م. يحيى حسين عبد الهادي يكتب: لماذا لا نغير الإجابة؟

_______________
عندما ذهب الدكتور جلال أمين ليدرس في جامعة لندن لاحظ أن أسئلة امتحان مادة الاقتصاد تكاد لا تتغير من عام إلى عام.. ذهب إلى أستاذة المادة ليلفت نظرها إلى ما اعتقد أنه خطأ (أو تسريب)، فقالت له العالِمة الكبيرة: نحن في الاقتصاد لا نُغَيِّر الأسئلة ولكننا نُغَيِّرُ الإجابات.
أما في مصر المحروسة، فمنذ منتصف السبعينيات وعلى امتداد أربعين عاماً.. سقطت أنظمةٌ وتَغَيَّر رؤساء وثار شعب.. وسقطت في عالمنا دولٌ ونهضت أخرى وتغيرت نظريات.. لكن إجابة سؤال القطاع العام ظلَّت ثابتةً في مصر لا تتغير: البيع.. ولا شيء غير البيع .. نفس الإجابة وإن اختلف المُسَمَّى كنوعٍ من التذاكي.. تَراجع أساتذة الرأسمالية المتوحشة في العالم عن نظرياتهم بعد ثبوت فشلها.. لكن تلاميذهم عندنا لا يتراجعون ولا يتغيرون وإن تغيرت الأسماء.
أربعون عاماً من التمرغ تحت أقدام طبيبٍ لم يصف العلاج لمريضٍ إلا وزاده مرضاً.. كل دولةٍ امتدت لها يد صندوق النقد لم تُخَلِّف إلا خراباً.. انهيار الجهاز المصرفي .. أو دفع الدولة لإعلان الإفلاس .. أو الاقتراب من حافة المجاعة والتدخّل السافر فى شؤون البلاد .. أو بيع الأصول نظير مزيدٍ من الاقتراض .. أو كل ذلك معا ..أربعون عاماً وكهنة وأبناء الصندوق والبنك يقودون المسيرة الاقتصادية في مصر ويُلحّ إعلامهم على أن روشتة الخراب هي برنامج إصلاح لمجرد تسميتها كذلك.. أربعون عاماً تسرَّب بعضهم خلالها إلى المقاعد الوزارية وبدوا في ممارساتهم أقرب للوزراء الأجانب في حكومة الخديوِ إسماعيل ولكن بجوازات سفر مصرية.. ومنهم من كوفئ على إجابته الفاشلة بالتعيين في مؤسسته الدولية الأم بعد أدائه للمهمة.
أربعون عاماً والإجابةُ واحدة مع أن النتيجة لا تتغير: فشلٌ يُولّدُ فشلاً.. وعجزٌ يُفاقم عجزاً.. وفسادٌ يتراقص على أنغام البيع.. أعجبُ من قومٍ يتيهون في الأرض أربعين سنة ولا يُغيرون البوصلة ولا الأدِلَّة وقصاصي الأثر.
لماذا لا نُجرِّب إجابةً سبق تجريبها ونجحت.. إجابة الإنتاج بديلاً عن إجابة البيع؟.. لولا إجابة الإنتاج قبل أربعين سنة لما وجد سماسرة البيع ما يتسابقون لبيعه الآن.. والإنتاج ليس مجرد كلمة وإنما يعني رجالاً غير الرجال وسياساتٍ غير السياسات…يعني رجالاً من أصحاب الرسالات من طراز عزيز صدقي، وصدقي سليمان والمقدم دكتور مهندس يوسف إسماعيل الذى قاد ملحمة إنشاء مجمع مصر للألومنيوم سنة ١٩٦٩ في منطقةٍ قاحلةٍ تسمى صحراء الهوّ بنجع حمادي ورحل عن دنيانا دون أن يتملّك قصراً في إسبانيا ولا حتى في الساحل الشمالي، فقد كانت مصر في حالة حربٍ لا موسم تصييف.. مصر بحاجةٍ إلى رجال صناعةٍ بأكثر من احتياجها لسماسرة بورصة.
الفطرة الاقتصادية السليمة تقول أهلاً بالقطاع الخاص المصري والأجنبي وتذليل المعوقات من طريقه ليبني مصانع جديدة ويُشَغِّل عمالةً جديدة.. لا أن يستحوذ على مصانع قائمة رابحة تستخدمها الدولة الرشيدة لضبط الأسعار وكبْح جماح المحتكرين وتخفيض العجز والبطالة وتقوية العملة الوطنية.
إن بيع الأصول العامة لا يُعَبِّرُ عن فكرٍ اقتصاديّ بقدر ما يُعَبِّرُ عن إفلاسِ تاجر.. والبيع لا يتطلب عبقريةً اقتصاديةً نادرة وإنما تاجر مزادات.

ما سبق هو مقال قديم لى سبق نشره في 30 يوليو ٢٠١٦ .. وللأسف لا يزال صالحا فى ضوء الموجة الكاسحة الجديدة لبيع الأصول المملوكة للدولة لمشترين أجانب ثمنا لديون مستحقة لهم .. أما الشعب صاحب هذه الأصول فلم يستشره أحد .. لا عند الاستدانة ولا عند البيع .. وهو ما يهدد ببطلان هذه البيوعات ذات يوم.

مهندس/يحيى حسين عبد الهادى
١١ أغسطس ٢٠٢٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *