محمد جلال عبدالرحمن يكتب: في مواجهـة كورونا غــدا وليس الآن فقط

الانسان قبل الاقتصاد، لأن حقه في الحياة هو الحق الاولى والاهم، فلا يملك احدًا العدوان على حياة الآخرين كلها أو بعضها ولا بالتفريط فيها أو التقصير في حمايتها.

وأن دعاوى بعض رجال الاعمال وآخـرون من خلفهم ومطالباتهم بعودة الناس إلى ممارسة أعمالهم بعد وقت قريـب من اتخاذ الدولـة للتدابير الوقائية في مواجهـة كورونا دون تدبـر أو تدقيق أو تروٍ تدعو إلى تذكيرهم، بضرورة احترام حق الانسان في الحياة، وهو أمر بدهي قد يغيب عنهم لاجتهاد مبني على تقدير خاطئ لخطورة الموقف أو في أثناء بحثهم الذي لا ينقطـع عن تضخيـم ثرواتهـم، فطالب المال لا يشبــع.

فمن المهم تذكيرهم بأن حق الانسان في الحياه وتقديمه على أي اعتبارات أخرى مقطوع بـه في جميع الديانات السماوية والاتفاقيات أو المواثيق الدولية والتشريعات القانونية المحلية، فلا يحتاج أن ننشغل به أو نختلف عليه فنستقطع من اوقات مؤسسات الدولة الهامة او أوقات مجتمعنا في مواجهة امور اخرى هامـة تنتج عن كورونا في وقتنا الراهن او سوف تنتج مستقبلاً .

فمن الضروري تأجيل أي حديث في وقتنا الحاضر عن عودة الناس الى العمل لأنه مطلب متعجل يحتاج إلى دراسة متعمقة فلا يتم تخريجها بمعزل عن تقييم تجارب المجتمع الدولي من حولنا ولا عن اعتبارات نظامنا الصحي بحالته الراهنة ويكون القرار في ذلك على مستوى برلماني ومشاركة مجتمعية بتدبر وتدقيق كبير، والانتهاء إلى الاجابة على سؤال، كيف يمكن الجمع بين سلامة المواطن وممارسة اعمالهم او العودة إلى سلوكيات حياتهم؟، فخيار عودة الناس إلى ممارسة حياتها امُـر يجب أن يؤجل الآن مؤقتًا انطلاقًا من هذا الاعتبار الهام.

وبالإضافة الى المواجهة الطبيـة والعلاجية لوبـاء كورونا فأن الأمر يحتاج الى مواجهة تشريعية، فلماذا لا يُسن مجلس الشعب المصري تشريعات جديدة تساير وتواكب هذه النازلة التي سوف ينتج عنها عشرات من المتغيرات على كل المستويات اليوم أو مستقبلًا.

فمن هذه المتغيرات  مثلًا ما نلمسه على أرض الواقع من تغير كبير في الالتزام بالعقود أو المعاملات خاصة أن الفقه القانوني على مستوى دول العالم يشغله سؤالا الآن، هل وباء كورونا قوة قاهرة أم يخضع لنظرية الظروف الطارئة؟ فبالطبع إن اختلاف التكييف القانوني لهذه الجائحة في كلا الحالتين سوف يترتب عليه اختلاف المسئولية القانونية والكثير من الاحكام والآثار على مجمل المعاملات سواء عقود عمل أو مقاولات أو توريد أو تصنيع وغيرها وهو ما يسترعي ضرورة التدخل والمواجهة التشريعية وإعادة تنظيم كل هذه الامور ومعاجلة آثارها المستقبلية على المعاملات. 

فمن جانبي اقترح في مواجهة كورونا، أن يوضع في اعتبارنا خلال الفترة القادمة الآتي:-

أولاً: ضرورة نقل مستشفيات العزل خارج النطاق السكني فلا يتصور أننا نطلب البـدأ الآن في البناء في مناطق نائية ولكن هذا يمكن أن يكون متوافرًا في العقارات المطروحة للبناء من الدولة في النطاقات العمرانية الحديثة، مثلًا مدينة المنيا الجديدة أو دمياط الجديدة أو أسيوط الجديدة وفي حال عدم توافر ذلك يمكن للدولة ممارسة صلاحيتها في النزع القانوني لأي عقار في مكان ناء من العقارات العشوائية المنتشرة جدًا على امتداد طرق المدن والقرى في اغلب محافظات مصر وتعويض صاحبها كالمقابل الايجاري عن فترة الانتفاع بها.

ثانيًا: يجب ترسيخ أهمية الاعتماد على الانتاج المحلي في الفترة المقبلة لخطورة اعتماد الدول على الاستيراد على الاقل في الوقت الحالي وهو ما يستلزم ضرورة تدعيم الانتاج المحلي وخصوصًا الاعتماد على الزراعة والانتاج الحيواني والتصنيع الزراعي المحلي وتعظيم دور الفلاح المصري الذي اصبح ضعيف جدًا الآن، فاقتسام الشعب كسرة الخبز مع بعضهم أفضل من الصراع على نفاذها بعد استيرادها لأجل الاستئثار بها كلها وخير مثال لنا، تلك الازمة التي عايشها سيدنا يوسف عليه السلام في مصر، والتي أرخها لنا القرآن الكريم.

ثالثاً: اما فيما يخص العمل فلابد من تبني تطوير شبكات الانترنت بما يتلاءم مع قدرة العمال على تيسير ممارسة اعمالهم سواء في القطاعين العام او الخاص للعمل عن بعـد ولو جزئيًا بما يمكن أن يترتب على ذلك من توفير عدد من النفقات والتي من خلال يكون تخفيض الراتب بما يتناسب مع ساعات العمل اكثر وجاهة او منح العامل إجازة تحتسب من رصيد اجازته السنوية او منح العامل إجازة بدون أجر على غرار ما قامت به بعض الدول في تعديلاتها الاخيرة على انظمة العمل.

ونهايـة فإن الأمر واسعُ جدًا وسوف ينتج عنه تبعات يصعب حصرها وهو ما يحتاجنا الآن إلى النظر نظرة مستقبلية لا تنفصل عن حاضرنا في مواجهة كورونا تشريعيًا وأن نجيب على سـؤال: كيف يمكن مواجهة كورونا اقتصاديًا في ظل الحفاظ على الشعب وهو رأس المال الرئيس لمصر حفظها الله ولغيرها من المجتعمات ؟ والحد من آثاره المستقبليــة.

ايميل: mdgalal3@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *