محمد أحمد فؤاد يكتب: أسئلة في عصر ما قبل التداعي..!

دائما ما كان تفاقم الأزمات أو حدوث الإنهيارات بداية مناسبة لمرحلة أكثر نضجاً وعقلانية من حياة البشر..  كيف لا وقد أثبت التاريخ أن ملامح التحضر وفرص التقدم البشري تتبدى فقط لدى المجتمعات الجادة في تحسين أوضاعها وتغليب مصالح شعوبها على أي مآرب أخرى.. هذا ما شهده العالم في أعقاب التبعات الكارثية التي تلت الحروب العالمية الأولى 1914:1918 والثانية 1939: 1945 وكيف تعاملت معها الدول العظمى وكذالك الدول النامية الجادة في التحسن، وهو ما أحسبه شبيه إلى حد كبير بما نحن بصدده الأن من معركة العدو الأساسي فيها مخلوق لا يكاد يُرى بالعين المجردة..!

طالما سمعنا أصواتاً تتحدث من داخل وادي السيليكون “محراب التكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية” أنه بحلول العالم 2030 سيكون من المتاح التحكم في العقل البشري عن بعد، وكذا ترويضه وتوجيهه من خلال عدة تطبيقات وخصائص وأدوات ذكاء إصطناعي فائقة الدقة لا سبيل إلى شفراتها إلا من خلال مجموعة محدودة جداً من المستفيدين أشرت لهم مجازاً في مقالات سابقة بمسمى “عصابات سادة العالم”..  حينها سيصبح التحكم في البشر ومصائرهم وربما ملامح ضمائرهم مرهون ببرمجيات شديدة التطور ربما ليس لهم كأشخاص أي دخل فيها من حيث السيطرة أو النتائج.. وهذا حتما يقودنا لعدة تساؤلات مشروعة:

لصالح من سيكون هذا التطور المذهل.. البشرية والشعوب أم الأنظمة الحاكمة العاملة حينها.. أم كيانات إعتبارية غير معلومة..؟

كيف ستكون قانونية هذا التحكم.. وهل يُعفى الأفراد أو الجماعات من جزاء الخطأ كونهم كانوا في حكم مسلوبي الإرادة قسراً..؟

هل هناك طوائف سرية على شاكلة أفراد أو هيئات لا تظهر في المشهد، ستكون هي المستفيد الأوحد من هذا التقدم التقني المذهل..؟

ما هي الانعكاسات الإقتصادية لهذا النوع من السيطرة، وكيف سيكون تأثيره على العمالة البشرية ومعدلات البطالة..؟

هل سيمنع هذا التحكم القيادات والحكام ورؤوس السلطة من الخطأ، أو على أقل تقدير سيقلل من فرضية وقوعه..؟

سأكتفي مؤقتاً بتلك التساؤلات في هذا المنحى، ولنتطرق إلى الأزمة الإقتصادية العارمة التي تأتي على أثر تفشي وباء كوفيد 19 الشرس، والتي تبدو أنها آخذة في التفاقم بالرغم من الجهود المضنية التي تبذلها دول العالم كافة لإحتواء وتحجيم كم الخسائر البشرية والمعنوية والمادية جراء تحدي هذا الكائن الميكروسكوبي سريع الإنتشار رغم أنف البشرية جمعاء..  دعونا لا نقفز إلى النتائج الأن، ولنتابع تساؤلاتنا المشروعة:

بعد تبادل الإتهامات بالمسئولية بين دول وأنظمة عظيمة الشأن، هل يمكن توفير حقيقة علمية واحدة مكتملة بخصوص الفيروس..؟

كيف نثق  في تقارير منظمة الصحة العالمية علماً بأن رئيسها تيد روس إتُهم من قبل بالتستر على فضائح الكوليرا في بلاده..؟

لماذا عرض رئيس الولايات المتحدة مليار دولار على شركة كيور فاك الألمانية التي إقتربت من تحديد اللقاح المناسب لإحتكاره..؟

كيف ولماذا تحولت أوروبا فجأة إلى بؤرة موت بعد أن كانت أكثر بقاع العالم رفاهية وأعظمها أماناً لحياة المسنين وكبار السن..؟

هل حال هذا الذعر العام عفوي أم أنه كان ممنهج ومقصود.. وهل وراءه بعد أخر غير معلن يتعلق بمخططات جيوسياسية آجلة..؟

على صعيد آخر لا يقل خطورة، تشهد أسواق الطاقة الدولية حالياً إنهيارات مدوية في الأسعار، فإنكماش الطاقات الصناعية الكبرى بفعل فيروس كورونا المستجد أدى لإنخفاض حاد على الطلب في مقابل سياسة الإغراق التي إنتهجتها السعودية على عكس توجهات الدول العظمى في تلك الظروف.. هناك توتر واضح بين روسيا والسعودية بهذا الشأن، لكنهما حتماً ما سيعملان على رفع السعر بشكل تدريجي لتحجيم الخسائر.. الولايات المتحدة خسرت إستثماراتها بفداحة في إستخراج الوقود الأحفوري، وفي المقابل ستتقلص فاتورة الطاقة للصين حال إستئناف عجلة الصناعة هناك لحركتها المعتادة مستفيدة من تدني السعر الحالي.. ونعود هنا للتساؤل:

هل مناوشات الأسعار في أسواق الوقود هي باكورة ملامح حرب عالمية ثالثة إقتصادية وليست عسكرية بالضرورة..؟

هل هناك بالفعل مصالح روسية- سعودية مشتركة رغم التوترات الظاهرة، وهل سيخرج هذا الولايات المتحدة من المعادلة..؟

هل ستنعكس حرب أسعار النفط  بالسلب على القارة العجوز وستكون بالفعل بداية تفكيك وحل الإتحاد الأوروبي..؟

هل تستعيد الصين عافيتها الإقتصادية سريعاً، وهل ستكون محاولة إسقاط  سطوة العملة الأمريكية هي أول ملامح هذا التعافي..؟

كيف توارت فجأة الصراعات السياسية المحمومة في كافة أرجاء العالم، وهل هي نهاية، أم إنذار بجولة أشد خطورة وأكثر فتكاً..؟

العالم الآن في لحظة إلتفاف وتوحد غير مسبوقة، وهو توحد على الرعب من فيروس معلوم الخطورة مجهول التبعات..! رهاب المرض هو أخطر مسببات الخلل النفسي خصوصاً حين يكون جماعياً في ظل غياب العلاج أو تباطؤ توافره..  كشفت تلك الأزمة أن العديد من الأنظمة السياسية المرموقة لم تكن على مستوى الجاهزية المطلوبة في حالات الوباء، وأنها أظهرت ضعفا مزعجا بالرغم مما يتم حشده من ضرائب متعددة المصادر لتوفير أرصدة الرعاية الصحية المزعومة..  وإلا كيف يمكن تفسير عدم كفاية التجهيزات الطبية في دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي اجتاحها الوباء بتسارع محموم..؟.

المسئولية الأخلاقية للدول الكبرى إنهزمت بشكل مؤسف، وأصبحت المعايير والقيم الإنسانية مجرد شعارات هشة لا تكفي لتحقيق طموحات الأجيال القادمة، ومن هذا ربما وجب القول بأن تغير صورة العالم أصبح حتمي.. ولكن لأي قالب سيكون هذا التغيير..؟

هل تتراجع العولمة بكل ملامحها وتسقط التحالفات الإقتصادية والعسكرية وتعود الأمور لمرحلة هيمنة القطبين السياسيين الأقوى مع دول محورية تدور تارة في فلك معسكر الشرق وأخرى في معسكر الغرب..؟ أم ستظهر في الأفق أساليب أكثر إثارة تحكمها فقط قدرات من يملكون أدوات الذكاء الإصطناعي ويكون التحكم في البشر ومصائرهم عن بعد هو الوسيلة الجهنمية لتحديد طاقة الكون الإستيعابية..؟

حينما يتراجع الإحساس بالمنعة والأمان لدى الشعوب المتقدمة حتى يتساوى الجميع من أثرياء مرفهين مع من هم معدمين وأقل حظاً، ويتوارى بريق الرفاهية أمام حلم جماعي بالتوصل السريع إلى لقاح يستطيع إيقاف هذا الغول الوبائي غير المرئي الذي يحصد الأرواح دون تمييز.. فالأمر إذاً قد يسمح لصناع أدوات الإبادة التقليدية كالأسلحة بأنواعها بمزيد من ممارسات الإحتكار والعنصرية، ببساطة لأنهم وحدهم يملكون أسرار العلم والتكنولوجيا، والأهم هو سيطرتهم على وصفات العلاج ومفاتيح التحكم..! 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *