أزمة حقوق الإنسان المستمرة في مصر، ويبرهن على أن الإصلاحات المزعومة الجارية هي مجرد إجراءات شكلية تجميلية، بينما تستمر استراتيجية الحكومة للقمع المنهجي للمعارضة السلمية، في ظل غياب الإرادة السياسية لوقف هذا القمع”.
وتابع: “على غرار (استراتيجية التبييض) التي اتبعها السلطات بشأن المحتجزين أثناء قمة المناخ COP27، إذ أعلنت الإفراج عن عدد ضئيل من السجناء السياسيين بينما اعتقلت أضعافهم؛ رفعت الحكومة المصرية أثناء المؤتمر الحجب عن عدد محدود من المواقع الإعلامية والحقوقية (مثل موقع هيومان رايتس وتش وموقع مدى مصر)، بينما بقيت مئات المواقع الأخرى محجوبة في مصر”.
وأضاف: “بمجرد انتهاء المؤتمر تجدد حجب بعض هذه المواقع وانضم إليها مواقع جديدة، آخرها موقع مركز القاهرة، كجزء من حملة تشديد الرقابة وإحكام السيطرة على الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك من خلال التشريعات التي تجرم حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي وتستهدف بشكل متزايد صناع المحتوى الرقمي”.
واختتم البيان: “حجب السلطات لموقع مركز القاهرة في مصر لن يثنيه عن مواصلة عمله على تسليط الضوء على حجم وطبيعة أزمة حقوق الإنسان التي تشهدها البلاد، كما يلتزم المركز بضمان أن يظل عمله متاحًا للجميع على رابط موقعه المعتاد cihrs.org، ولمتابعيه في مصر على امتداد cihrs.net”.
كان عدد من الصحفيين طالبوا خلال لقاء سابق مع رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب، في مارس 2022، بضرورة التدخل لحل أزمة حجب المواقع الإعلامية والصحفية المستقلة، فضلا عن عدد من المواقع الأخرى، في الوقت ذاته تواصلت النداءات الصحفية والحقوقية والسياسية للمطالبة بإعادة الدخول إلى المواقع المحجوبة، ووقف التضييقات ضد حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات في مصر.
في الوقت ذاته، أعلنت منصات مختصة بالرقابة على الإنترنت تخطي عدد المواقع المحجوبة داخل مصر 500 موقع، من بينها مواقع “درب” و”مدى مصر” و”المنصة” و“درج”.
يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها موقع صحفي للحجب في مصر بعد فترة قليلة من الإعلان عنه، فقد تعرض موقع “كاتب” في يونيو 2018 للحجب بعد ساعات من إطلاقه، وهو موقع صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بينما في يونيو من عام 2017 تعرض الموقع الصحفي “البداية” للحجب في مصر، وكلاهما كانا تحت رئاسة تحرير، الصحفي خالد البلشي.
وفي تقرير بعنوان “قانونية الدخول على المواقع المحجوبة واستخدام أدوات تجاوز الحجب للوصول إليها”، أوضحت منصة “مسار” أن المُشرِّع أفرد فصلًا خاصًّا في باب العقوبات الوارد بقانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، يتناول جرائم الاعتداء على سلامة شبكات وأنظمة وتقنيات المعلومات، ويتناول هذا الفصل صورًا مُختلفة للجرائم التي قد تُشكل اعتداء على المواقع والحسابات الإلكترونية، سواء كانت مواقع وحسابات خاصة أو مواقع وحسابات تُدار بواسطة أو لحساب الدولة، ولم يتضمن هذا الفصل نصًّا صريحًا يُجرم أو يحظر الدخول على المواقع المحجوبة بشكل صريح، إلا أن هذا الفصل قد تضمن نصًّا خاصًّا بعنوان: “جريمة الدخول غير المشروع”.
وتنص المادة 14 على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من دخل عمدًا، أو دخل بخطأ غير عمدي وبقى بدون وجه حق، على موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتي محظور الدخول عليه.
فإذا نتج عن ذلك الدخول إتلاف أو محو أو تغيير أو نسخ أو إعادة نشر للبيانات أو المعلومات الموجودة على ذلك الموقع أو الحساب الخاص أو النظام المعلوماتي، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
يُشير نص المادة 14 إلى توفير حماية قانونية للمواقع والحسابات بأشكالها المُختلفة من الجرائم المرتبطة بالاعتداء على المواقع والحسابات مثل جرائم الاختراق والاعتداء على تصميمات المواقع، والنص هنا يُفرق بين نتيجتين، النتيجة الأولى والتي تتحقق بدخول أحد الأشخاص غير المخوَّل لهم بالدخول على أحد الحسابات أو المواقع بشكل عمدي أو غير عمدي، إلا أن تَحقُّق الجريمة بشكل غير عمدي يرتبط بضرورة البقاء داخل الحساب أو الموقع، ولم يحدد المُشرِّع الفترة الزمنية التي تتعلق بوجود المُستخدم في حساب أو موقع أو حساب غير مملوك له أو تقع إدارته تحت سيطرته الفعلية، ويفهم ضمنًا أن عملية البقاء هي عملية مُستمرة إلى حين اكتشافاها أو غياب أي دليل يدعم الخروج الفوري بعد عملية الدخول غير العمدي، وهنا يشترط لتحقق هذه الصورة ألا يحدث ضرر معلوماتي، نتيجة لهذا الدخول.
أما النتيجة الثانية، وهي الصورة المُشددة لجريمة الدخول غير المشروع، والتي تتحقق بحدوث ضرر معلوماتي يترتب على الدخول العمدي أو غير العمدي إلى أحد المواقع أو الحسابات، ومن أمثلة الضرر المعلوماتي الذي يُمكن أن يترتب على عملية الدخول، إتلاف أو محو أو تغيير أو نسخ أو إعادة نشر للبيانات أو المعلومات الموجودة على ذلك الموقع أو الحساب.
ويتضح من القراءة التفصيلية لنص المادة، أنها لا ترتبط بأي شكل بالدخول على المواقع المحجوبة. إلا أن صياغة هذا النص قد تؤدي إلى بعض سوء الفهم، حيث استخدم المُشرِّع عبارة: “على موقع أو حساب خاص أو نظام معلوماتي محظور الدخول عليه“، فاستخدام اللفظ المُتعلق بحظر الدخول، لا يعني المواقع الصادر في حقها قرار بالحجب، وذلك لأن المادة تتناول الدخول إلى نظام معلوماتي أو موقع أو حساب يحتاج إلى تصريح للدخول (كلمات مرور، مفاتيح مرور… إلخ) بما يسمح للمُصرَّح له بأن يكون لديه إمكانية التغيير بالمحو أو التعديل أو الإتلاف في هذا النظام أو الحصول على بيانات ومعلومات منه وإعادة نشرها، كما استخدم المُشرع مُصطلح المحظور بدلًا من المحجوب، فمُصطلح الحجب له استخدام واضح في هذا القانون كما ورد بالمادة (7) التي استخدمت لفظ “حجب المواقع” للدلالة على منع الجمهور من الوصول إلى موقع وِب أو حساب معين، ولم يستخدم المُشرِّع لفظ “حظر المواقع“.
تتم عملية حجب المواقع والحسابات عبر صورتين أساسيتين، الصورة الأولى الواردة بقانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات، حيث تم النص على الحجب كتدبير أوَّلي يتم اتخاذه في حالة قيام أدلة على قيام موقع يُبث داخل الدولة أو خارجها، بوضع أي عبارات أو أرقام أو صور أو أفلام أو أي مواد دعائية أو ما في حكمها بما يُعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، أو تشكل تهديدًا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، وقد ألزم المُشرِّع في هذه الحالة إبلاغ الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ليقوم بإخطار مقدم الخدمة بتنفيذ قرار الحجب،1 سواء كان ذلك القرار صادرًا عن جهة التحقيق أو عن جهات الضبط والتحري (الجهات الشرطية).
أما الصورة الثانية من الحجب فجاء تنظيمها من خلال قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180 لسنة 2018، والتي اتخذت شكل العقوبة الإدارية التي توقع على الحساب أو الموقع بشكل عام أو الحسابات والمواقع الشخصية التي يبلغ عدد مُتابعيها الخمسة آلاف أو أكثر، في حالة تم نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعـو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصب أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًّا أو قذفًا لهم أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.3
ولم يُحدد قانون تنظيم الإعلام ولائحته التنفيذية الضوابط المُتعلقة بإلزام مُقدمي الخدمة بتنفيذ قرارات المجلس المُتعلقة بحجب المواقع أو الحسابات، إلا أن هذا الإلزام يُفهم ضمنيًّا، خاصة أن قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارات نافذة يجب أن تلتزم بها كافة الجهات الحكومية ومن بينها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
ولا يوجد تجريم على مجرد حيازة واستخدام برمجية بعينها ومنها البرمجيات التي تُساعد المُستخدم في عملية تخطي الحجب، لكن يضع قانون مُكافحة جرائم تقنية المعلومات قاعدة تتعلق بتجريم استخدام وحيازة بعض البرمجيات بضوابط وشروط مُحددة..
وتنص المادة 22 من القانون على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من حاز أو أحرز أو جلب أو باع أو أتاح أو صنع أو أنتج أو استورد أو صدر أو تداول بأي صورة من صور التداول, أي أجهزة أو معدات أو أدوات أو برامج مصممة أو مطورة أو محورة أو أكواد مرور أو شفرات أو رموز أو أي بيانات مماثلة، بدون تصريح من الجهاز أو مسوغ من الواقع أو القانون، وثبت أن ذلك السلوك كان بغرض استخدام أي منها في ارتكاب أية جريمة من المنصوص عليها في هذا القانون أو إخفاء آثارها أو أدلتها أو ثبت ذلك الاستخدام أو التسهيل أو الإخفاء.