م. يحيى حسين عبد الهادي يكتب: متى يتكلمان؟

—————
فى الدولة المدنية (ونحن مِن دُعاتها) لا سُلْطة تنفيذية لكلٍ من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر ونيافة الأنبا بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (أَيَّاً كان اسمُ شاغل المنصب) .. لكن العقل الجَمْعى المصرى (بعيداً عن نشاز التطرف) يحتفظ لهما بسلطةٍ روحية، ومرجعيةٍ مُقَّدَرَةٍ فى الشئون الفقهية الخاصة بكلٍ من الديانتين .. ويتوقع منهما ما هو أكبر من المجاملات والتشريفات البروتوكولية .. ويضعهما فى مكانةٍ وطنيةٍ تتجاوز ضِيقَ الطائفة إلى بَراح الوطن بكل أطيافه وطوائفه .. فهما فى الأساس مواطنان مصريان ينبغى أن يشغلهما هَمُّ المصريين ككُل.


نتفهم كونهما على رأس مؤسستين محافظتين لا ثوريتين .. وأن نموذج الإمام أو البطريرك الثائر يظل الاستثناء الذى يؤكد القاعدة .. مثلما حدث عام ١٩٥١ عندما تحدث العالَمُ عن نفقات ومصاريف شهر عسل الملك فاروق وعروسه ناريمان والذى استمر ١٣ أسبوعاً على شواطئ فرنسا بينما الشعب يعانى الفقر والجهل والمرض، فأطلق الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر عبارته التاريخية (تقصيرٌ وتقتيرٌ هنا .. وتبذيرٌ وإسرافٌ هناك) .. وكان فى موقفه هذا مُعَّبِراً عن جموع المصريين مسلمين ومسيحيين، فتم عزله .. أو مثلما حدث فى عام ١٩٧٩ عندما وقف البابا شنودة ضد التطبيع فى عصر السادات مُعَّبِراً فى ذلك أيضاً عن جموع المصريين مسلمين ومسيحيين، فتم عزله أيضاً.

لا نطلب من الحَبريْن الجليليْن أن يكونا كهذين الحبريْن الثائريْن أو الانضمام لصفوف المعارضة لا سمح الله .. فلا يُكلف اللهُ نفساً إلا وسعها .. لا طبيعةُ المؤسستين المحافظتيْن تسمح، ولا طبيعةُ الرَجُلَيْن .. فقط نطلب منهما الغضبَ لشئٍ يُغضِبُ اللّهَ ربَّهُما .. ويُغضِبُ محمداً والمسيح عليهما السلام .. شئٌ فى صميم الدين قبل السياسة .. إذ يتعجب المرء وهو يطالع بياناتهما النارية دفاعاً عن المقهورين والمقموعين على مستوى العالم كمسلمى الإيجور والروهينجا ومسيحيى العراق .. بينما لم تصدر عنهما كلمةٌ واحدةٌ عن المقهورين والمقموعين المصريين فى السجون والمنافى .. وكأنما شُيِّدت جدران الأزهر والكنيسة من حوائط عازلةٍ للصوت .. تحجبُ أَنَّاتِ وعويلَ الآلاف من السجناء السياسيين المصريين وذويهم دون تفرقةٍ بين مسلمٍ ومسيحى فى مستوى الظلم والتلفيق (كان معى مسيحيون متهمون بالانضمام لتنظيم ولاية سيناء!!!!) .. أَلَا يُحَّرِمُ الدِينُ قبل السياسة الزَجَّ فى السجون بآلاف المعترضين السلميين على بعض السياسات والممارسات؟ .. أَلَا يُحَّرِمُ الدِينُ قبل السياسة التلفيقَ والتعذيبَ وانتهاكَ الحُرُمات وسرقةَ البيوت وترويعَ العائلات أثناء اعتقال ذويها؟ .. أليْسَ كُلُ ذلك حَراماً دِيناً، قبل أن يُشَّكِلَ جرائم دستوريةً وقانونيةً لا تسقط بالتقادم؟ .. لماذا لا يتكلم شيخ الأزهر وبابا الكنيسة عن هذه المآسي؟ .. بالنصيحة على الأقل، لا بالاستنكارِ والإدانة .. وهما بالقانون وبالهيبة فى حصانةٍ ومَأمَنٍ من العزل والتنكيل والاختفاء القسرى والحبس الاحتياطى .. ألا تكفى تسعُ سنواتٍ من الصمت؟ .. الصمتُ ليس دائماً فضيلة .. يا أصحاب الفضيلة.


مهندس/يحيى حسين عبد الهادى
٧ أغسطس ٢٠٢٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *