طارق العوضي يكتب: التكيف مع كورونا.. التجربة الصينية

  لا ننكر أن جائحة فيروس كورونا، وضعت العالم أجمع في مأزق لا يحسد عليه، حتى باتت أرقام ضحاياه تتصدر عناوين نشرات الأخبار على مستوى العالم، وتستحوذ على اهتمامات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يكاد صوت يعلو فوق صوت الفيروس، فأصوات البنادق والمدافع، خفتت أمام صوت إنقاذ البشرية من خطر داهم يهدد بقاءها، حتى أن بعض الشعوب أصبحت تؤمن بأن هذا الفيروس سيجبر قادة العالم على التخلي عن الحروب التجارية والعسكرية التي كادت تشعل حربا عالمية خلال الآونة الأخيرة.

 وبعيدا عن إيمان بعض الأصوات بأن العالم بعد تفشي “كورونا” لن يكون هو نفسه بعد الوباء، أرى أنه علينا أن نستفيد جيدا من هذا الدرس، فالدرس قاس لا شك، وخسائره فادحة لا محالة، خاصة في دولة كمصر لا تزال تتحسس طريقها لنفض غبار ثورتين أصابتا شرايينها الاقتصادية بجلطات حادة، وما لبثت تلتقط أنفاسها بعد حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، حتى ضرب الوباء بعض دول العالم بشراسة، ومصر من بينها، لدرجة أن بعض الدول الكبرى كالصين كادت أن تتهاوى، غير أنها وبفضل ما تملكه من تكنولوجيات حديثة تمكنت من محاصرة هذا الوحش الكاسر والقضاء عليه .

  نجحت الصين في احتواء الوباء عبر الرقابة الشديدة التي انتهجتها تجاه مواطنيها من خلال تكنولوجيا الرقمنة أو ما يسمى ب”ديكتاتورية الرقمنة”، وقيام المستشفيات بنشر الروبوتات لمساعدة الأطقم الطبية على مكافحة تفشي الفيروس، إضافة إلى الاستفادة من التحول الرقمي في ضمان استمرار الحياة اليومية الطبيعية من خلال تمكين خدمات التعليم عبر الإنترنت والرعاية الصحية والتسوق والعمل من المنزل وسط حالة إغلاق للعديد من المدن، فضلا عن إطلاق تطبيق عبر الهواتف المحمولة يتعلق بكورونا لإعلام مستخدميه ما إذا كانوا على مقربة من أي شخص يرجح إصابته بالفيروس، وهو ما ساهم بشكل كبير في نجاح الصين في مهمتها .

    كما لجأت الصين إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والذي تُستخدم إحدى تقنياته في التعرف على الوجه، حيث كان يستخدم في السابق لضبط المجرمين والسارقين، لتقوم شركات التكنولوجيا – عقب انتشار كورونا – بتكييف خوارزمياتها لتحديد الأشخاص الذين لايرتدون الكمامات الطبية لمساعدة الشرطة في توجيههم لإرتدائها، فضلا عن نظام الإشعار في المترو الذي يصرح بوجود شخص لا يرتدي الكمامة .

     ولذلك فأنني أرى أن معظم القطاعات الحكومية والخاصة في مصر تمر حاليا بأسوأ اختبار بسبب التباطؤ في إتمام منظومة  التحول الرقمي وتجاهل التكيف مع الثورة الرقمية، وإن كانت هناك محاولات – وإن لم تكن على القدر المطلوب – لتطبيق هذه المنظومة، ومنها ما شاهدناه خلال الأيام الماضية من عقد اجتماعات عمل عبر الفيديوكونفرانس في بعض القطاعات الحكومية، وإجراء امتحانات الصف الأول الثانوي للطلاب عبر التابلت من منازلهم، واستخدام أساتذة الجامعات لمنصات اليوتيوب والفيديو في التعليم عن بعد، فضلا عن إجراء بعض المعاملات الحكومية عبر خدمات الواتس آب والدفع الفوري عبر الفيزا أو عبر تطبيقات الموبايل، غير أن كل هذه الخطوات لا تعدو كونها محاولات فردية واجتهادات غير منظمة، لتبقى الكثير من الخدمات معطلة مثل خدمات المرور والشهر العقاري والمحاكم، فضلا عن تخفيض أعداد الموظفين بجميع المصالح والجهات الحكومية وتقليص ساعات العمل بالبنوك .

     حان الآوان – وفورا – لتعيد كافة القطاعات الحكومية النظر في كيفية الاستفادة من منظومة الرقمنة والاعتماد علي الإنترنت كوسيلة لا غنى عنها، وهو ما يستلزم قيام الدولة بالانتهاء من التوصيلات الخاصة بالألياف الضوئية على مستوى الجمهورية، وإعداد مخطط زمني لتدريب الموظفين والمواطنين أيضا على كيفية التعامل والتكيف مع الثورة الرقمية التي تمثل لنا الحاضر والمستقبل كما أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي في افتتاح الدورة 23 لمؤتمر القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات “كايرو آي سي تي 2019” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *