كمال مغيث يكتب: عيد الغطاس .. والقصب والقلقاس 

لا أنس ماقرأت منذ أزمان فى الأساطير اليونانية القديمة، عندما يحل العيد أن تطلب الآلهة التضحية بثور هائل، وتبتهج الآلهة وهى ترى الدم ينبجس كالنافورة من رقبة الثور ويلطخ الصخور والملابس، ثم توقد نارا مستعرة حيث يلقى عليها بحواشى الثور وامعائه ويرتفع فى السماء رائحة الدهن المحترق الذى يسعد الآلهة وهو يملأ معاطسها، وفى الإلياذة لم تقبل الآلهة أن تسوق الرياح لتحرك سفن الطرواديين إلا إذا قدم أجاممنون الطاغية دماء ابنته الحبيبة إفجينيا قربانا للآلهة.. ولم تقبل آلهة مكة أن تعف عن دم عبد الله والد الرسول “ص” إلا بدماء مئة من الإبل، وقل مثل ذلك كثير لدى آلهة الحرب فى اليونان والرومان وآشور وغيرها. 

أما فى مصر فلم تطلب الآلهة فى أعيادها المختلفة إلا ما يتسق مع حياة الناس وأعمالهم وأخلاقهم، ولم تحتوى مائدة القرابين عند الفراعنة إلا زهور وخبز وعطور وجعة ولحما مذبوحا، ومازلنا نحتفل فى شم النسيم بالفسيخ والسردين والخس والملانة والبيض الملون تعبيرا عن الفرح، وفى عيد الفطر نحتفل بعمل انواع القرص والكحك والبسكويت، وفى مولد النبى نحتفل بالحصان والعروسة الحلاوة، وانواع عديدة من الحلوى سمسمية وحمصية وفوليه ولديدة وملبن وغيرها، وفى عاشوراء بينما يطعن شيعة العراق رؤوسهم بالمدى ليغطى الدم أجسامهم فنحن هنا نحتفل به بالتفنن فى صناعة أنواع البليلة  

أما عيد الغطاس فهو طقس معروف عند المسيحيين يحتفلون به فى شهر يناير، لذكرى تعميد يوحنا المعمدان ليسوع المسيح فى نهر الأردن .. وإلى هنا ليس هناك علاقة بين المذكور فى الأناجيل، وموضوع أكل القلقاس أو القصب، إنما هى العبقرية المصرية والشغف المصرى القديم بإضافة الطقوس والطعوم المختلفة على أعيادهم ليضيفوا إلى دياناتهم مذاقا خاصا وحلوا 

ويأت الربط بين القلقاس والعقيدة المسيحية من طريقة تخزين القلقاس، فالمعروف أن طرق التخزين تتنوع وتختلف، فالقمح يخزن فى صوامع مرتفعة على أسطح البيوت غالبا، والفول يخزن فى تجاويف تحت الأرض “مكامير”.. والسمن البلدى “الزبدة” يسيح ليتخلص من بقايا الحليب والملح فى “المورتة” ويوضع السائل السايح ليتجمد فى برانى، وأنواع من الخبز “البتاو” تترك لتجف تماما ثم تخزن وتبلل وتقمر عند أكلها، والجبن القريش توضع فى المش شديد الملوحة 

أما طريقة تخزين القلقاس فهى بالدفن فى الأرض، كانت أمى فى موسم القلقاس تشترى جوالا مملوءا به وتطلب منى مساعدتها فى حفر قطعة الأرض الملحقة ببيتنا – المهم تكون جافة – وعند رغبتها فى طبخ القلقاس، تطلب منى أن آخذ “المنقرة” وأحفر الأرض التى أعرفها بالطبع وأستخرج لها قلقاستين، فكأن فكرة الموت والدفن والعودة للحياة.. هى الرابط بين المسيحية والقلقاس 

أما القصب فاعتقد أن الربط بين القصب والمسيحية يعود لطبيعة زراعة القصب، فطرق الزراعة تتنوع، فالذرة والقمح تزرع ببذر البذور فى الأرض الجافة، أما البرسيم فتبذر بذورة فى الأرض التى تغطيها المياة، والآرز يزرع بشتل نباتاته الصغيرة، أما الموز والنخيل فيزرع بالفسيلة أو أخذ الشجيرات الصغيرة التى تنبت من جذور النباتات الكبيرة وتزرع بعيدا عن الأم 

أما القصب فيزرع بطريقة الترقيد، فبين العقلة والعقلة من القصب يوجد برعم صغير، فتقطع من وسط العقلة لوسط العقلة التى تليها، بحيث يبقى البرعم سليما، ثم تؤخذ تلك العقلة التى تضم البرعم ليتم ترقيدها فى الأرض ليقوم االبرعم ويشب، وكأنه “رقد على رجاء القيامة”….. وكل سنة وأهلنا وبلدنا بخير … يسعد أوقاتكم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *